فك ارتباط حماس بأزمات الإقليم
فك ارتباط حماس بأزمات الإقليمفك ارتباط حماس بأزمات الإقليم

فك ارتباط حماس بأزمات الإقليم

تاج الدين عبد الحق

إذا صحت التقارير عن وجود مقاربة حمساوية جديدة، للتعامل مع المتغيرات الفلسطينية الداخلية، والإقليمية المؤثرة على الأوضاع في قطاع غزة ، فإننا نكون أمام تحوّل عميق في طروحات حركة حماس وتوجهاتها.

وعلى خلاف المرات السابقة، فإن التغير في موقف حركة حماس هذه المرة، قائم على تغليب المصلحة الوطنية، وتغييب العلاقات الحزبية والتنظيمية، والمشتركات الأيديولوجية، التي أربكت علاقات الحركة بمحيطها، ووضعتها أمام استحقاقات داخلية، لم تكن قادرة على الوفاء بها أو مشكلات لم تستطع التعامل معها.

الاتفاق إن حصل يُخرج حماس من دوامة تحالفات وارتباطات، أربكت حساباتها، وهددت دورها بين اللاعبين الأساسيين، إنْ على صعيد الداخل الفلسطيني أو على صعيد المحيط الإقليمي.

فكلنا يذكر، في هذا المجال، كيف خرجت قيادات الحركة من سوريا، بعد أن شعرت أن شمس النظام هناك آفلة وكيف ارتمت في أحضان حركة الإخوان المسلمين المصرية؛ حين ظنت أنها البديل الدافئ ، الذي يعوضها عن دمشق، ويسمح لها بمواصلة التحرك في كل الاتجاهات .

كما أننا نذكر -ولا شك- العلاقة الملتبسة التي ربطت إيران بحماس واضعة طهران حينًا في مصاف الحلفاء، ونازلة بها في أحيان أخرى إلى درك الخلاف والخصام.

كما تابعنا الكيفية التي استقوت بها بقطر، بعد أن أصبحت جسرًا بينها وبين قيادات ورموز حركة الإخوان إثر انحسار دورهم في مصر، وتوزعهم على المنافي في الدوحة حينًا، وفي تركيا وأوروبا أحيانًا أخرى.

كذلك الأمر بالنسبة لتركيا، التي كانت سرًا وعلنًا، قناة اتصال سياسي بينها، وبين إسرائيل، أو منصة للمزايدة عندما تحتاج الحركة إلى استبدال، أو تغيير الحلفاء عند الضرورة أو بضغط الأحداث .

رهان حماس الأساس، ظل رهانًا على شبكة العلاقات الإقليمية، لا على المشروع الوطني الفلسطيني، ولا استجابة لاستحقاقات واحتياجات الداخل الفلسطيني، الذي ظل يدفع باستمرار، ثمن التحالفات الخطأ، في التوقيت الخطأ.

حماس وهي تراجع مواقفها اليوم، تستعيد استقلالها بعد علاقات ملتبسة مع أطراف عربية وإسلامية وضعتها في كثير من الأحيان أمام اختيارات صعبة، ودفعتها باستمرار لتحالفات إقليمية خطرة.

والاتفاق الجديد الذي ترعاه أو تشارك فيه مصر قائم، كما تشير التفاصيل المتداولة بشأنه، فيه تغليب للمصلحة الوطنية الفلسطينية، وتحجيم للعلاقة الحزبية والتنظيمية، التي حكمت الحركة وجعلتها أسيرة حسابات لا تعنيها، ولا تستفيد منها .

وكما يرى كثيرون، فإن الاتفاق المحكوم بمحيطه الجغرافي الطبيعي، يضع من جديد، الحصان أمام العربة، فيتناول ترتيب الهموم الحياتية اليومية للفلسطينيين في القطاع، والتي ظلت مؤجلة بانتظار انفراج إقليمي لا يتحقق، أو ظلت رهينة مواقف سياسية، أو اعتبارت حزبية وأيديولوجية لا تتم؛ ليظل القطاع برمته أسير أجواء من الإحباط وفقدان الأمل .

الاتفاق الذي يتم الحديث عنه الآن، لا يعني فقط فك ارتباط  حركة حماس، بأزمات المنطقة فقط، بل التمهيد لحلول للمشكلات التي تعاني منها الساحة الفلسطينية وعلى رأسها، وفي مقدّمتها مشكلة الانقسام الفلسطيني وما يترتب عليه من ارتباك على صعيد عمل المؤسسات السياسية والتشريعية والإدارية الفلسطينية.

الاتفاق يعني -أيضا- عدم الارتهان لأجندات حزبية أو أيدولوجية، هدفها المزايدة السياسية أو تصفية الحسابات الإقليمية ، إذ إن التجربة السابقة في علاقات الحركة، أظهرت أن حماس كانت تستخدم كبيدق أو مخلب قط ، في لعبة إقليمية لا قواعدَ ثابتة تحكمها، ولا هدفَ واضحًا تسعى إليه.

حماس أمام فرصة لاستعادة دورها كشريكٍ فاعلٍ في الساحة الفلسطينية، ولاعبٍ مقبولٍ في الإقليم، إنْ هي تخلت عن اللباس الإقليمي الفضفاض الذي لبسته طوال الفترة الماضية، والذي أعاق حركتها، ووضعها على مذبح حسابات، لا ناقة لها به ولا جمل.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com