"إنه الاقتصاد أيها الغبي" كان الشعار الذي أطلقته الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، قبل عقود، والذي يعود للأذهان مجدداً، حيث يبقى الاقتصاد اليوم الجواب الحاسم لاختبار الانتخابات الأمريكية الصعب في 2024.
وللمفارقة، فإن المرشح الجمهوري دونالد ترامب هو من يرفع هذا الشعار في الانتخابات الحالية، ويراهن على الفوز بكرسي الرئاسة بالاعتماد على الاقتصاد وبرنامجه الاقتصادي بشكل أساسي.
ويفهم دونالد ترامب اليوم أكثر من غيره أهمية القاعدة الأمريكية القائلة "الأساس في الانتخابات الرئاسية هو ما يحدث في الاقتصاد".
ولذلك يخصص المرشح الجمهوري جزءاً أساسياً من حملته الانتخابية لهذا الملف الذي يستقطب الناخبين الأمريكيين أكثر من كل الأحداث العالمية الكبرى، طالما كانت نيرانها بعيدة عن بلادهم.
وحتى وقت قريب، قبيل انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن من سباق الرئاسة، كان ترامب هو الأكثر تفضيلاً لدى الناخبين الأمريكيين، في استطلاعات الرأي، فيما يتعلق بإدارة الملف الاقتصادي. فيما تغيرت نتائج الاستطلاعات بعد انطلاق حملة كامالا هاريس، ولكن ليس إلى الحد الذي يهدد تفوق ترامب "الاقتصادي".
في الواقع، لم تركز حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن على التحدث في الاقتصاد، فيما ركزت على حرب أوكرانيا، وتالياً حرب إسرائيل على غزة، ما أثّر في وصول المعلومات الاقتصادية للمواطنين بالشكل المطلوب. ومن هنا يتعين على كامالا هاريس إيلاء الاهتمام الكافي في حملتها الانتخابية على العملية الاقتصادية، وفقاً لمراقبين.
وتباطأت معدلات البطالة خلال عهد بايدن، لكن كثيرًا من الخدمات الصناعية في الولايات المتحدة تعاني قلة العمالة، مثل القطاع الزراعي، الأمر الذي اضطر الإدارة الأمريكية إلى تسهيل دخول المهاجرين من أمريكا الجنوبية والمكسيك، وهو ما فتح عليها نار ترامب الذي اتهمها بفتح الحدود أمام المجرمين والإرهابيين.
ويبدو أن تخبط إدارة بايدن في الحرب الأوكرانية؛ وبالتالي الحرب على غزة ورد فعل الشارع الأمريكي، هي عوامل أساسية تثير مزيداً من الجدل والمخاوف.. وبالتالي فإذا لم تستطع كامالا هاريس خلال الأشهر المقبلة إقناع المواطن الأمريكي بأن الإدارة الديمقراطية استطاعت تحسين حالته الاقتصادية، وبالتالي يمكنها الدفع بالاقتصاد نحو الأمام، فهذا الأمر سينعكس بكل تأكيد، سلبًا عليها في الانتخابات المقبلة".
أعلى من بايدن
وفق نتائج أحدث استطلاع، تمتعت كامالا هاريس بنسبة تأييد أعلى بكثير من بايدن فيما يخص الملف الاقتصادي، إذ قال 46% من الناخبين إنهم يوافقون على الوظيفة التي كانت تقوم بها كنائبة للرئيس، مقارنة بـ41% قالوا إنهم يوافقون على الوظيفة التي كان يقوم بها الرئيس.
مع ذلك، أظهر الاستطلاع أيضاً أن القلق الاقتصادي الكامن بين الناخبين قد يفيد ترامب، حيث قال 42% إنهم سيكونون "أفضل بكثير" أو "أفضل إلى حد ما" إذا فاز ترامب. بينما قال 33% فقط إنهم سيكونون "أفضل بكثير" أو "إلى حد ما" في ظل رئاسة هاريس.
ويقول خبراء إن "حقيقة أن الناخبين كانوا أكثر إيجابية تجاه هاريس مقارنة ببايدن تشير إلى سوء أداء بايدن ونجاح هاريس".
وأضافوا أن "الاستطلاع بمثابة خبر جيد للديمقراطيين الذين كانوا قلقين في السابق، لكن مخاوفهم لم تنته بعد؛ لأن الناخبين ما زالوا يرون أنفسهم في وضع أفضل مع ترامب كرئيس، ومعظم الناخبين يفكرون في مصالحهم أولا ثم الأسئلة السياسية الكبرى ثانياً".
ترامب يتفوق
وأظهرت استطلاعات الرأي أن ترامب يتفوق على هاريس في بعض القضايا الاقتصادية المحددة، خاصة التجارة، حيث قال 43% من الناخبين إنهم يثقون به أكثر في التعامل مع العلاقات الاقتصادية مع الصين، مقارنة بنحو 39% فقط يدعمون هاريس.
ودافع ترامب منذ فترة طويلة عن سياسة تجارية حمائية مع بكين، وهدّد بزيادة الرسوم الجمركية على السيارات وغيرها من الواردات الاستهلاكية إذا مُنح أربع سنوات أخرى في البيت الأبيض.
