حرب على الزمان
حرب على الزمانحرب على الزمان

حرب على الزمان

نظير مجلي

لا حاجة بنا أن نعطي تفسيراً منطقياً للفرق ما بين منتصف ليلة 31 كانون الأول بدقيقة وبين الدقيقة الأولى في السنة التالية.

ومع ذلك، صرنا ننتقل من سنة إلى أخرى، في عصرنا، بطقوس احتفالية بهيجة، ونضع حدودا صارمة ما بين الدقيقتين المذكورتين.

فهذه سنة وتلك سنة أخرى لا تمت إليها بصلة، لها حساباتها الخاصة بها، ولها تقاريرها الخاصة عنها، ونلخصها بشكل مختلف عن سابقتها وتاليتها، ونميزها بالإشارات والدلالات، والنجاحات والإخفاقات.

وعموماً، تمكن البشر من ترتيب حياتهم، عندما وضع المصريون القدامى قوانين الزمان هذه، ويعتبر ذلك أحد أكبر إنجازات الإنسانية.

وقد جاء التقويم ليقسم لنا التاريخ حسب قرون وعقود وسنين وشهور وأسابيع وأيام، وساعات ودقائق وثوان، إنه لإبداع مذهل.

وفي هذه الأيام، نتمتع بمزايا ذلك الإبداع ونتدلل عليه.

لوهلة، كنا نعتقد بأن الحروب التي تُدار حول المكان، وبسببها يموت كثيرون، لن تمس بالزمان، فهو بريء من الصراعات، ولا يجوز أن نفعل به، كما فعل العرب الذين صنعوا من التمور آلهة لهم وأكلوها عندما جاعوا..

لكن العالم الذي باتت فيه الحروب شيئاً مفضلاً عند كثير من البشر، وصار فيه الجوع "خطة" يضعها أناس لمحاربة أناس آخرين، وصل الدور إلى الزمان، وأضحى الزمان هدفاً حربياً بامتياز..

يخترعون صواريخ بسرعة تخترق الصوت، وطائرات تقصر وقت المعارك وتضاعف عدد الضحايا، ويديرون حروباً هدفها تأجيل موعد الحرب القادمة – "الحتمية"، حسب ادعاءاتهم، لسنوات طويلة، ويحرصون على الإعداد لتلك الحرب.

قبل سنتين، تحدث شموئيل هارلف عن "انتصار الزمان على المكان" كهدف استراتيجي للحروب الإسرائيلية".. وفي دراسة تمت في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، يقول: "في محور المكان، يوجد لأعداء إسرائيل تفوق جغرافي وديمغرافي واضحان. فإسرائيل أصغر حجماً وسكاناً من إيران وغيرها من الأعداء".

وتابع: "..ولكن، في مقابل ذلك، لا يوجد لإيران وحلفائها تفوق بنيوي على إسرائيل، فالدفاعات الجوية، "القبة الحديدية"، "العصى السحرية"، و"منظومة حيتس" وغيرها، تشكل ضغوطاً خانقة على العدو؛ لأنها توفر عنصر التفوق الزماني، وقبل أن يقصفوا إسرائيل تقصفهم، لذلك فإن التعريف الجديد لأهداف الحرب الإسرائيلية بات "انتصار الزمان على المكان".

ويضيف: "انتصار الزمان ليس انتصاراً عسكرياً محضاً ولا إنجازاً سياسياً حتى.. إنه انتصار لمعركة البقاء، الدفاع عن الوجود الأمني والسيادي، شراء الوقت لسنوات طويلة".

ولكن، في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تختار إسرائيل استراتيجية مختلفة للحرب، استغلال الزمان لشطب القضية.

كان ذلك دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلية، الذي قال: "الكبار يموتون والأولاد الفلسطينيون سينسون" (انديرا درزنين – الضفة اليسارية 23 أيار 2011).

ولكي يجعلوننا "ننسى" فعلا، دمروا حوالي خمسمئة قرية فلسطينية ورحلوا معظم أهلها إلى الخارج، وفرضوا أمرا واقعا على الأرض، وأقاموا بلدات يهودية حديثة مكانها ومنحوها مناطق شاسعة من الأرض، حتى تتسع وتتطور، وأنتجوا الأسلحة الخاصة بمهمة الانتصار على الزمان.

وفي إطار الحرب على الزمان، اخترعوا تقسيماً زمنياً ما بين اليهود والمسلمين في إقامة الصلوات في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل المحتلة؛ عندما يصلي المسلمون يحظر دخول اليهود، وعندما يصلي اليهود يحظر على المسلمين دخول المسجد وإقامة الصلاة، وعندما يقيم اليهود احتفالاتهم وطقوسهم الدينية الكثيرة، يحظر رفع الأذان من على المسجد.

وفي العقد الأخير، بدأت تنظيمات يهودية متطرفة معركة لفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى.

وفي السنوات الأخيرة تتخذ هذه المعركة زخماً جديداً، ويتضاعف عدد اليهود الذين يدخلونه للصلاة في باحاته.

وعندما يدخل اليهود، مرتين في اليوم، يحظر على المسلمين الدخول.

ولطالما تحول الأقصى خلال الصلوات إلى ساحة للمعارك الدامية، وصار الناس يودعون بعضهم بعضاً قبل السفر إلى القدس للصلاة، خوفاً من ألا يعودوا سالمين.

تحاول أن تفكر في الدوافع لهذه المعارك، تحاول أن تجد لها تفسيراً منطقياً، بغض النظر عما يحتويها من حقوق واعتداء على الحقوق، ولكنك لا تجد، لا تجد سوى تفسير واحد هو أن هناك مَن يسير خارج الزمان وفي اتجاه معاكس لمسيرة الزمان، وفي تناقض فظ مع مقتضيات الزمان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com