صحف عالمية: "تلاسن صارخ" بين روسيا وأمريكا.. وخطوات لإعادة سوريا إلى مسارها العربي
لا تزال تداعيات حادث البحر الأسود الذي شهد إسقاط مسيّرة أمريكية من قبل مقاتلة روسية، تسيطر على عناوين الصحف العالمية لليوم الثاني على التوالي، حيث تناولت تقارير ما وصفته بـ"تلاسن صارخ" بين البلدين، الأمر الذي أثار "شبح التصعيد" بين القوتين النوويتين وتداعياته على الحرب الأوكرانية.
كما تطرقت أبرز الصحف للشأن العربي، وكشفت عن خطوات اتخذتها سوريا لإعادة الاندماج مرة أخرى مع جيرانها بعد سنوات من العزلة، حيث أشادت تقارير بإعادة الاصطفاف العربي مرة أخرى وإعلاء الوحدة في المنطقة.
وفي إسرائيل، تحدثت الصحف عن خلاف حاد بين الرئيس إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد الكشف عن خطة تسوية مقترحة بديلة لخطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل من قبل الحكومة، وسط تحذيرات من تظاهرات حاشدة اليوم، الخميس.
حادث البحر الأسود.. بين التهدئة والتحدي الأمريكي
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا ما زال مستمراً لليوم الثاني على التوالي، وذلك بعدما شهد أمس، الأربعاء، "تلاسناً صارخاً" بين القوتين العظميين في أعقاب إسقاط مقاتلة روسية لطائرة أمريكية دون طيار فوق البحر الأسود، الثلاثاء.
جاء ذلك بعدما تحدث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، مع نظيره الروسي، سيرجي شويغو، عبر الهاتف أمس، لبحث ملابسات الحادث الذي جعل العلاقات بين واشنطن وموسكو على حافة الهاوية، وأثار شبح التصعيد بين القوتين النوويتين بشأن أوكرانيا.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن أوستن تحدى الدعوات الروسية بشأن عدم تكرار الواقعة، وصعّد، بدلاً من ذلك، من حدة نبرته قائلاً إن بلاده ستستمر في إرسال طائرات الاستطلاع دون طيار في المجالات الجوية الدولية حيثما يسمح القانون الدولي.
ووفقاً لتقرير الصحيفة، أثار حادث البحر الأسود – وهو الأول منذ الحرب العالمية الثانية - تساؤلات بين البعض في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حول ما إذا كانت روسيا تأمل في ردع المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، من خلال إجبار مسيرة "إم كيو – 9 ريبر" على السقوط.
وأوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة دعمت حتى الآن أوكرانيا بأكثر من 30 مليار دولار من المساعدات والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية التي تستخدمها كييف لمهاجمة القوات الروسية. وقالت إن الطلعات الجوية الأمريكية المستمرة قد تفتح الباب لمزيد من الاصطدامات المحتملة في المجال الجوي المزدحم بشكل متزايد فوق البحر الأسود.

وفي تصعيد آخر، أعلنت روسيا أنها ستحاول انتشال حطام الطائرة من البحر الأسود لفحصه، في خطوة قد تثير غضب الولايات المتحدة التي أعلنت بدورها أيضاً أن احتمال استعادة حطام الطائرة ضئيل للغاية. وأوضحت الصحيفة أن واشنطن لم تعد تبحر بسفنها في البحر الأسود بعد الحظر التركي على السفن الحربية الذي فُرض بعد الحرب الأوكرانية.
وقالت الصحيفة إنه مع تصوير تورط الولايات المتحدة في الحرب الأوكرانية كقضية سياسية قبل السباق الرئاسي للعام المقبل، فإن فكرة أي تصعيد محتمل قد تغير الحسابات حول الدعم الحزبي الذي تتمتع به كييف نسبياً حتى الآن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول دفاعي أمريكي كبير قوله إن الاصطدام بين المقاتلة الروسية والمسيرة الأمريكية أدى إلى تعطيل الأخيرة بشكل سيئ، حيث أسقطها أفراد القوات الجوية على بعد حوالي 56 ميلًا بحريًا جنوب غرب الطرف الجنوبي لشبه جزيرة القرم، التي ضمها الكرملين من أوكرانيا في 2014، والتي تعد أيضاً موطن الأسطول الروسي على البحر الأسود.
