إصابة 12 شخصا في استهداف حزب الله لحيفا
عريب الرنتاوي
ما يجري على الحدود الأردنية الشمالية، لا يشبه أبداً ما ظل يحدث طوال سنوات وعقود، من عمليات تهريب لسلع ومخدرات وأسلحة، وأفراد أحياناً، تورطت بها جماعات وأفراد على جانبي الخط الحدودي..
ما يجري على هذه الحدود هو الحرب بكل ما للكلمة من معنى، تنخرط فيها مافيات وميليشيات، وتتوفر على قيادة وغرف سيطرة وتحكم، وتقوم على تشكيلات عسكرية "شبه نظامية"، فترى وحدات الاستطلاع، وحَمَلة المواد المخدرة، ووحدات الدعم والحماية.. ومن خلفها جميعاً، "سلاسل الإنتاج" و"التغليف" و"الإخفاء" و"التخزين" و"النقل".
لم يعد مهربو المخدرات يبحثون عن ثغرة في سياج للتسلل منها، هم يتحركون في تشكيلات شبه نظامية، على واجهات حدودية واسعة، تمتد لعشرات الكيلومترات، وينفذون عملياتهم بالتزامن، مستخدمين المركبات ذات الدفع الرباعي وأسلحة متطورة ومناظير للرؤية الليلية..
ما يجري على الحدود الشمالية، محاولات "اقتحام" وليست عمليات تسلل في ليل بهيم، ويكفي أن يشار إلى مصرع سبعة وعشرين مهرباً في دفعة واحدة، قبل أن يعلن الجيش الأردني لاحقاً عن العثور على جثتين أخريين، حتى تتضح طبيعة الحرب التي تُشن على الأردن وجواره.
حربٌ كهذه، لا يمكن أن تكون من فعل عصابات إجرامية تسعى وراء "المال الأسود"، بل هي فعل منظم، تقف وراءه ميليشيات مسلحة، تبحث عن مصادر تمويل بديلة لتغذية آلة سيطرتها وتحكمها بعناصرها وأفرادها، وبالبيئة التي تعمل في أوساطها، بعد أن جفف "قانون قيصر" وأنظمة العقوبات المفروضة على كل من إيران وسوريا ولبنان، مصادر تمويل النظام والميليشيات سواء بسواء..
وهذه الحرب لا يمكن أن تستمر وتتصاعد، من دون أن تغذيها أجهزة ومراكز قوى داخل النظام في دمشق، لاسيما أن هذه المنطقة دانت لسلطته بعد سنوات من "فراغ الدولة"، وهي اليوم، تخضع بالكامل لسيطرة "الفرقة الرابعة" وميليشيات مذهبية تسمى في الخطاب الرسمي السوري: "القوات الرديفة".
الكميات المضبوطة من المواد المخدرة المتنوعة، تدفع للسؤال عن مصادر زراعة وإنتاج وتصنيع وتغليف وإخفاء ونقل هذه المواد، وهي عمليات تحتاج لـ"مناطق محررة" أو "ملاذات آمنة"، شبيهة بتلك التي انتشرت في بعض دول أمريكا اللاتينية، حيث تحولت مافياتها إلى دويلات داخل دولها، تتوفر على قوات برية وأساطيل من الطائرات الصغيرة، قبل أن تشرع في بناء "غواصات صغيرة"، لنقل المخدرات إلى الشواطئ الأمريكية..
هذا الأمر يقودنا إلى الأخذ بفرضيتين اثنتين: الأولى تورط جهات ومراكز قوى في دمشق، بـ"حرب الكبتاغون"، على غرار "حروب الأفيون" قبل أكثر من مئتي عام بين بريطانيا والصين، والثانية وجود "كوريدور للذهب الأبيض" يمتد من البقاع اللبناني وصولاً للمحافظات السورية الجنوبية، مروراً بالبادية الشرقية.
في حرب الكبتاغون، ما زالت المافيات والعصابات والميليشيات، تنظر للأردن بصفته "دولة ممر" لقوافل الذهب الأبيض، فأعين هؤلاء تتسمر على الأسواق الكبرى في السعودية والخليج، وهم يحاولون الوصول إليها بأي ثمن، ومن خلال أي معبر، منها ميناء بيروت ومطارها، ومنها أيضاً قوافل الشاحنات التي اعتادت نقل البضائع والخضار والفواكه إلى هذه الأسواق.
لكن التقارير المقلقة الأخيرة من الجهات الأمنية الأردنية، بدأت تحذر من تحول الأردن إلى "دولة مقر"، أو وجهة نهائية لهذه التجارة السوداء، أو أقله لجزء ليس باليسير منها.
وربما لهذا السبب بالذات، صدرت الأوامر في عمان، لتغيير "قواعد الاشتباك" مع هذه العصابات والمافيات، وترتب عليها دخول الجيش في المواجهة الأكثر كلفة من الناحية البشرية، منذ اندلاع الأزمة السورية.
ولا شك أن في خلفية القرار الأردني هذا، مخاوف ومعلومات عن "متلازمة الإرهاب والمخدرات"، وهي المتلازمة التي شهدنا أبشع تجلياتها في أفغانستان والصومال وغيرها من الملاذات الآمنة للآفتين معاً.
وما لم تقرر دمشق الانخراط بشكل جدي، وبالتنسيق اللصيق مع عمان، مباشرة أو عبر "الوسيط الروسي"، لتنظيف هذه المناطق وتطهيرها، وإحكام سيطرة الدولة على حدودها وقيامها بالمسؤوليات المنوطة بها، فإن مسار الانفتاح على دمشق، أردنياً وخليجياً وعربياً، سوف يتعرض لتعقيدات جديدة، إضافة للتعقيدات القائمة أصلاً.