فيما استبعد خبراء ومختصون في الشأن الإسرائيلي أن يُقدم بنيامين نتنياهو زعيم حزب "الليكود" على توجيه ضربة عسكرية لإيران بعد عودته لرئاسة الوزراء، مرجحين أن يعتمد سياسة العمليات الأمنية والاستخباراتية المحدودة، رأى آخرون أن نتنياهو قد يقود عملا عسكريا استباقيا ضد طهران.
وحسب الخبراء، فإن نتنياهو، الذي يُعرف بأنه الشخصية السياسية الأقوى في إسرائيل على مدار العقود الماضية، غير مستعد للمخاطرة بالعلاقة مع الولايات المتحدة والدخول بخلافات مع الجيش الإسرائيلي لتوجيه ضربة عسكرية لإيران في الوقت الحالي.
وكانت الضغوط التي مارسها نتنياهو عام 2018 تسببت بانسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، الأمر الذي اعتبرته الأوساط الإسرائيلية لاحقًا "خطأ كارثيًا تسبب بالضرر لإسرائيل".
وخلال فترة رئاسته للمعارضة الإسرائيلية، وجه نتنياهو انتقادات لقادة حكومة التغيير المنتهية ولايتها، يائير لابيد ونفتالي بينيت، فيما يتعلق بإدارتهما للملف الإيراني، معتبرًا أنهما أظهرا ضعف إسرائيل في التعامل مع التهديدات الإيرانية، حسب قوله.
تهديد وجودي
وقال العضو في حزب "الليكود" تساحي هنغبي إنه "يتوقع أن يصدر نتنياهو خلال فترة ولايته المقبلة أمراً بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية"، قائلاً: "بتقديري ستتم مهاجمة إيران، وسيعمل نتنياهو على تدمير السلاح النووي الإيراني".
وأضاف أن "نتنياهو لن يكون لديه خيار آخر، وإذا لم يهاجم إيران فإن إسرائيل ستواجه تهديداً وجودياً"، مشيرًا إلى أن تقييمه يستند إلى معرفته التامة بنتنياهو على مدى 30 عاماً، وفق ما أوردت القناة 12 العبرية.
عمل عسكري استباقي
وفي السياق، قال تقرير سابق لصحيفة "جيروزالم بوست" العبرية إن "نتنياهو يميل بصورة أكبر لشن عمل عسكري استباقي ضد البرنامج النووي الإيراني"، مشيراً إلى أن ذلك بالرغم من القواسم المشتركة لحكومته السابقة مع حكومة التغيير المنتهية ولايتها في التعامل مع إيران.
وأوضح أن "الحكومتين نفذتا عمليات محفوفة بالمخاطر للموساد لإعاقة البرنامج النووي الإيراني، وألقيتا بثقلهما للإبقاء على العقوبات الاقتصادية العالمية ضد إيران"، مبيناً أن نتنياهو يجب أن يقدم نفسه على أنه أكثر قادة إسرائيل صرامة في الملف الإيراني.
وبين التقرير العبري أنه "بالرغم من ذلك إلا أن سجل نتنياهو الفعلي في استخدام القوة يشير إلى أنه ليس من المرجح أن يكون مستعداً للضغط على الزناد لتنفيذ ضربة استباقية ضد طهران"، لافتاً إلى أن حكومة التغيير منحت الجيش الإسرائيلي ميزانيات أكبر من التي منحها له نتنياهو.
أولويات نتنياهو
ويرى المحلل السياسي نظير مجلي أن "نتنياهو سيكون حذرا جدًا في التعامل مع كل الملفات المطروحة أمام حكومته اليمينية"، مشدداً على أن أولوية نتنياهو ستكون في تشكيل حكومة مستقرة تحت سيطرته تستمر لأربع سنوات.
وأوضح، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "ذلك سيدفع نتنياهو لتأجيل أي خطط تتعلق بالملف النووي الإيراني، خاصة وأنه سيكون بحاجة لإقناع الولايات المتحدة بحكومته التي تضم أعضاءً يثيرون قلق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن".
وأضاف مجلي أن "شركاء نتنياهو سيكونون سببًا في فتح خلافات كبيرة مع الإدارة الأمريكية والدول الغربية؛ وبالتالي لن تكون لديه رغبة في زيادة التوتر من خلال طرح فكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران بدون تنسيق مسبق مع الأمريكيين".