وفي موسكو، قال مدير المخابرات الخارجية، سيرجي ناريشكين، إن هناك "إمكانيات تقنية" لروسيا لاستعادة شظايا الطائرة المسيرة، وإن الولايات المتحدة تقوم بالفعل "بنشاط كبير" بالاستطلاع في المنطقة. كما صرح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس، بأن "العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في أدنى مستوياتها،" لكنه أكد أن بلاده "لم ولن ترفض أبدًا الدخول في حوار بناء".
خطوات إعادة سوريا لمسارها العربي
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن الخطوات التي سبقت إعادة سوريا إلى المسار العربي الصحيح، بعد جهود حثيثة من قبل جيرانها الذين سعوا لإخراج دمشق من العزلة وأرادوا "اصطفافاً قوياً" في المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب وأوروبيين قولهم إنه طُلب من سوريا "الامتثال لمجموعة من المتطلبات مقابل المساعدة وتخفيف العقوبات"، مشيرين إلى أن الدول العربية عرضت على الرئيس بشار الأسد صفقة من شأنها "إعادة العلاقات بين دمشق وكثير من دول المنطقة، وفي الوقت نفسه كبح نفوذ إيران".
وقال المسؤولون، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، إن الدول العربية التي شاركت في المحادثات التي قادها الأردن في البداية، اقترحت مساعدات بمليارات الدولارات للمساعدة في إعادة بناء سوريا بعد الحرب التي استمرت 12 عامًا في البلاد، وتعهدت بالضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن دمشق.
وأضاف المسؤولون أن الأسد، في المقابل، سيقبل المشاركة مع "المعارضة السياسية السورية" – وليس الفصائل المسلحة المتطرفة - وتواجد قوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، وقمع تهريب المخدرات غير المشروع، بالإضافة إلى مطالبة إيران بالتوقف عن توسيع وجودها في البلاد.
وفي السياق ذاته، صرحت مصادر مطلعة، بمن في ذلك مستشار للحكومة السورية، بأن المحادثات في مرحلة مبكرة، وأن الأسد يريد ضمانات قوية بشأن استقبال القوات العربية. وأضافت المصادر أن الدول الغربية تعمل على عرقلة المناقشات وأنها لم تظهر أي نية لإنهاء العقوبات الصارمة المفروضة على دمشق، دون ذكر موعد أو مكان عقد المحادثات.
وقال المسؤولون للصحيفة الأمريكية إن الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا أوائل الشهر الماضي أعطى زخمًا جديداً للمحادثات، مشيرين إلى أن الأسد سعى للاستفادة من الكارثة الإنسانية لتقليل عزلته. وأضافوا أن "القوة الكبيرة" للمحادثات جاءت من السعودية، وذلك بعدما دعت المملكة الشهر الماضي إلى إنهاء الوضع الراهن بشأن سوريا لمعالجة أزمتها الإنسانية الطويلة الأمد.
وقالت الصحيفة إن الاتفاق الذي أبرمته السعودية مؤخرًا بشأن استعادة العلاقات مع إيران، يشير إلى أن المملكة منفتحة على تعزيز الاصطفاف الجيوسياسي للمنطقة، وإعلاء الوحدة العربية مرة أخرى.

ورأت الصحيفة أن الانفراج حول سوريا يعد أحد أكثر الأمثلة جرأة على إعادة الاصطفاف الواسع الجارية في الشرق الأوسط، مع تلاشي التوترات التي انبثقت عن "الربيع العربي".
وذكرت الصحيفة أنه بعدما علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في 2011، ستكون إعادة الاندماج المحتملة لدمشق في المنطقة الأوسع وإعادة بنائها على جدول أعمال القمة العربية المقبلة في وقت لاحق من العام الجاري، المقرر إجراؤها في المملكة العربية السعودية.
وصرح المسؤولون بأن هناك تأييداً واسعاً من قبل الدول المشاركة في المحادثات بأن السياسات الدولية التي من شأنها عزل سوريا أثبتت أنها تأتي بنتائج عكسية مع مرور الوقت.
وأشاروا إلى أن دولة الإمارات كانت الداعم الأكبر والأكثر فاعلية في ما يتعلق بإعادة اندماج سوريا.
