واشنطن وقضية اللاجئين الفلسطينيين.. عقاب بنكهة التصفية
واشنطن وقضية اللاجئين الفلسطينيين.. عقاب بنكهة التصفيةواشنطن وقضية اللاجئين الفلسطينيين.. عقاب بنكهة التصفية

واشنطن وقضية اللاجئين الفلسطينيين.. عقاب بنكهة التصفية

استهداف منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بالعقوبات الأمريكية، له معنى سياسي تتجاوز آثاره الأبعاد الإنسانية. بل إن قيمته الاقتصادية المجردة، تبدو هامشية إذا أخذنا بعين الاعتبار، التآكل المستمر في ميزانية وخدمات وكالة الغوث، وعدم تناسب ما يتوافر لها من موارد مع الأعباء المتزايدة التي تتحملها الوكالة، خاصة بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مخيمات، وأماكن اللجوء الفلسطيني إن داخل فلسطين ( غزة والضفة ) أو مخيمات الشتات في لبنان وسوريا، وإذا أخذنا بالاعتبار أيضًا، الكلف العالية التي تدفع من هذه الميزانية، كمخصصات وامتيازات لجيوش من موظفي المنظمة الدولية.

التقديرات تشير إلى أن واشنطن ستقلص مساهمتها في ميزانية الوكالة بمقدار 65 مليون دولار أي نصف المساهمة السنوية الأمريكية، وهذا المبلغ لا يبدو كافيًا لإحداث فرق جوهري في مستوى ما يقدم للاجئين الفلسطينيين من خدمات، و مساعدات. ومن المؤكد أن هذا المبلغ أو حتى كامل الحصة الأمريكية في الميزانية، لن تبدل الموقف الفلسطيني والعربي إزاء معاني الدور الذي تلعبه الوكالة، باعتباره تعبيرًا عن التزام دولي، وموقف سياسي مستحق، من قضية اللاجئين التي تشكل عنصرًا أساسًا من عناصر القضية الفلسطينية، وبندًا ثابتًا من بنود أي تسوية لهذه القضية.

وليس غريبًا أن تختار واشنطن الأونروا هدفًا لعقوباتها الجديدة، التي تفرضها كردة فعل على قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإدانة الاعتراف الأمريكي بالقدس. فعودة اللاجئين إلى ديارهم التي أخرجوا منها العام 1948، كانت في صلب القرارات الدولية التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت أيضًا، - حالها في هذا حال القدس المحتلة -  من بين قضايا الحل النهائي التي اتفق الفلسطينيون والإسرائيليون في أوسلو على تأجيل بحثها ومناقشتها، لمرحلة الحل النهائي.

ويبدو أن واشنطن التي تبنت الموقف الإسرائيلي من قضية القدس الشريف، تتمادى في موقفها من خلال تبني الموقف الإسرائيلي، من قضية اللاجئين، وصولًا إلى اختزال القضايا الخلافية مع الجانب الفلسطيني، وحصرها بما يضمن الوصول إلى حلول على مقاس، تل أبيب واستراتيجيتها.

الولايات المتحدة بتقليص مساعداتها للأونروا، واعتبار هذا التقليص نوعًا من العقاب للسلطة الوطنية الفلسطينية بسبب ما اعتبرته واشنطن تجاوزًا فلسطينيًا عليها، يحمل في طياته تغيرًا في السياسة الأمريكية تجاه اللاجئين، وتملصًا من الالتزام الأمريكي بالقرار المنشئ لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

فقرار التقليص يجعل مشكلة اللاجئين مشكلة فلسطينية، وليست قضية سياسية يحكمها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وهو ما يعني ضمنًا إخراجها من التداول كإحدى أبرز القضايا الخلافية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

بهذا المعنى فإن تقليص المساهمة الأمريكية في ميزانية الأونروا، ليس إجراءً عقابيًا أمريكيًا مجردًا، بل يحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن مشكلة اللاجئين لن تكون ضمن أجندة أي اهتمام أو وساطة أمريكية في المستقبل، وأن أي حل لهذه المشكلة سيكون حلًا إنسانيًا وفي إطار المساعدات الثنائية التي تقدم للفلسطينيين.

المشكلة هنا أن الولايات المتحدة تدرك، المعنى السياسي لقرارها، وتعلم أن الرد عليه ليس سهلًا. فالدول العربية والإسلامية إذا توافقت على تعويض الأونروا عن تقليص الدعم  الأمريكي، ستخدم بشكل غير مباشر الهدف السياسي الأمريكي الذي يرمي إلى جعل هذه المشكلة مشكلة إنسانية لا سياسية، من خلال تجريدها من بعديها القانوني و الدولي القائمين على قرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

وبين الثمن السياسي الذي يمكن أن تدفعه الدول العربية والإسلامية في حال إقدامها على مد يد العون للأونروا، وبين المعاناة التي سيواجهها عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدات في مجالات التعليم والصحة والإغاثة، تدخل المواجهة التي فتحها دونالد ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل مرحلة جديدة، هدفها تجريد الفلسطينيين من حقوقهم السياسية، حتى لو كانت الوسيلة استخدام معاناتهم الإنسانية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com