د. أحمد بن قاسم الغامدي
د. أحمد بن قاسم الغامدي

بوصلة الإحباط والابداع في المجتمعات

يجب أن تتفهم جميع أطياف المجتمع، بمن فيهم أصحاب الرؤى الدينية والانتماءات الحزبية وأصحاب الرؤى الإصلاحية والأفكار الحداثية المختلفة، ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية.

المتأمل في واقع كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي، يرى أنها بحاجة ماسة للتغيير والتصحيح، لتصبح ذات واقع عملي جديد منتج بفاعلية، وقدرة حضارية مؤثرة، خاصة في عالمنا اليوم الذي أصبح لا يقيم وزنًا لغير القوة والأقوياء.

إن أهم مطالب هذا التحدي العالمي، هو إدارة الهوية، والأفكار، والثروات، والعلاقات، والأهداف، لتصبح هذه البلدان قوة مؤثرة بأفكار متجددة، تحرص على الاستفادة من ثرواتها ومقدراتها بالشكل الصحيح لتحقيق التمكين والفاعلية والحضور.

وهذا يعني بالضرورة قطع دابر الفساد المالي والإداري، وتجنب ثقافة التقديس الأعمى، والأفكار الجامدة، التي ترفض الاجتهاد والتطور والإبداع، والتي لا تؤدي إلا إلى المزيد من التأخر والفشل، ولا يتولّد عنها إلا التطرف، والعنف، والكراهية، والصراع، والمزيد من التمزق والفقر والجهل والظلم.

وكل هذه السلبيات تعود بالمجتمعات إلى الوراء، وتفقدها عوامل الاكتفاء، فضلًا عن القدرة على التحدي والإبداع، وديمومة تلك السلبيات ستجعل أفراد المجتمع إمَّا في حالة ضياع أو تجعلهم قطعانًا يتبعون زعامات ورموزًا فارغة مضللة، ورؤى ناقصة لا تقدم للمصلحة العامة رؤية تُصلح واقعهم ولا حلولًا لنمو مستقبلهم.

وما لم تقم حركة المجتمعات على نظم مؤسسية، وتكامل اجتماعي مخطط له، لتحقيق الأهداف المنشودة لصلاحها، ستبقى حالة الضياع، وهدر الإمكانات، وخسارة القدرات، وفشل العلاقات، وسيظل المجتمع ينتقل من مأزق إلى آخر، ومن خسارة إلى أخرى أكثر فداحة.

يجب على القيادات فتح باب الاجتهاد في كل المجالات بالوجه الفاعل الصحيح، وكسر الأغلال والقيود المانعة للإصلاح في الجوانب المادية للحياة أو الجوانب الفكرية التي تهيمن على أفكار وسلوك وحركة المجتمعات.

إن بوصلة تصحيح إرادة المجتمعات تكمن في الحفاظ على قوة وحدته، وتماسك أفراده وأطيافه، ووحدة الصف والكلمة مع قيادته، والتوافق على ما يراد تحقيقه لإصلاح الواقع وبناء مستقبل أفضل.

ولا ينمو طموح الأجيال إلا بما يشاهدونه من تحقيق الإنجازات واقعًا يومًا بعد يوم، فالواقع المحفز هو الذي يبعث على المنافسة بين أفراد المجتمع، ويحفز على المبادرات، وتحمّل مسؤولية الدور المطلوب لتصحيح وتغيير أحوالهم الدينية والدنيوية.

يجب تصحيح رؤية المجتمع وأفراده على النحو الذي يوحد إرادتهم، ويبعث روح التنافس فيهم لبناء مستقبلهم المادي بتوظيف قدراتهم ومواردهم المتاحة، وتحقيق الإنجازات كلبِنة تليها الأخرى، فكل لبِنة ستؤسس لما بعدها، ولن يتحقق ذلك إلا بأيدي المجتمع وأبنائه المتحدة والمتماسكة.

فمن الواجب على القيادات فتح باب الاجتهاد في كل المجالات بالوجه الفاعل الصحيح، وكسر الأغلال والقيود المانعة للإصلاح في الجوانب المادية للحياة أو الجوانب الفكرية التي تهيمن على أفكار وسلوك وحركة المجتمعات.

إن الفكر المحبط الديني والدنيوي لن يقدم حلولًا، بل سيساهم بتعطيل فاعلية المجتمعات وقدرتها على العمل والإبداع، لأن أصحاب الرؤى المتكلسة والعقيمة سيحاصرون فكر المجتمعات في جزئيات تهدر القدرات والوقت والعمل، وتحاصره في أضيق الصور في مجالات الحياة، وفي فضاء الفكر المرتبط بقضايا الحلال والحرام، وتكرس أحادية الرأي والتعصب لها، وتؤثر على حركة المجتمع في بناء مستقبله المادي والفكري بصورة شبه كلية.

