تحمل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين دلالات عميقة من حيث توقيتها وأهدافها ونتائجها المرتقبة، ورسائل من أكبر قوتين إقليميتين إلى الخصوم: الولايات المتحدة والأوروبيين.
وزيارة بوتين إلى بكين هي أول تنقّل له خارج البلاد منذ أدائه اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة من 6 سنوات، ويحمل هذا المؤشر دلالة أولى قوية على عمق العلاقات وانسجام السياسات بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ.
تعميق الشراكة
وجاءت زيارة بوتين إلى الصين أيضًا بعد عشرة أيام من زيارة أداها الرئيس الصيني إلى فرنسا، قال إنه حمل فيها 3 رسائل، وعدَ في أولاها بفتح الأسواق الصينية أمام الشركات الغربية، وقال في الثانية إنه يتفهم المخاطر التي تفرضها الأزمة الأوكرانية على الأوروبيين، وأكد في الثالثة التزام بلاده بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الدول.
ووصل بوتين إلى بكين الخميس لإجراء محادثات يأمل الكرملين أن تؤدي إلى تعميق الشراكة الإستراتيجية بين "أقوى خصمين جيوسياسيين للولايات المتحدة"، وفق تعبير وكالة "رويترز" للأنباء.
وكان البلدان أعلنا في فبراير 2022 شراكة "بلا حدود" عندما زار بوتين بكين قبل أيام فقط من بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، التي يصفها مراقبون بأنّها "أعنف حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".
وقبل توجهه إلى بكين قال الرئيس الروسي، إن العلاقات التجارية والاقتصادية بين بلاده والصين تتطور بسرعة، ما يدل على "مناعة مستقرة في مواجهة التحديات الخارجية والأزمات" بحسب قوله.
وكشف بوتين عن أن حجم التجارة الثنائية بين روسيا والصين يبلغ الآن نحو 20 تريليون روبل، أو ما يقرب من 220 مليار دولار.
وتحمل هذه الأرقام رسائل سياسية واقتصادية إلى خصوم موسكو وبكين، ولا سيما الولايات المتحدة التي لا تجد حيلة في تفكيك هذا التحالف المتنامي أو الحد من تداعياته الاقتصادية والسياسية.
ورغم أنّ الرئيس الروسي حرص على القول إن العلاقات بين بلاده والصين "ليست موجهة ضد أي جهة، ولكنها تدافع عن مبادئ العدالة والقانون والديمقراطية"، فإنّ التقارب اللافت بين البلدين يثير قلق واشنطن والاتحاد الأوروبي على واجهتين: الأولى سياسية وتهم خصوصًا مآلات الحرب في أوكرانيا وما يخلقه هذا التقارب من صعوبات في التعاطي مع الملف على الأرض، والثانية اقتصادية وتشمل التحدي الذي تواجهه الشركات الغربية، أمريكية أكانت أم أوروبية، في التصدي للتمدد الصيني وما يمكن أن توفره بكين من بدائل في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو.
تعاون وتكامل
وتمثل زيارة بوتين أيضًا دلالة على نجاح موسكو وبكين في تحقيق التعاون والتكامل على مختلف المنصات الدولية في الأمم المتحدة، في علاقة بالقضايا الدولية المتنوعة، أو على مستوى مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون.
ويطرح هذا الانسجام والتقارب تحديات بالجملة على الغرب الذي لا ينظر بعين الرضا إلى هذا التقارب ويضع عدة تحفظات على سياسات روسيا والصين، في علاقة بالقضايا الدولية، بدءًا بحرب أوكرانيا ووصولًا إلى قضايا البيئة والتغيرات المناخية والمسائل الحقوقية.
ولذلك بدا يوتين وشي جين بينغ حريصَيْن على تأكيد أن العلاقة بين بلدَيْهما هي "عامل "استقرار" في العالم، ويبعث الزعيمان بذلك رسائل تتراوح بين "الطمأنة والتحذير" إلى الغرب، مفادها أنّ العالم بات بحاجة إلى تجاوز الأحادية القطبية وإلى شيء من التوازن في إدارة القضايا الدولية.