د. أحمد بن قاسم الغامدي
د. أحمد بن قاسم الغامدي

خطر البطالة وآثارها

البطالة إذا تفشت في مجتمع دون إيجاد حلول لها، تصبح وحشًا كاسرًا يهدد استقرار الدول مهما كانت قوتها الاقتصادية.

أتحدث، اليوم، عن البطالة، تحذيرًا من آثارها المدمرة، وخطرها المحسوس في واقع المجتمعات.. ومن خلال متابعتي القليلة لاحظت أنه كُتب عنها، مرارًا وتكرارًا، خاصة حول حلولها، ولكن أجدني - من حين إلى آخر- أفكر في الكتابة عنها وعن خطرها، لما يشاهد من عدم تناسب الحلول القائمة مع تفاقمها.

ولديّ يقين أن لهذه المشكلة المؤرقة حلولًا ممكنة لو أخلص المكلفون بمعالجتها، وأخذوها بجدية ونزاهة واهتمام حقيقي فاعل، لعلاج أسبابها وجذورها.

إن البطالة تعني توافر الراغبين في العمل المحتاجين له مع عدم توافره، ولا شك أن تفشيها، والتقاعس عن الاهتمام الحقيقي بمعالجتها، منهكان للمجتمع، فهي تكسر قوته وتحبط عزيمته، إن البطالة بلاء يعقر طموح أفراد المجتمع، ويصيبهم بالكثير من المشكلات النفسية المدمرة، كالاكتئاب، والتوتر، والقلق، والانسحاب، والعزلة المحبطة.

يجب على القيادات المخلصة الواعية في الدول المهتمة بمستقبلها أن تبحث كيفية معالجة أسباب البطالة من جذورها.

البطالة تجعل الفرد يفقد احترامه لنفسه، لشعوره بالعجز والإحباط واليأس، لما يعانيه من الضغوط النفسية، ولملازمة هَم الحاجة والعوز المالي لفكره، فيدفع به ذلك الضغط النفسي والهم للكثير من الأدواء المعنوية والحسية، والتي قد تدفع به إلى جوانب الجريمة والإدمان، وبسببها قد تنتشر السرقات، والمخدرات، والتزوير، والرشوة، وغيرها من الجرائم.

وبسببها ترتفع معدلات الفقر والمرض والطلاق، والخلافات العائلية، والتفكك الأسري، وقد يصل سخط المتعطلين بسببها إلى التمرد على الأنظمة والحكومات، فخطر البطالة له أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية خطيرة جدًا، حيث تصبح وقودًا للتذمر والعنف والخراب والإرهاب والدمار.

إن البطالة إذا تفشت في مجتمع دون إيجاد حلول لها تصبح وحشًا كاسرًا يهدد استقرار الدول مهما كانت قوتها الاقتصادية.. فالواجب على القيادات المخلصة الواعية في الدول المهتمة بمستقبلها أن تبحث كيفية معالجة أسباب تلك الحالة من جذورها.

إنه دومًا يُذكر في معالجتها الكثير من التدابير من ذلك تصحيح أعلى مدى للتوافق بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، لمعالجة حاجة السوق بالكوادر الوطنية التي يحتاجها سوق العمل الحالي وما تحتمله حاجته المستقبلية، وكذلك تحديد القدر المعقول للأجور بين أصحاب العمل والعاملين من أبناء الوطن، وعدم التراخي في السماح بالكوادر الوافدة لانخفاض أجورهم طالما توافرت الكوادر الوطنية لذلك العمل، مع ضرورة الاهتمام الحقيقي بالتدريب والإحلال.

وإنه يجب الاهتمام بوضع تشريعات وسياسات ونظم للتوظيف في سوق العمل لا تسمح بأي ثغرة تفضي إلى الاستغناء عن الكوادر الوطنية أو تعطل تدريبها وإحلالها، ويجب أن تقوم الجهة المختصة بتوفير فرص عمل للشباب في القطاعين العام والخاص، والقضاء على كل العقبات الحقيقية أو المختلقة التي قد يتعلل بها القطاعان العام أو الخاص لتولي الكوادر الوطنية احتياجات سوق العمل، وإيجاد حلول عملية واقعية لتوفير ما يحقق للكوادر الوطنية الكفاءة والخبرة المطلوبة للتأهيل وتحمل مسؤولياتهم بجدارة، لأن قلة فرص العمل، وتزايد النمو السكاني، وضعف الرواتب، مع التعلل بنقص الكفاءة والخبرة لدى المتعطلين، تمثل أكبر المعوقات التي يجب أن تعنى الجهة المختصة بالقضاء عليها في القطاعين الحكومي والخاص.

