مقتل 7 فلسطينيين وإصابة آخرين غرب مخيم جباليا برصاص الجيش الإسرائيلي
وكأننا نعيد الاعتبار إلى علاقة عتيقة رسخها أجدادنا منذ القدم مع المذياع "الراديو"؛ تلك الآلة الضخمة التي لطالما يحدثني أبي عنها في اتصالاتنا عبر الفيديو (صوت وصورة).
يتذكر أبي الراديو بمزيد من اللوعة والحنين لعصر لم يبق منه إلا الأسى، في رحلة تجسد عوالم لم تعد موجودة كذلك في زحمة مواقع التواصل الاجتماعي، التي بتنا شبه مدمنين عليها منذ سنوات.
هذه المواقع التي تثقل أعيننا، كل لحظة، بصور وفيديوهات من مختلف أنحاء العالم، لم تحول العالم إلى "قرية صغيرة" فحسب، وفقا لنظرية عالم الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان، وإنما وجّهت حدقات البشرية إلى "لامعنى"، انطلاقا من مبدأ شهير في الفلسفة الوجودية يقول إن "الوفرة تعنى اللامعنى".
وهذا "اللامعنى" متجذر، بشكل أو بآخر، في قانون العرض والطلب في علم الاقتصادي الجزئي، فـ"عند زيادة سعر السلعة تقل الكمية المطلوبة منها، وعند انخفاض السعر يزيد الطلب".
ولكن، هنا يمكن عكس هذه المبادئ الاقتصادية والنظريات الإعلامية في ممارسة جديدة "علينا" نوعا ما بدأت بدغدغة حاسة السمع لدينا، وكأنها "وشوشات" أو همسات خافتة في آذاننا ونحن نقود السيارة، أو نمارس الرياضة، أو ننشغل بأمور منزلية، أو حتى ونحن في استلقاء وهدوء تامّين.
"تعالوا نعقد صفقة جديدة بعيدة عن الفيديو والصورة"..
هذا هو حال تطبيق "بودكاست Podcast" أو التدوين الصوتي الذي اكتسح بقوة عالمنا، كواحد من أهم وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وفرض نفسه بقوة، واتخذ له مكانا بين الوسائل الأخرى، مع طموحاته بأن يتسيّد المرحلة المقبلة.
ويدمج مصطلح بودكاست بين كلمتي "آي بود" و"برودكاست"؛ أي النشر أو البث.. ورغم مرور سنوات على ظهوره، إلا أنه لا يزال خجولاً في العالم العربي، وخارج سيطرة الرقابة، وفي الوقت نفسه لا يحظى بالتمويل والرعاية الكافيين.
ولكن.. قد يسأل أحدهم؟ ما الذي يميز البودكاست عن الراديو؟
الإجابة بسيطة: البودكاست يختار مواضيعه بعناية أولا، ويبتعد قدر الإمكان عن المواضيع السياسية ثانيا، ويمكن العودة للاستماع إلى الحلقات المؤرشفة والمخزنة في أي وقت ثالثا، كما أن حرية التعبير في التطبيق مباحة خامسا.. وسادسا.. وسابعا...
هي العلاقة الوطيدة التي يجسدها ويلعب عليها البودكاست مع الأذن إذا.. ودون الخوض في تفاصيل العملية المعقدة للصوت ودور الدماغ كمدير للجسم في استقبال هذا الصوت، ثمة إشارات واضحة تدل على أن مستقبل الإعلام بيد البودكاست.
ومن خلال تجربتي الشخصية في الاستماع اليومي لبرامج البودكاست في السيارة في أغلبية تنقلاتي، اتضح لي أن الطريق يكون أكثر متعة من خلال الاستماع إلى برامجي المحببة على هذا التطبيق الذي يتميز بلونه البنفسجي المتميز في هاتفي المتحرك.
ساعات طويلة نقضيها يوميا في قيادة السيارات وازدحام الطرقات ولاسيما في أوقات الذروة، وعادة ما تنشر مراكز الدراسات إحصائيات عن عدد ساعات مهول نستغرقها سنويا في الطرقات، كأن نقضي ما يقارب الثلاثين بالمئة من وقتنا في السيارة.
وتجتمع مقومات عديدة في سبيل تحقيق المتعة والفائدة معا في عالم الإعلام الذي يقوم بوظائفه الأساسية مثل الإخبار والتنشئة الاجتماعية والترفيه وما إلى ذلك.. كل هذا في مواجهة "اللامعنى" في الإعلام.
وحتى نبلغ المعنى ونتجاوز "اللامعنى" عبر البودكاست، لا بد من الاستثمار في هذا التطبيق الذي أراه يرسم خطوطا عريضة لمستقبل إعلامي بجهود الشباب، ما يجعله ذا خصوصية لا يشبه الراديو بنمطيته القديمة، بل بإدخال تحسينات عليه ليواكب هذه الجيل ولا ينسى كذلك الجيل السابق لآبائنا وأجدادنا.