وشدد على أن "نتنياهو لن يقوم بفتح أي ملف سياسي أو أمني يؤثر على أهدافه الرئيسية في الأشهر الأولى من عودته للحكم، خاصة وأنه يرغب بتعزيز استقرار حكومته وحصولها على التأييد الأمريكي".
وبين المحلل مجلي أن "نتنياهو من أقوى الشخصيات السياسية التي عرفتها إسرائيل في العقود الأخيرة ولديه الكثير من الحسابات المعقدة، لكن الملف الإيراني سيكون واحدا من المواضيع التي سيعمل على معالجتها دون أن يحدث تصادماً مع أمريكا أو الجيش الإسرائيلي".
ولفت إلى أن "الجيش الإسرائيلي وجه في السابق الكثير من الاتهامات والانتقادات لنتنياهو بسبب تعامله مع الملف الإيراني"، متابعاً: "نتنياهو لا يرغب في معركة مفتوحة مع الجيش وسيحاول أن يتخذ قراراً حازماً بالبرنامج النووي الإيراني".
وذكر مجلي أن "نتنياهو لن يتسرع ويتجه لإعلان الحرب على البرنامج النووي الإيراني خاصة إذا كان الجيش الإسرائيلي لا يرغب في ذلك"، مبيناً أن الجيش غير مستعد للحرب، كما أن مثل هذا القرار يحتاج موافقة أمريكية.
عنصران أساسيان
ويرى المحلل السياسي سهيل كيوان أن "نتنياهو سيعتمد على عنصرين أساسيين في التعامل مع الملف الإيراني"، مشدداً على أن الخيار العسكري والضربة الاستباقية لبرنامج طهران النووي لن يكون ضمن أجندة الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
وأوضح في حديث لـ"إرم نيوز" أن "العنصر الأول يتمثل في استمرار العمليات السرية التي تستهدف البرنامج النووي الإيراني، أما العنصر الثاني فسيكون بالاستمرار في التهديدات بشأن ضرب إيران عسكرياً".
وأضاف كيوان أن "نتنياهو لن يطلق التهديدات بدون وجود قاعدة حقيقية لذلك، كما أنه سيعمل على إصلاح علاقته بالجيش من أجل الاستعداد لعملية عسكرية ضد إيران"، مؤكداً أن زعيم الليكود يحتاج لعدة أشهر من أجل التفرغ للملف الإيراني.
ويرجح أن يسعى نتنياهو لتحقيق إنجاز أمني جديد فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي خلال فترة حكمه الجديدة، على غرار ما فعله عام 2018 عندما كشف عن العملية السرية للموساد الإسرائيلي التي استهدفت أرشيف البرنامج النووي الإيراني.
خيار مستبعد
فيما يرى المحلل السياسي أنطوان شلحت أن "خيار توجيه ضربة عسكرية استباقية من قبل حكومة نتنياهو المقبلة للملف النووي الإيراني مستبعد"، مؤكداً أن الملف النووي الإيراني سيكون أحد أبرز أولويات نتنياهو خلال الفترة المقبلة.
وأوضح في حديث لـ"إرم نيوز" أن "نتنياهو سيعمل على تقويض فرص التوصل لاتفاق بين طهران والدول الغربية، خاصة وأنه من أشد المعارضين لأي اتفاق"، مبينًا أنه سيمارس المزيد من الضغوط لتحقيق ذلك.
وأضاف شلحت أنه "من المستبعد أن يوجه نتنياهو ضربة عسكرية مباشرة لإيران خلال الفترة الأولى من عودته لرئاسة الوزراء، وسيكتفي بالعمليات السرية وكشف المعلومات الاستخباراتية عن البرنامج النووي الإيراني؛ وذلك بهدف حث العالم على وضع حد للطموحات الإيرانية".
وبين أن "نتنياهو سيركز على استقرار حكومته من الداخل وحصولها على القبول الأمريكي والدولي كمرحلة أولى، ثم سيعطي اهتمامات متساوية للملف الإيراني والاتفاق البحري مع لبنان والحرب الروسية في أوكرانيا".
وأشار المحلل شلحت إلى أن "فرضية دخول نتنياهو في حرب ضد إيران مستبعدة، والأمر سيقتصر على ضربات محدودة وسرية، بالتنسيق مع قيادات الأمن الإسرائيلي والجيش وبموافقة الولايات المتحدة"، مشدداً على أن فرص الوصول لاتفاق نووي جديد بين إيران والقوى العظمى تضاءلت مع عودة نتنياهو للسلطة.