داعش من تنظيم مرفوض لواقع مفروض
داعش من تنظيم مرفوض لواقع مفروضداعش من تنظيم مرفوض لواقع مفروض

داعش من تنظيم مرفوض لواقع مفروض

تتحرك محاربة تنظيم داعش، على وقع ما ينقله الإعلام، لا على ما يحدث في الميدان، والاهتمام الذي أظهره العالم بتمدد التنظيم في العراق والشام، يتراجع جغرافيا ليتركز على مدينة عين العرب كوباني، ويتراجع سياسيا، لتصبح الممارسات والتجاوزات غير الإنسانية للتنظيم عنوانا للأزمة، ومفتاحا لها، وكأن استمرار وجود التنظيم محسوم، واستمرار سيطرته على مناطق أخرى مقبول.



الذين يتطلعون لحسم المواجهة مع التنظيم ليسوا قادرين، والذين يملكون القدرة مترددين. وفي كلا الحالين تأخذ المواجهة طابع السجال السياسي والإعلامي، أكثر من طابع المواجهة الميدانية، بحيث تصبح العمليات العسكرية للتحالف أقرب لرفع العتب أو تقطيع الوقت، بانتظار التوافق على كيفية الحسم أو إمكانيته.

وبين العجز عن الفعل، وبين التردد فيه، تعيش المنطقة حالة انتظار مكلفة، تستنزف فيها دول المنطقة بشريا وماديا، وتتآكل قدراتها على حشد الاستعداد لمواجهة الخطر الذي يقف على حدودها، أو يمنع انفجارالخطر المتربص في داخلها.

ومن تابع الوقت الذي احتاجته تركيا للسماح لقوات البشمركة الكردية لنجدة أهالي كوباني، ومن انتبه إلى طبيعة التقارير الميدانية حول المدينة، يشعر كما لو أن سقوط كوباني أو صمودها هو الذي سيغير معادلة المعركة مع داعش، ويفتح الطريق لتصفية الإرهاب واجتثاثه علما بأن هناك مدنا كاملة، وأقاليم واسعة، يسيطر عليها التنظيم، تتعرض لممارسات أقسى، وأفظع مما حدث ويحدث في كوباني وما حولها.

ويبدو أن أولويات، أو قدرات الأطراف التي تواجه التنظيم، ليست واحدة. وإيقاع الحرب، لا يتم ضمن سياق متكامل، ورؤية مشتركة، بل يتفاوت صعودا وهبوطا مع قدرة كل طرف على التأثير وقدرته على الحشد. رأينا ذلك عندما اقترب التنظيم من المناطق الكردية في شمال العراق ومناطق كردية في شمال سوريا، حيث تحركت قوى عديدة لوقف زحف التنظيم، ورأينا ذلك عندما تجاوز التنظيم مناطق الأنبار وووصل مشارف بغداد، وهدد المزارات في جنوب العراق والحدود مع السعودية.

لكن مع انحسار القتال في هذه المناطق، تراجع إيقاع المواجهة بالرغم من تزايد أعداد الضحايا في المناطق التي ظلت تحت سيطرة التنظيم، و وبالرغم من تزايد فرصه في فرض واقع اجتماعي واقتصادي على تلك المناطق.

والواضح اليوم أن تنظيم داعش، أخذ يصبح تدريجيا جزءاً من معادلة الإقليم، لا خطرا طارئا عليه، والجدل الدائر بشأن كيفية مواجهة التنظيم وآليات هذه المواجهة، يختلط بكيفية تسوية مافي الإقليم من مشكلات أخرى، وما يتعرض له من مخاطر، في تجاهل مقصود أو غير مقصود لأصحاب الأرض المعنين بدفع الثمن من حياتهم وأمنهم وموروثهم الثقافي وحياتهم الاجتماعية ومواردهم الاقتصادية.

ربط مواجهة تنظيم داعش، بأزمات الإقليم لا يعني فقط تقليل فرص الحسم وإطالة أمد المواجهة، بل ترك المنطقة نهبا لاحتمالات، أقلها تحول التنظيم من حالة شاذة طارئة إلى واقع سياسي مستدام، شأنه في هذا شأن كثير من القوى والتنظيمات المسلحة التي بدأت كحركات تمرد مرفوضة لتصبح فيما بعد دولا أو تنظيمات شريكة مسيطرة.

فرص داعش للتحول من تنظيم مرفوض إلى واقع مفروض، فرص حقيقية في ظل هذا التباين والاختلاف بين من تكفل بقتال التنظيم ومن تداعى لمواجهته. فقوى التحالف الغربية وهي تشارك في الضربات الجوية لا تبذل في هذه المواجهة، ما يتناسب مع قوتها ومع إمكانياتها، والغارات الجوية التي تشارك فيها لا تبدو قادرة على تغيير المعادلة أو تعديل الميزان. أما القوى العربية التي تتحسب من خطر التنظيم، فإنها تفعل ذلك بالحدود التي لا ترتب عليها أعباء أكثر من طاقتها، أو كلفة تؤثر على أولوياتها وحساباتها الداخلية.

الدول الإقليمية الأخرى، تتعامل مع داعش كفرصة سانحة لا كخطر داهم. فإيران تجد في أفعال التنظيم، وممارساته، ما تقايض به وما يستجلب لها الاعتراف بصدقية الدورفي سوريا والعراق، وامتدادا حماية الحليف الدائم في لبنان، بحيث يصبح هذا الدور تعبيرا عن مقاومة الإرهاب لا انتصارا للمذهب.

أما تركيا فتجد في التنظيم ما يكبح الجموح القومي للأكراد في سوريا والعراق، والذي ينعش في حال نجاحه المطامح القومية للأكراد الأتراك. كما تجد في التنظيم ورقة مناورة تتمكن فيها من إسقاط النظام السوري الذي تعتبره عثرة في طريق إحياء الامبراطورية العثمانية، وفاصلا يحول دون وصولها للعمق السني في بلاد الخليج.

خطورة المراوحة في مواجهة داعش أنها تستنزف مع الوقت، جهود الدول المحيطة لمحاربة نشاط التنظيم لا في خارج الحدود، بل في الداخل أيضا. فأنصار التنظيم ومريدوه يعتبرون صمود التنظيم وبقاء سيطرته لوقت طويل، دليل انتصار، يغري المتردد للانضمام إليه، والالتحاق به، أوالعمل في خدمته ولو كطابور خامس من الداخل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com