الشرطة الألمانية: لا مؤشر على وجود دافع سياسي وراء عملية الطعن في هامبورغ
جمال دملج
عندما سُئل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب عمّا إذا كانت زيارته المقررة لموسكو، اليوم السبت، يمكن أن تؤدي إلى قيام روسيا بإرسال موفد إلى لبنان لحلحلة الأوضاع المتشنجة سياسيا فيه، سارع إلى الإجابة باقتضاب قائلا إنه سيبحث هذا الأمر مع المسؤولين الروس، "ولا أعرف إن كان هناك إمكان لذلك، وهذا ما طلبه مني الرئيس ميقاتي لأبحثه معهم".
كلام الوزير بو حبيب الذي جاء في أعقاب انتهاء اجتماعه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مساء الخميس الفائت، سرعان ما أضفى على المشهد اللبناني العام أجواء ضبابية لم ينقشع منها حتى الآن سوى الإيحاء بأنّ مفاعيل الزيارة ستبقى محدودة في المحصلة النهائية، ولن تخرج عن إطار المحاولات الرامية إلى استكشاف حجم الدور الذي يعتزم المسؤولون الروس القيام به للمساهمة في حلحلة الأزمات اللبنانية الراهنة.
المتابعون لمسار العلاقات الروسية – اللبنانية، سواء خلال الحقبة السوفييتية السابقة أم خلال الحقبة البوتينية الحاضرة، يدركون تمام الإدراك أنّ موسكو ظلت تعبّر عن رغبتها في الارتقاء بهذه العلاقات إلى أعلى المستويات، ولكنها غالبا ما كانت تفرمل اندفاعها بسبب التردد الذي ظل يواجهها في بيروت المنقسمة على نفسها بين صراعات الأفرقاء المحليين اللبنانيين على المصالح والمكاسب والغنائم في البلد.
لم تحمل التطلعات الروسية صوب الدولة اللبنانية، في أيّ يوم من الأيام، بذور المطامع الأيديولوجية أو الدينية أو السياسية أو العسكرية التي يمكن غرسها في تربة الانقسام اللبناني الخصبة. وهناك مثالان بارزان على ذلك:
الأول يتمثل في فحوى ما رواه الشيخ خليل تقي الدين، وهو أول سفير لبناني لدى الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أشار في كتابه "مذكرات سفير" إلى أنّ لقاءاته مع المسؤولين السوفييت كانت "تتّسم بالمودة، ويغيب عنها الاستعلاء أو الدونية، ولا تشبه اللقاءات التي تتمّ عادة بين ممثلي دولتين إحداهما كبرى والأخرى صغرى".
والثاني يتبلور من خلال ما أبلغني به، حديثا، الدبلوماسي الروسي المخضرم فيتشلاف ماتوزوف، عن أنّ الانفتاح السوفييتي على الأحزاب الشيوعية والتيارات الماركسية في مختلف أنحاء العالم، لم يشكل عائقا أمام قيامه في سبعينيات القرن العشرين، أثناء فترة عمله في بيروت، بترتيب أول زيارة رسمية قام بها الشيخ أمين الجميل، نجل مؤسس حزب الكتائب ورئيسه (وقتذاك) الشيخ بيار الجميل، لموسكو في العام 1972، أيْ بينما كان الشيخ الشاب لا يزال يمارس مهنة المحاماة قبل 11 عاما من وصوله إلى سدة الرئاسة اللبنانية.
أما خلال سنوات الألفية الثالثة، فإنّ زيارة الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان لموسكو، في شباط (فبراير) العام 2010، هي التي اكتسبت الصفة التاريخية باعتبارها كانت الأولى من نوعها لرئيس لبناني منذ الاستقلال عن فرنسا في العام 1943.
وعلى الرغم من أهمية الملفات التي تطرّق إليها الرئيس سليمان خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي (وقتذاك) ديمتري ميدفيديف، وخصوصا في مجال "الاتفاق على تنسيق المواقف بين البلدين من أجل تسوية نزاع الشرق الأوسط بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي وعلى أساس مرجعية مدريد ومبادرة السلام التي تبنّتها القمة العربية في بيروت العام 2002"، فإنّ هواجس التردّد سرعان ما انكشفت لدى اعتذار لبنان عن قبول منحة عسكرية مؤلفة من 10 مقاتلات روسية الصنع؛ بحجة أنّ البلد ليست لديه المطارات القادرة على استيعابها.
ولعل النقطة على السطر، أعلاه، لا تستوجب بالضرورة وضعها تحت أيّ إشارة تعجُّب أو تحت أيّ علامة استفهام، ولا سيما أنّ هواجس التردد اللبناني نفسها سرعان ما انكشفت أيضا لدى وصول وزير الخارجية الأمريكي (الأسبق) مايك بومبيو إلى بيروت قبل 4 أيام فقط من موعد قيام الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون بزيارته الأولى لموسكو، في آذار (مارس) العام 2019؛ تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لا شكّ في أنّ أهمية لبنان في الحسابات الاستراتيجية الروسية اكتسبت أبعادا جديدة في ضوء الحرب التي شرعت روسيا في شنها على الإرهاب في سوريا، منذ 30 أيلول (سبتمبر) العام 2015. ولكنّ ذلك لا يُلغي بالطبع الحسابات القديمة والقائمة على أنّ بلاد الأرز ظلت مرشحة على مر التاريخ لكي تكون البوابة الاقتصادية لموسكو إلى العالم العربي.
وربما هذا ما يفسّر سبب الإصرار الدائم للرئيس بوتين على التعبير عن أمله لدى استقبال المسؤولين اللبنانيين، منذ زمان رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ولغاية يومنا الراهن، في أن يستعيد لبنان موقعه الطبيعي كأحد المراكز المالية الرئيسية في الشرق الأوسط والعالم، بأسرع وقت ممكن.
وهناك من يعتقدون بشدة في موسكو أنّ الرئيس بوتين يرتكز في ذلك على فحوى المواقف الشهيرة لرئيس البنك المركزي السوفييتي، والروسي فيما بعد، الذي أشرف على إدارة فرع البنك الموسكوفي الشعبي الروسي في بيروت، بين تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1967 وكانون الأول (ديسمبر) العام 1971، فيكتور غيراشينكو، والذي غالبا ما كان يقول إنّ الخبرة المصرفية التي اكتسبها في لبنان لم يتمكن من نيْل ما يوازي قيمتها لاحقا، لا في بريطانيا ولا في ألمانيا.
وهذه شهادات روسية خالصة يبدو أنّ الأفرقاء اللبنانيين لم يدركوا قيمتها بعد.