الحريري بين التريث في الاستقالة والتراجع عنها
الحريري بين التريث في الاستقالة والتراجع عنهاالحريري بين التريث في الاستقالة والتراجع عنها

الحريري بين التريث في الاستقالة والتراجع عنها

رمى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الكرة في مرمى حزب الله وهو يعلن تريثه في تقديم استقالته التي كان أعلن عنها، في السعودية قبل ثلاثة أسابيع.

فتعبير التريث، حتى لو لم يكن مألوفًا في الأدبيات الدستورية، يعني تراجعًا مشروطًا، واستقالة معلقة، وإن تقديمها للرئيس ميشال عون ممكن في أي لحظة، إذا شعر الحريري أن مبادراته التصالحية لا تجد الصدى الملائم، أو الكافي عند الطرف الآخر، أو أنها توفر الغطاء السياسي للاختراق الإيراني للبنان، أو ترهن علاقات لبنان الإقليمية بحسابات إيران وأجندتها في المنطقة.

سعد الحريري بتراجعه أو تريثه بالاستقالة، عاد أكثر قوة مما كان عليه قبل الاستقالة، فبدل المضي في السير على الحبل المشدود الذي كان يربطه بحزب الله منذ تشكيل حكومته الحالية، بات بعد الاستقالة المعلقة، أكثر حرية في تسمية الأشياء بمسمياتها، وأكثر قدرة على وقف تجاوزات الحزب والتصدي لها.

أما حزب الله الذي ظن مؤيدوه أنه استدرج الحريري لتشكيل حكومة على مقاس الحزب وبشروطه، ومسلحا فيها بفيتو على أي قرار لا يتفق مع توجهاته السياسية وتحالفاته واعتباراته، يجد نفسه الآن مهددًا في كل لحظة بالتسبب بانفراط عقد التشكيل الحكومي، إن هو أصرّ على المضي في موقفه الذي يحرج حلفاء الحريري إن في لبنان أو في الإقليم.

أزمة استقالة الحريري أظهرت الأحجام السياسية الحقيقية للفرقاء اللبنانيين، وظهر أن السلاح برغم القعقعة العالية التي يحدثها إن  في لبنان، أو في المنطقة،  لم يحمِ حزب الله من الانكشاف سياسيًا أمام خصومه، ووجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها يحملون وزر استقالة حكومة الوحدة الوطنية، والتي تجاوز صداها لبنان، وكانت لها ارتدادات في كامل الإقليم.

وقد تبدّى ذلك في اللهجة التصالحية التي استقبلت بها قيادات الحزب وأنصاره الاستقالة، ومبالغتهم في التمسك برئاسته للحكومة وحرصهم على استمرارها وبقائها.

تراجع الحريري عن استقالته، يمثل سياسيًا، فرصة ثانية لحزب الله، وقد تكون الفرصة الأخيرة. وهذه الفرصة يدفعها الحريري من رصيد علاقاته الإقليمية وتحالفاته الحزبية، وهو رصيد لم يعد فيه الكثير من الأوراق، خاصة بعد صدور القرارات الأخيرة لجامعة الدول العربية، التي أعلنت فيها حزب الله، تنظيمًا إرهابيًا وأدانت تدخلاته في الدول العربية، وسماحه بأن يكون رأس حربة لإيران في المنطقة.

وبعكس الاستقالة فإن التراجع أو التريث، شكّلا عملية سياسية معقدة، انتهت بحصول الحريري على ضمانات من حلفاء حزب الله، مؤداها أن تراجعه عن الاستقالة لن يكون على حساب رصيده السياسي، خاصة وأن لبنان على أعتاب انتخابات تشريعية، هي الأولى منذ سنوات طويلة، وعلى أساس قانون انتخابي جديد قد يعيد تشكيل الخريطة البرلمانية اللبنانية برمتها.

والواضح أن الرئيس ميشال عون كحليف سياسي لحزب الله، و"بي الكل" من موقعه كرئيس للبلاد، هو المؤهل لتقديم أي ضمانات، وبغيرها لا يستطيع الحريري أن يواجه حلفاءه ومناصريه.

وإذا صحت التحليلات والتسريبات التي قالت إن الرئيس عون، هو من غيّر دفة التطورات السياسية التي أعقبت الاستقالة، فإنه يضع تحالفه مع حزب الله على سكة المراجعة التي قد تقود إلى نوع من المواجهة مع الحزب.

حزب الله في موقف صعب الآن، فهو بين الرضوخ للمطلب المستحيل، للتخلي عن سلاحه، أو في أقل التقديرات للانسحاب من سوريا وتقليص تدخلاته الإقليمية، وبين خسارة شعبيته الداخلية وتحالفاته الحزبية بما فيها التحالف مع التيار الوطني الحر، الذي يرأسه الرئيس ميشال عون، والذي يرى كثيرون أنه أعطى لحزب الله دفعة سياسية كبيرة منذ الإعلان عن التحالف بين الحزب والتيار قبل حوالي عقد من الزمان.

السؤال الآن، هل يقابل حزب الله تريث الحريري في الاستقالة، بمرونة في موقفه الرافض لنزع السلاح أو الانسحاب من سوريا؟ من قراءة موقف حزب الله طوال أزمة الاستقالة، يبدو الحزب مستعدًا لدفع ثمن مقابل تراجع الحريري عن الاستقالة، لكن من الصعب في هذه المرحلة تقدير ما إذا كان هذا الثمن كافيًا لتشجيع رئيس تيار المستقبل لاستئناف مسيرة حكومة الوحدة الوطنية، وتعديل التشكيلة الحكومية، بحيث يخرج الحزب من التمثيل المباشر للحزب فيها إلى تمثيل في الظل، ومن خلال حركة أمل، التي يمكن أن تصبح الرافعة الحكومية للحزب.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com