البطالة تعد أخطر التحديات الكبرى التي تواجه اقتصاد أي دولة، ولذلك يجب على الدولة أن تتخذ كل التدابير الكفيلة بمعالجتها.

يجب أن تحرص سلطة تنظيم سوق العمل على تأسيس مجموعة من المشاريع الجديدة التي تدعم الاقتصاد، وتخلق فرص عمل جديدة تستوعب الطاقات المتعطلة من الشباب، مع ضرورة فتح الاستثمارات القوية التي تخلق الكثير من الوظائف، وتحقق الكثير من الأهداف الجيدة، ويمكن أن تنقل المجتمع إلى قوة قادرة تساهم في القضاء على هذه البطالة.

ولتحقيق عنصر الجذب فيها، يجب أن توفر كافة التسهيلات لتلك الاستثمارات ليساهم ذلك في إيجاد بيئة جاذبة مستقرة وفرص عمل جديدة، ويجب تشجيع المشاريع الصغيرة ودعمها لتشجيع الشباب على الانخراط في سوق العمل لإنشاء مشاريع في القرى والمدن النائية، فالاهتمام بهذا سيقلص هذه المشكلة، ويحد من مشكلة التكدس في المدن، وسيفتح آفاق التنافس في أعمال جديدة.

كما يمكن خفض سن التقاعد، لتوفير فرص عمل للشباب، والعمل على تغيير نظرة المجتمع السلبية نحو بعض الأعمال التي لم يعتد عليها المجتمع لتغيير تلك النظرة السلبية اليها، وهنا يجب أن يبرز دور وسائل الإعلام في جوانب توعية المجتمع بأهمية العمل وشرفه وأثره في خدمة المجتمع. 

إن البطالة تعد أخطر التحديات الكبرى التي تواجه اقتصاد أي دولة، ولذلك يجب على الدولة أن تتخذ كل التدابير الكفيلة بمعالجتها، وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة من شأنها توفير فرص عمل متجددة للشباب، وعمل مبادرات للتوظيف في مختلف المجالات، وإنشاء المنصات الإلكترونية للتوظيف، وإلزام المؤسسات بإحلال وتدريب الكوادر الوطنية لكل الأعمال، وعدم الاستسلام أو التسليم بالمعوقات المختلقة.

أخبار ذات صلة
تقرير أممي: البطالة رافد التجنيد الأساسي للجماعات المتطرفة في أفريقيا

إن أهم الشرائح الفاعلة في أي مجتمع هم الشباب لقدرتهم على العمل بنشاط أكبر، وتنافسهم وطموحهم، واستعدادهم للتحمل بما يمتلكونه من طاقات نفسية وجسمية وحماس، والواجب الاهتمام بالتخطيط لهم، لأنه متى فقد التخطيط لذلك، فإن هذه الطاقة ستكون ثروة مهدرة، وستتحول تلك الطاقة لخطر يصيب المجتمع بالعديد من المشكلات والأزمات والتبعات السلبية، والفشل في الاقتصاد الوطني والاستقرار برمته، وأي تقصير في التخطيط لذلك الدور الاستثماري البشري المهم سيشكل، على المدى البعيد، خللًا يعسر معالجته.

إن كل ما ذكر من التدابير صحيح وحق، لكن يجب أن تتم تلك الإجراءات بفاعلية وقوة ومتابعة، ويجب أن تكون هناك حلول واقعية تتوافق مع حاجة المجتمع وقدراته ولا تكون فقط أفكارًا نظرية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، ويجب أن يكلف بمعالجة هذه المشكلة أكثر المعنيين جدارة ونزاهة وعملًا حقيقيًا، وأن يكون هناك اهتمام نوعي متميز، وخطط مدروسة على المديين القصير والبعيد يمكن أن تنفذ كنماذج لتخليص المجتمع من البطالة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com