وجاء ذلك بعدما استضاف الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نظيره السوري العام الماضي في أبوظبي.
كما أرسلت كل من الأردن ومصر وزيري خارجيتهما إلى دمشق في الأسابيع الأخيرة، في أول زيارة دبلوماسية لهما منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.
خلاف بين نتنياهو وهرتسوغ.. وتظاهرات حاشدة
وفي إسرائيل، سلطت صحيفة "هآرتس" العبرية الضوء على خلاف حاد بين هرتسوغ ونتنياهو بشأن خطة توافقية مقترحة تهدف إلى تهدئة غضب الشارع جراء تعديلات قضائية مثيرة للجدل تعتزم الحكومة اليمينية المتطرفة تطبيقها.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الإسرائيلي كشف عن خطة توافقية أخرى "معقولة للغاية بالنسبة لحلفاء نتنياهو المتطرفين" تهدف إلى استقلال القضاء، كما تعطي العديد من الإنجازات المهمة للائتلاف الحاكم، مشيرة إلى أن رفضها يضع البلاد على حافة أزمة دستورية، وسيؤدي إلى زيادة السخط العام.
وأوضحت الصحيفة العبرية أن خطة التسوية المقترحة تهدف إلى تجنب أزمة دستورية وشيكة، مشيرة إلى أنه تمت صياغتها بعيدًا عن الأنظار من قبل محامين وخبراء قانون بارزين.
وأوردت الصحيفة أن الخطة الجديدة تحد من صلاحيات المحكمة العليا للتدخل في سياسة الحكومة، حيث تم رفع الحد الأقصى لتشريع عدم أهلية المحكمة إلى أغلبية سبعة من أصل أحد عشر قاضياً، وهو تغيير جذري عن الممارسة الحالية.
ورأت الصحيفة أن مثل هذه التنازلات لا تزال غير كافية للوزراء "المتعطشين للسلطة" في حكومة نتنياهو، الذين يريدون ألا يكون للمحكمة أي دور تشريعي يذكر. وفي تطور لاحق، ندد نتنياهو بالخطة، قائلاً إن بنودها الرئيسية "تديم الوضع الحالي فقط"، بينما أشاد قادة المعارضة بالاقتراح ودعوا الحكومة إلى قبوله على الفور.
وقالت الصحيفة إن أولئك الذين يخشون أن يكون اقتراح هرتسوغ نسخة مخففة إلى حد ما من الإصلاح القضائي للحكومة قد "تفاجأوا بسرور"، حيث أعطى اقتراحه للحكومة رأيًا أكبر في لجنة التعيينات القضائية، ولكن ليس السيطرة الكاملة التي سعى إليها وزير العدل، ياريف ليفين.

وأضافت الصحيفة أن هذا لا يعني أن المقترح يتضمن أخباراً جيدة لمعارضي الحكومة في البرلمان (الكنيست) أو الشوارع، معتبرة أن المحكمة العليا ستكون ضعيفة أيضاً في ظل خطة هرتسوغ إذا تم قبولها. وكشفت الصحيفة أن هناك أيضًا ثغرات تسمح للحكومة بتعيين الوزراء دون أن يكون للمحكمة أي إشراف.
وقالت الصحيفة: "الأمر الآن متروك للشعب الإسرائيلي لمحاولة إقناع الحكومة. حتى الآن، شملت الاحتجاجات بشكل أساسي الطبقات الوسطى العلمانية والليبرالية. لقد كانت تعبئتهم غير عادية. يحاول هرتسوغ الآن إقناع النصف الآخر من الشعب، وخاصة الإسرائيليين اليمينيين والمتدينين، للضغط على حكومتهم لتقديم تنازلات".
وبينما حذر الرئيس الإسرائيلي أمس من حرب أهلية بسبب سياسات الحكومة، ذكرت الصحيفة أن ثمة تظاهرات عارمة مرتقبة اليوم، الخميس، بمناسبة "يوم الفوضى"، الذي سيشهد عدة مراكز احتجاج في شمال وجنوب ووسط البلاد.
وقال قادة الاحتجاج: "قررت الحكومة قلب الديموقراطية إلى حالة من الفوضى. لذلك، سيخرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين غير المستعدين للعيش في ظل نظام ديكتاتوري".