الاتفاق النووي الإيراني بين التراجع والمراجعة
الاتفاق النووي الإيراني بين التراجع والمراجعةالاتفاق النووي الإيراني بين التراجع والمراجعة

الاتفاق النووي الإيراني بين التراجع والمراجعة

بين المراجعة، والتراجع، يضغط الرئيس الأمريكي لتعديل الاتفاق النووي؛ الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق بارك أوباما مع طهران، والذي رفعت بموجبه جانبًا مهمًا من العقوبات الاقتصادية والمالية التي كانت مفروضة على إيران، لعقود طويلة.

في كلتا الحالين، فإن المسعى الأمريكي هو مسعى سياسي، أكثر منه مقاربة قانونية؛ فالرئيس الأمريكي بالرغم من إعلانه المتكرر عن نيته تعديل الاتفاق مع طهران، يدرك ،قبل غيره، أن مثل هذا التعديل غير ممكن من الناحية القانونية؛ إما بسبب وجود آليات، وبنود في الاتفاق تحدد شروط أي تعديل أو حدود أي تغيير، وإما لوجود أطراف أخرى ضامنة للاتفاق، أو منفذة لبعض البنود الواردة فيه، والتي لا بد أن بعضها يتحرج من فرض أي تعديل، أو التحلل من الالتزامات الواردة في الاتفاقية.

أما في الجانب السياسي فإن الكلام كثير، وحدود المناورة فيه واسعة؛ فالاتفاق المشار إليه، بالصيغة التي جاء فيها لم يلحظ فيما يبدو المناخ السياسي، الذي كان يحيط بالفترة التي كانت تجري فيها المفاوضات الماراثونية مع إيران، إذ كانت المفاوضات مع الولايات المتحدة والدول الغربية التي شاركت في المفاوضات تتم بمعزل عن ذلك المناخ، وكان التركيز معظم الوقت منصرفًا إلى الجانب الفني والتقني، الذي يحقق في النهاية الهدف المعلن للمجتمع الدولي؛ وهو تفكيك البرنامج النووي الإيراني، ونزع أنيابه الحربية، ووضع برنامج صارم للتحقق من المراحل التي وصل إليها، فضلًا عن تجريد إيران مما وصلت إليه من مكونات، تساعدها على إنتاج السلاح النووي .

وبسبب ذلك التركيز، تم التغاضي بقصد أو غير قصد عن البرنامج الإيراني لتطوير القوة الصاروخية الباليستية، وعن مساعيها المتواصلة لامتلاك أو تطوير منظومات كاملة من المعدات الحربية التي تتجاوز احتياجات إيران الدفاعية، وتؤسس أو تطور إمكانيات طهران لتنفيذ طموحاتها الإقليمية .

إلى ذلك، كان المناخ السياسي في ذلك الوقت يشهد حالة انكفاء أمريكية، غير مسبوقة، عن الدور التقليدي الذي لعبته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عمومًا، والخليج خصوصًا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

كانت تصريحات وتصرفات إدارة الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما بشأن التحلل من التزاماتها واضحة في هذا المجال، وجرى تأكيد ذلك في مواقف عديدة ومناسبات كثيرة، سببت خذلانًا، أو إحباطًا للدول الحليفة لواشنطن.

لم تحاول الإدارة الأمريكية الإنصات لهواجس دول المنطقة من خطر رفع العقوبات عن إيران، كنتيجة من نتائج الاتفاق النووي، ولم تسمع تحذيرات تلك الدول وهي تشير إلى أن رفع العقوبات عن إيران يرفع شهيتها للتمدد في المنطقة، ويوفر إمكانيات مادية إضافية لانخراطها في شؤون الإقليم .

الآن تتضح أبعاد الصورة، وتتجسد مخاطرها، فإيران باتت منخرطة في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية دون أي رادعٍ حقيقي، ودون خشية من أي عقوبات أو تبعات؛ تتمدد في سوريا ومن قبلُ في العراق، ولاحقًا في اليمن والبحرين، وقبل هذا وذاك في لبنان؛ غير مبالية بما يخلقه ذلك من نتائج على أمن المنطقة واستقرارها .

بات رفع العقوبات الذي أراده الاتفاق النووي، سبيلًا لإعادة تأهيل السلوك الإيراني، وإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي كطرف بناء، خطرًا على دول الإقليم؛ بعد أن تحولت نتائجه إلى رافد جديد من روافد تمويل التدخلات الإيرانية في المنطقة، ووسيلة من وسائل تحقيق أهدافها لتصدير ما سمّته بالثورة، أو إشاعة ما نلمسه من فوضى طائفية.

اليوم تتنبه إدارة الرئيس ترامب، وهي تدعو لتعديل الاتفاق النووي، إلى خطورة هذا الاتفاق؛ لا من زاوية ما فيه من ثغرات قانونية، قد تمكن إيران من مواصلة مساعيها لامتلاك سلاح نووي، بل من زاوية تأثير نتائج الاتفاق السياسية والمالية، بعد أن أسهمت تلك النتائج في إطلاق يد طهران في المنطقة، ووفرت لها الموارد اللازمة لتنفيذ برنامج توسعها، وتجسيد طموحاتها في بناء قوة عسكرية تهدد جيرانها.

من هنا، فإن التحرك الأمريكي الجديد المدعوم إقليميًا، بشأن مراجعة الاتفاق النووي، هو وسيلة من وسائل الضغط السياسي على إيران، وليس العمل لإلغاء الاتفاق ذاته، وهو كذلك محاولة لإعادة ربط العلاقة مع طهران لا بالموضوع النووي فقط، بل بحزمة متكاملة من الالتزامات التي تضمن انصياعها لقواعد السلوك الدولي؛ الذي يحترم أمن واستقرار الآخرين، ويمنعها من التدخل في شؤونهم الداخلية. وتحرّكٌ بهذا المعنى وهذه الصورة لا بد أنه يحظى بدعم أوروبي وغربي، طالما أنه لا يعني التراجع عن الاتفاق النووي بقدر ما يعني تهذيب نتائجه، والتصدي لآثاره .

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com