وحصل بايدن على أدنى درجة من الثقة فيما يخص ملف الاقتصاد، أقل من أي رئيس منذ عهد جورج دبليو بوش في عام 2008، وسط الركود العظيم، وفقًا لاستطلاع "جالوب".
وتأتي الثقة المتزعزعة حتى مع ترويج إدارة بايدن للإنجازات التي تحققت تحت رئاسته، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي ونجاح سياسات مثل قانون CHIPS الذي سيعزز إنتاج أشباه الموصلات، وفقاً لمجلة "فوربس".
البطالة والوظائف
ورغم أن بايدن أضاف خلال فترته الرئاسية 15.7 مليون وظيفة إلى الاقتصاد، إلا أنه استفاد بقوة من الانتعاشة التي تلت وباء "كوفيد 19"، فكانت الشركات ستعيد عدداً كبيراً من العمال بغض النظر عمن كان في البيت الأبيض، لكن إعادة التوظيف كانت سريعة جداً بمساعدة حافز بايدن.
وفي عهد ترامب، كان نمو الوظائف قويا أيضاً؛ إذ تمت إضافة 6.7 مليون وظيفة قبل وباء "كوفيد 19"، إلا أنه عند وضع الوباء في المعادلة فاقتصاد ترامب خسر العديد من الوظائف.
وفي هذا الملف، حقق كل من بايدن وترامب، نتائج جيدة، فمنذ أن تولى بايدن منصبه، ارتفع معدل التوظيف الإجمالي بنسبة 11%، وارتفع متوسط الأجر بنسبة 17%، وانخفض معدل البطالة من 6.7% إلى 4.3%.
ولعل أبرز إنجازات ترامب في سوق العمل كانت انخفاض معدل البطالة من 4.7% إلى 3.5% في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، وهو ما يعادل أدنى مستوى له منذ عام 1969، ونمو الأجور بنسبة 15% متجاوزة التضخم خلال فترة ولايته التي استمرت 4 سنوات، وفقاً لمجلة "فوربس".
وادي السيليكون
وتصطف اليوم مجموعة ضخمة من الشخصيات الأكثر ثراءً وتأثيراً في شركات التكنولوجيا الكبرى في "وادي السيليكون"، لتأييد دونالد ترامب، والذين اصطفوا سابقاً إلى جانب بايدن.
ففي عام 2020، صوتت مقاطعة "سانتا كلارا"، التي تضم معظم "وادي السيليكون"، بنسبة 73% لصالح بايدن و25% لصالح ترامب، لكن الأحداث شهدت تطوراً كبيراً، مع الدعم المعلن لترامب من عدد من الأسماء اللامعة مثل إيلون ماسك، والأخوين كاميرون وتايلر وينكلفوس، ومارك أندريسن وبرادلي هورويتز، مشيرين إلى مخاوف بشأن مستقبل التكنولوجيا في عهد بايدن.
إلا أن ترامب، وضع أجندة صديقة للتكنولوجيا، في مقدمتها وعده بتخفيض اللوائح التنظيمية، كما تعهد بخفض الضرائب على أرباح رأس المال خلال فترة ولايته الثانية، حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما دفع العديد من أصحاب شركات التكنولوجيا الكبرى للاصطفاف خلفه.
صناعة السيارات
تمثل قضية السيارات، قضية جدلية بين الإدارتين الديمقراطية والجمهورية، إذ سعى الرئيس الأمريكي بايدن إلى تعزيز التحول الوطني نحو السيارات الكهربائية كجزء من جهوده الأوسع لمكافحة تلوث الهواء وتغير المناخ.
وتضمن مشروع قانون خفض التضخم الذي وقعه بايدن إعفاءات ضريبية للمستهلكين تهدف إلى خفض أسعار السيارات الكهربائية، حتى يرغب المزيد من الناس في شرائها.
إلا أن ترامب عارض سياسة بايدن في قضية السيارات الكهربائية بشكل كبير، وهاجمه بحدة قائلاً: "ولاية ميشيغان العظيمة لن تملك صناعة سيارات بعد الآن"، وفي منشور آخر له حذر ترامب من "تخمة عملاقة"، وتعهد بوقف سياسة بايدن ووصفها بالجنون.
وقال: "المكسيك وكندا تحبان سياسة بايدن الغبية، أنقذوا ميشيغان، وولاية السيارات الأخرى، أنقذوا المستهلك الأمريكي".
فيما كشفت حملة ترامب، أنه سيسعى إلى الإلغاء الكامل لتفويض بايدن للسيارات الكهربائية، والذي وصفه بالكارثي.
في الخلاصة، يبدو أنه رغم تزايد ثقة الأمريكيين في قدرة نائبة الرئيس، كامالا هاريس، على التعامل مع الاقتصاد بشكل أفضل من بايدن، إلا أن استطلاعات الرأي أظهرت أن ترامب يتفوق على هاريس في العديد من القضايا الاقتصادية، خاصة التجارة.
وقال 43% من الناخبين على سبيل المثال إنهم يثقون به أكثر في التعامل مع العلاقات الاقتصادية مع الصين، مقارنة بنحو 39% فقط يدعمون هاريس. ويشمل ذلك العديد من القضايا الاقتصادية الأخرى.