قطر في كامب ديفيد
قطر في كامب ديفيدقطر في كامب ديفيد

قطر في كامب ديفيد

تُراهن قطر للخروج من أزمتها مع الدول العربية المقاطعة لها على واشنطن. وهذا الأمر ليس تطورًا جديدًا،ولا تغيرًا في أسلوب تعاطيها ومقاربتها للأزمة، بل هو استمرار لنهج سارت عليه منذ البداية، والذي كان يستهدف تدويل الأزمة، وإبعاد القضية عن محيطها الطبيعي، وإيصال الوساطات الخليجية والعربية التي جرت بشأنها، إلى طرق مسدودة، لا في العام الماضي فقط بل خلال السنوات العديدة التي أدارت فيها ظهرها لكل مطالب الدول المُقاطعة، وتنكّرت خلالها لاتفاقات وقّعت عليها وتراجعت عنها، في استخفاف واضح بهواجس الدول المُقاطعة ومطالبها.

والاجتماع المقبل بين دول الخليج والولايات المتحدة، الذي يمثّل في العادة محطة مهمة في العلاقات الخليجية الأمريكية، هو مناسبة جديدة تحاول فيها الدوحة، إحياء مساعيها لتدويل الأزمة، وإعادة الحرارة لوساطة أمريكية لم تكتمل بسبب إصرار قطر على تجاهل جوهر الأزمة، وتصويرها كخلاف سياسي مع جيرانها، واختلاف في وجهات النظر، أو في الاجتهادات.

ومع أن المدة التي تفصلنا، عن الاجتماع المنتظر في كامب ديفيد، قد تسمح للدوحة برفع سقف التوقعات على صعيد مآلات الأزمة، وتداعياتها، فإن الخطاب القطري بهذا الشأن يوحي كما لو أن المشاركين في الاجتماع ليس لديهم من موضوعات يبحثونها مع واشنطن إلا الخلاف مع قطر، أو كأنهم يذهبون إلى هناك وهم تحت ضغوط أمريكية للخروج بحلول، والوصول إلى تسويات،  قبل بحث أي شأن آخر، وهو ما يعني أن دول الخليج تساق  للاجتماع قسرًا، أو أن الاجتماع هو فخ منصوب لها.

تعويل الدوحة على واشنطن من أجل تحقيق اختراق في أزمتها مع محيطها الخليجي والعربي، له أحد تفسيرين: إما لأن لديها جديدًا يقنع واشنطن بممارسة ضغوط على الدول المُقاطعة لسحب مطالبها، والتخلي عن اشتراطاتها، أو أنها مستعدة لتقديم تنازلات، ولكن عبر واشنطن بغرض حفظ ماء الوجه، وقطف  انتصار سياسي تبرر فيه -أمام شعبها- العناد والمكابرة اللذين اتسمت بهما مقاربتها للأ زمة طوال الفترة الماضية، و ما نتج عن هذا السلوك من خسائر مادية وكلفة سياسية.

والسؤال المطروح هنا هو: هل ما ستقدمه الدوحة لواشنطن من تنازلات، في الاجتماع المنتظر،  يختلف عن المطالب الـ13 التي طلبتها الدول المُقاطعة؟ وهل المرونة التي قد تبديها قطر في الاجتماع المشار إليه  لم تكن ممكنة في الوساطات والمبادرات الخليجية والعربية السابقة؟، وما هو الجديد الذي تعوّل عليه قطر لإقناع الدول المقاطعة، ودفعها  للتخلي عن مطالبها، أو تعديلها بالشكل الذي يرضيها ويبرر ما مارسته من تصلب وعناد .

غالب الظن أن دول الخليج المُقاطعة لقطر ليس لديها ما يدفعها لتغيير موقفها والتنازل عن مطالبها، خاصة وأن هناك توافقًا عليها أو على معظمها مع الولايات المتحدة نفسها، بل و حتى مع الدوحة ذاتها، التي سبق لأميرها أن وقع اتفاقًا بهذا المعنى منذ العام 2013 .

ولعل التصريحات المتواترة، لمسؤولين خليجيين عن أن الأزمة ستستمر سنوات وأن أي حل لها رهن بالسلوك القطري لا بتغيّر في الموقف الخليجي، يؤكد أن دول الخليج المقاطعة للدوحة، لا تشعر  -بعكس قطر- بأي وضع سياسي أو اقتصادي ضاغط يجبرها على تغيير موقفها المعلن، والتنازل عن أي من مطالبها.

وحتى بافتراض أن هناك تسوية ما، فإن الحدّ الأدنى المقبول كتنازلات من الدوحة، كان يمكن أن يقدم مباشرة للدول المُقاطعة دون الحاجة إلى تكبد عناء وكلفة وساطات وتوسلات هنا وهناك، ودون الحاجة إلى دفع هذه الأكلاف المادية والمعنوية الباهظة، التي تكبدتها قطر طوال فترة الأزمة وأرهقتها قبل غيرها، فضلًا عما سببته من شرخ نفسي ووطني  يصعب التئامه.

في كل الأحوال، وسواء كانت الأزمة القطرية، على جدول أعمال الاجتماع الأمريكي الخليجي، أو كانت ضمن الاتصالات، التي تجري على هامشها؛ فإنها ستأخذ حجمها الطبيعي كأزمة صغيرة جدًا جدًا، وليس انسياقًا وراء عادة قطر في تضخيم الذات، ودعايتها، والإيحاء بأن الأزمة، مع الدول المجاورة، هي مبتدأ الاجتماع، وخبره، وأنه بدون حلّها لا يمكن مقاربة الموضوعات الكثيرة الأخرى  على جدول أعمال الاجتماع ، والتي تتصل بالعلاقات الخليجية الأمريكية بشكل خاص، والعربية الأمريكية بشكل عام وهي موضوعات تتجاوز في أهميتها كل ما قدمته الرواية القطرية إلى الآن.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com