نحن رأينا و-ما زلنا نرى- البلدان التي سيطرت فيها قوى فاسدة أو جماعات الإسلام السياسي تحت مختلف الشعارات، تعاني من عدم وجود حدٍ أدنى للتوافق السياسي والمجتمعي الحر للبدء في بناء تلك الدول وإصلاحها.

إن هذا الدور الإصلاحي يستدعي أهمية مجال نقد واقع الجمود في حركة الحياة وتطورها، ونقد جمود الأفكار الدينية، لحيوية الإجابات العلمية والعملية ولمواجهة تحديات التغيير والتنوير العقلية والعلمية، خاصة في ظل ما أفرزته هيمنة جماعات الإسلام السياسي والتطرف من سيطرة على وعي المجتمعات، أو أفرزته حالة الإحباط الاقتصادي والفساد المادي والإداري، القاتلة للقدرات، والمحتكرة للثروات.

إن هذه الحالة المأساوية تقتضي تغييرات استثنائية ومبادرات نوعية، لإحلال المؤهلين لتحمل مسؤولية التصحيح والتغيير، والسعي إلى التقدم والبناء والتطوير، كما تستدعي أهمية ممارسة النقد والمحاسبة ومحاربة الفساد وأهله، وفتح أبواب البحث والاجتهاد المعرفي والعملي وتحرير المجتمعات من القيود والأغلال المضللة الحاكمة.

إن التغيير الذي يحرك المجتمعات في اتجاه الإصلاح سيحقق تأهيل وتمكين الأفراد والمجتمع للقيام بما يجب نحو بناء ما استعمرهم الله فيه، والتقدم بمجتمعهم نحو الصواب والأجدر والأكمل، كما أنه سيكون رسالة حية لمن بعدهم في كل المجالات حتى في جانب تحقيق العبودية لله والدعوة إليه من غير ضوضاء أو صخب، وسيحقق ذلك العمل بناء أنموذج الإحسان والتطور الإنساني الذي يمكن للوعي ومعاني التعايش السلمي المصلح والتأثير الإيجابي.

إن تحديات النهوض بالمجتمعات العربية والإسلامية تستوجب تجنب الفرقة والنزاع، وتستدعي توحيد الفكر والعمل بين الأفراد والتيارات والقوى والمؤسسات، لتكوين وعي علمي ومعرفي وعملي، وتوافقات مشتركة بين كل الاتجاهات، لأن غياب الإرادة المجتمعية الحرة الجامعة، أو إقامتها على الجبر، وعدم التوافق بين اتجاهات متصارعة، لن تحقق تقدمًا فاعلًا لبناء وتطوير مجتمع مكون من عناصر مختلفة، إلا بتمكين أسس ومعايير سياسية وثقافية موحدة لتحقيق الصالح العام يتمسك بها المجتمع وتمكنه من التغيير والتقدم نحو الأفضل في توافق وتكامل اجتماعي.

فها نحن رأينا - وما زلنا نرى - البلدان التي سيطرت فيها قوى فاسدة أو جماعات الإسلام السياسي تحت مختلف الشعارات، تعاني من عدم وجود حد أدنى للتوافق السياسي والمجتمعي الحر للبدء في بناء تلك الدول وإصلاحها، وكأن الاستبداد الذي نزع من الإنسان الحرية بات أفضل عند الإنسان العربي والمسلم من الحرية المسؤولة، لأنه لا يزال يفضل الاستبداد على قيم الحرية، مع أن ما يتوهم من سلبيات الحرية لو سُلّم بها لكانت خيرًا من إيجابيات الاستبداد المزعومة لو كان للاستبداد إيجابية.

أخبار ذات صلة
الحرية في الإسلام

إن التشرذم، والانقسام، والتحزب المقيت، لن تورث إلا الضعف والتفكك، فكل حزب سيتهم منافسه، وسيرى أنه أحرص وأحق بإدارة المجتمع، وهكذا الآخر حتى يتولَّد الانقسام والصراع الذي ينتج الفشل والدمار، ولن يستطيع المتصارعون تحقق أي وعي أو عمل مشترك لمفهوم الوطن الذي يجب أن يستوعب الجميع بتفاعل وإيجابية ويحملهم على المشاركة والتنافس في بناء الصالح العام.

ولهذا يجب أن تتفهم جميع أطياف المجتمع، بمن فيهم أصحاب الرؤى الدينية والانتماءات الحزبية وأصحاب الرؤى الإصلاحية والأفكار الحداثية المختلفة، ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، وقبول التعددية، والحرص على تحقيق السلم الاجتماعي، وتطوير عملهم نحو الإصلاح الذي ينشدونه، من خلال مؤسسات الأوطان، وقيم الحرية المسؤولة، والعدالة، والمساواة، والقيم الإنسانية، والمشتركات الدينية، والمصالح المشتركة، وبعيدًا عن الولاءات التي تدعو إلى الانقسام والنزاع والخصومة بين الناس.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com