الأعداء الجدد إيران وتركيا
الأعداء الجدد إيران وتركياالأعداء الجدد إيران وتركيا

الأعداء الجدد إيران وتركيا

يستغرب كثيرون وضع إيران وتركيا في نفس خانة الأعداء التي توضع فيها إسرائيل، وقد يدّعي البعض أن في ذلك تجنيًا على الدولتين، أو ممالأة لإسرائيل، التي يعتبرونها  العدو الأصيل، أو ربما  الوحيد، الذي يستحق هذا التوصيف، وينطبق عليه هذا التعريف.

ومع الإقرار بأن هناك فوارق تاريخية، وسياسية أثرت على هذا التصنيف، إلا أن الوقائع والشواهد التي مرت بها المنطقة منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن  تشير إلى أن الفوارق تتقلص، والهامش يضيق، بين من نعتبره عدوًا مؤكدًا وواضحًا، وبين من كنّا نراه صديقًا وشقيقًا، لنكتشف بعد ذلك، أن كل شيء فيه يشي بالعدوان، ويتحفز للهيمنة والتوسع.

ورغم تنوع وتعدد ما شهده الإقليم من حروب وكوارث، بقي هذا التصنيف، هو البوصلة التي تحكم علاقاتنا بالمحيط، فظلت قضية فلسطين وما تلاها من تداعيات، محور تقييمنا لعلاقاتنا بالمحيط الإقليمي، وأساس تحالفاتنا الدولية، وتغافلنا بقصد، أو بدون قصد عن حوادث مفصلية، أظهرت أن هناك آخرين بين ظهرانينا، لهم مطامع، وسياسات، لا تقل في شرهها، وعدائها، عن إسرائيل.

 ومع أن هناك من تنبه مبكرًا، إلى الأعداء الجدد – إن جاز التعبير – إلا أن تلك التنبيهات،  والتحذيرات، لم تؤخذ على محمل الجد، وظل الحديث عنها جزءًا من المماحكات السياسية والخلافات الايديولوجية، والاجتهادات العقائدية.

ففي الخمسينيات وفي ذروة المد القومي واليساري، صُنّفت إيران من قبل القوميين واليساريين العرب كقوىً معادية، لا بالمعنى السياسي فقط بل بالمعنى المادي الذي تمثل في اتهام طهران باغتصاب إقليم عربستان وضمه إلى الإمبراطورية الفارسية التي كان الشاه يسعى إلى إحيائها. واستمر هذا التصنيف حيًّا خلال حقبة الستينيات وأوائل السبعينيات التي شهدت مواجهات حدودية بين العراق وإيران، انتهت باتفاق جائر لصالح إيران في شط العرب، قبل أن تتجدد في حرب سافرة بين البلدين استمرت ثماني سنوات وراح ضحيتها ملايين من القتلى والجرحى والمشردين وخسائر بمئات المليارات من الموارد والفرص الضائعة.

لم يأخذ ذلك العداء طابعًا سياسيًا أو فكريًا فحسب، بل عبّر عن نفسه في إعلان شاه إيران نيته لعب دور الشرطي في الخليج، وفي إظهار مطامعه في البحرين، قبل أن تتجسد هذه المطامع واقعًا فعليًا في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبوموسى.

وكنا نعتقد أن هذه الصفحة ستُطوى مع انتصار الثورة الإيرانية في مارس من عام 1979، لنكتشف أن تلك الثورة ومخرجاتها، هي بداية لنسخة جديدة من العدوان ولكن بعنوان مختلف، هو مشروع "تصدير الثورة"، الذي بدأ مباشرة عبر عمليات إرهابية استفزازية، انتهت بالمحصلة إلى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية والتي تورطت فيها بشكل غير مباشر الدول الخليجية الأخرى، بعد أن أدركت أن انتصار إيران في الحرب على العراق سيمهد لحرب أخرى على دول الخليج ذاتها .

ومع أن مشروع تصدير الثورة، فشل من حيث الشكل، إلا أنه بقي حاضرًا في الذهنية الإيرانية ويتربص بالمنطقة، ويتحين فرصة التنفيذ. وما إن حانت الساعة حتى وجدنا إيران تستغل الفراغ الذي أحدثته الحرب الأمريكية على العراق،  لتتمدد هناك وتتغلغل إلى نسيج المجتمع العراقي، حتى أصبحت خلال سنوات قوة احتلال حقيقية يتقرر من خلالها، ووفق إرادتها الكثير من القضايا المتصلة بحياة العراقيين ومستقبلهم .

ولم تكتف طهران بهذه الغنيمة، فوجدت في ثورات ما عرف بالربيع العربي فرصة، لإحياء مشروعها الأول وهو تصدير الثورة، وبدأت سلسلة من التدخلات في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، واستطاعت أن تجد لها موطئ قدم في سوريا ولبنان، فيما حاولت زعزعة أمن المملكة العربية السعودية من خلال التدخل في شؤون البحرين وبعمليات التحريض في المنطقة الشرقية، فضلًا عن التدخل في اليمن من خلال جماعة الحوثيين .

وبالمحصلة  وجدنا أنفسنا في حرب مفتوحة مع إيران على عدة جبهات، ووجدنا أن مجموع ما خسره العرب من مناطق جغرافية على شكل احتلال مباشر، كعربستان والجزر أو نفوذ كبير في العراق وسوريا ولبنان، أو تهديد عن بُعد كدول الخليج واليمن، هو أضعاف ما لحق بالعرب من خسائر على يد العدو الإسرائيلي.

إلى ذلك كله فإن نزعة التطرف في عالمنا العربي، وجدت زخمًا كبيرًا منذ اعتلاء الملالي في إيران مقاليد السلطة هناك، حيث بدأوا ببث خطاب طائفي مذهبي تحريضي، يستفز المذاهب الأخرى في المنطقة، قبل أن يتحول هذا الاستفزاز إلى حروب طائفية مقيتة.

تركيا هي مثل آخر من الأمثلة التي تجنب كثيرون تصنيفها ضمن قائمة الدول المعادية، رغم التاريخ العثماني الأسود في العالم العربي، ورغم قيام تركيا العلمانية باغتصاب إقليم الاسكندرون السوري، واحتلالها مؤخرًا لمناطق في سوريا بذريعة منع قيام دولة كردية، فضلًا عن تدخلاتها لزعزعة استقرار دول عربية هامة وحيوية مثل مصر وليبيا.

لكن لفْتَ الانتباه إلى عداوة إيران وتركيا، لا يعني تبيض صفحة إسرائيل، ولا استبعادها من قائمة الأعداء، واستبدالها بأعداء جدد، بل هو محاولة لتأصيل وتحديد  مفهوم العداء، وتوحيد المصطلحات التي نتج عن الخلط بينها، نوع من الغفلة عن مصالحنا الوطنية والقومية، وهو ما أتاح بيئة خصبة للذين يضمرون  لنا العداء، ويعملون على انتهاك استقلالنا وكرامتنا، باستغلال الدين كتقية لمطامعهم، أو ستار يخفي نواياهم الحقيقية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com