إلى أين تتجه المواجهة بين بغداد وأربيل ؟
إلى أين تتجه المواجهة بين بغداد وأربيل ؟إلى أين تتجه المواجهة بين بغداد وأربيل ؟

إلى أين تتجه المواجهة بين بغداد وأربيل ؟

تاج الدين عبد الحق

تراهن الحكومة العراقية على الدعم الدولي والإقليمي، وعلى النصوص الدستورية، في المواجهة المحتملة، مع إقليم كردستان العراق، فيما يراهن الكرد على ضعف الحكومة المركزية من جهة، وعلى القوة العسكرية الذاتية، التي تتمتع بها قوات البيشمركة التابعة للإقليم من جهة ثانية.

ومع  أن عنوان الخلاف الآن، هو كركوك، التي شكلت العقدة التاريخية للعلاقة بين بغداد وأربيل، إلا أن الواضح أن هذه المدينة لن تكون أكثر من صاعق تفجير للخلافات العديدة، والكثيرة المؤجلة بينهما منذ الاتفاق الدستوري، الذي أسس للمحاصصة السياسية في العراق، وأعطي الكرد بموجبه صلاحيات واسعة قربتهم من حلم الاستقلال، قبل أن تحاول حكومة الإقليم تحويل الحلم، إلى واقع من خلال استفتاء من جانب واحد.

المواجهة العسكرية بين إقليم كردستان العراق وبغداد لن تكون سهلة، حتى لو توفر للحكومة المركزية دعم سياسي من الخارج. فالقوات العراقية والمليشيات الحليفة لها ،خرجت للتو من معارك شرسة مع تنظيم "داعش" ،وباتت وهي تكتب الفصل الأخير من هذه المواجهة منخرطة حتى النخاع بمهمات أمنية واسعة على جبهة حدودية وداخلية واسعة ،تجعل أي مواجهة إضافية مع قوات البيشمركة عبئًا ثقيلًا ، ومهمة محفوفة بالمخاطر.

بالمقابل ، فإن المزايا العسكرية التي تتمتع بها قوات البيشمركة لن تكون كافية لحسم معركة كركوك. فالتركيبة السكانية للمدينة ،والأهمية الإستراتيجية والاقتصادية التي تتمتع بها ،تجعل من سيطرة البيشمركة عليها مهمة عسيرة ،والدفاع عنها عملية دقيقة. لكن وضع المدينة التاريخي والسكاني لا يعطي لبغداد قدرة كبيرة على المناورة السياسية ،وليس هناك من الناحية العملية مجال واسع للمساومة ،أو الاتفاق على اقتسام السلطة فيها ،خارج القواعد الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور العراقي.

مثل هذه المعركة ، إن حدثت ستتحول إلى مواجهة واسعة بين الجانبين ،وستستدعي بالضرورة كل الخلافات السياسية والاقتصادية الأخرى ،وهو ما بدت إرهاصاته واضحة ،من خلال تصريحات المسؤولين العراقيين ،الداعية إلى تسليم المعابر الحدودية والمطارات ،والتجارة النفطية التي تقوم حكومة الإقليم حاليًا بإدارتها ، إلى الحكومة المركزية ،وهو أمر يعني بالمحصلة ،تفريغ الاستفتاء الذي أجرته حكومة أربيل ،من أي مضامين عملية ،مع ما يحمله ذلك من ارتدادات سياسية واقتصادية، وأمنية داخل الإقليم .

من الواضح أن حسابات أربيل عندما كانت تصر على إجراء الاستفتاء ،وتتجاهل كل الدعوات الإقليمية والدولية لتأجيله أو إلغائه ،لم تكن تتوقع أن يكون موقف الحكومة المركزية بهذه الحدة ،وهذا الحزم . ويبدو أنها كانت تراهن على انشغال القوات العراقية والقوات المتحالفة معها بالمواجهة مع "داعش" ؛لتمرير نتائج الاستفتاء ،وفرضها كأمر واقع في أي محادثات مع الحكومة المركزية. لكن تلك الحسابات فشلت، تحت وقع المعارضة الواسعة للاستفتاء الكردي، داخل القنوات الدستورية العراقية ،ومن دول الجوار.

العنصر الهام الذي تستطيع حكومة أربيل المناورة فيه، يتمثل في علامات الاستفهام الكبيرة التي يثيرها حماس وإصرار الحكومة المركزية العراقية على مواجهة نتائج وتبعات الاستفتاء الكردى. فمع أن هناك نصوصًا دستورية واضحة ،تمنع الإقليم من إجراء مثل هذا الاستفتاء ، إلا أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن موقف الحكومة المركزية ليس تعبيرًا عن مطلب وطني خالص ،بل هو امتداد للمعارضة الإقليمية، واستجابة للضغوط الخارجية ،التي تواجهها بغداد ،في هذا الشأن، وخاصة من إيران وتركيا ،اللتين تنظران لاستقلال الإقليم كضرر يلحق بأمنهما الوطني، وسابقة تهدد الوحدة الداخلية فيهما.

أربيل لا تملك في ظل المعطيات الداخلية والإقليمية ،إلا الانحناء لعاصفة المعارضة التي تبديها بغداد إزاء تطلعات كردستان العراق ،وأن تباشر دون إبطاء محادثات سياسية ،بعيدًا عن الاستقواء بنتائج الاستفتاء المثير للخلاف ،لأن أي تصعيد عسكري لن يكون في صالح الإقليم الكردي. فالمواجهة مع بغداد هي استفزاز لكل القوى  الداخلية والخارجية ،التي تعارض دعوات الاستقلال ،وقد تعيد الأكراد للمربع الأول من المواجهات ،التي اتسمت بها علاقات الإقليم مع الحكومات المركزية المتعاقبة في بغداد.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com