3 غارات إسرائيلية استهدفت مبنى بالضاحية الجنوبية بعد إنذار إسرائيلي بالإخلاء
لم يعد خافيا التورط الإيراني بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس ضد إسرائيل في السابع من الشهر الحالي كشريك أساسي في الحدث الذي هز العالم، فيما برز مع مرور المزيد من الأيام أكثر فأكثر، أن طهران من بين أكبر المستفيدين من الحرب في غزة، إن لم تكن أكبرهم، وهي التي تبحث عن إعادة تموضعها في الإقليم وخلط أوراقه بما يخدم مصالحها فيه، ومصالحها على الطرف الآخر في صراعها مع الولايات المتحدة والغرب، لا سيما فيما يتعلق بملفها النووي وتداعياته كافة.
في حرب غزة تحديدا، ثمة أوراق قوة تمتلكها إيران تضعها في الصفوف الأولى إلى جانب الدول والقوى الإقليمية والدولية المؤثرة في مسار ما يحدث، ذلك أن علاقتها بحركة حماس تحالفية ومحورية، وعلاقتها تصل إلى حد النفوذ الكامل مع ميليشيات حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وأخرى في العراق وسوريا، وهي أوراق قد تستخدمها طهران في أحداث غزة على نحو مدروس لا يصل إلى مرحلة فتح جبهات قتال، إلا أنه ينذر ويحذر من فتحها إذا استدعت الحاجة.
وحاجة طهران إلى ذلك، تخضع بلا شك إلى مراقبة ما تحقق أو يجب أن يتحقق من مصالحها، وبالطبع دون أن تخوض إيران أي مواجهة عسكرية مباشرة، لاعتمادها المعروف في ذلك على أذرعها بالمنطقة.
ولأن إسرائيل لن تبحث أو تسعى في مرحلة حرب غزة على الأقل، إلى فتح جبهات قتال أخرى من شأنها أن تشتت قدراتها وتنهك قواتها وتزيد القلق الداخلي، فإن إيران هي من تمتلك الرغبة والدافع لسيناريو توسيع دائرة الصراع وامتداده، إذا شعرت أن حصتها من "كعكة المصالح" قد هُضمت، وهنا لن تجد أي حرج في التصعيد لا سيما على جبهة حزب الله، وتسويق ذلك على أنه موقف ممانع يحمل شعاراتها التقليدية بشأن أمريكا وإسرائيل، لتغذية حضورها في الشارع العربي الذي انحسر على نحو لافت وكبير بسبب سلوكها وسياساتها في الشرق الأوسط في العقد الأخير.
ولا يمكن القفز في مقام كهذا، عن أن حرب غزة عمقت حالة الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وإيران التي تدعم حركة حماس بالمال والعتاد والخبرات، وتؤثر في الوقت الراهن على الحركة بشكل كبير باتجاه مسار الصراع، على أمل يدفع ذلك الولايات المتحدة والغرب إلى الاضطرار للتعامل مع طهران بأكثر من ملف على صلة مباشرة بالحرب وما هو أبعد من ذلك أيضا.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن طهران وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي امتدت من عام 2000 إلى عام 2005، عززت دعمها لحركة حماس، والأمر ذاته حدث أيضا بعد فوز الحركة في انتخابات عام 2006 الذي جلبها إلى السلطة في غزة، فيما قدمت إيران أيضا الأسلحة والمال لحماس خلال صراعاتها المسلحة مع إسرائيل في أعوام 2008 و2009 و2014.
وفي قراءات توقيت هجوم حماس ضد إسرائيل، برز الحديث عن مصلحة إيرانية تقف خلف المشهد، وتتمثل بتعطيل ما قطعته الرياض وتل أبيب من شوط باتجاه تطبيع العلاقات بتنسيق أمريكي؛ سعيًا لضرب ما تعرف بـ"اتفاقيات أبراهام" وفكرة اندماج إسرائيل في نسيج الشرق الأوسط، قد لا تغيب هنا أيضًا رغبة تلتقي فيها طهران مع موسكو وبكين في جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة ومكلفة ومفتوحة النهاية في الشرق الأوسط.
في المقابل، ورغم أن التصريحات المدوية الصادرة من أروقة طهران السياسية والعسكرية، تحرص على إطلاق التحذيرات بالاتجاهات كافة لجهة توسيع نطاق الحرب، إلا أن ذلك لا ينفي مخاوفها من خسارة قد تكون موجعة وربما حاسمة لوكلائها في المنطقة، خصوصا ميليشيات حزب الله التي تعتمد عليها طهران إلى حد كبير في سلوكها وسياساتها في المنطقة، فضلا عن الخشية من خسارة حماس ذاتها التي تعول عليها كذلك كورقة رابحة بيدها إلى جانب حركة الجهاد الإسلامي.
ولعل من أبرز ما يعزز تلك المخاوف، اللهجة الشديدة للقادة الإسرائيليين، السياسيين منهم والعسكريين، في التوجه إلى إنهاء حركة حماس ونظيراتها في المنطقة، وإيصال رسائل عملية من الأرض بهذا الاتجاه، سواء بالتلويح بقرب الغزو البري لغزة، أو الرد بقوة على إطلاق النار من جانب ميليشيات حزب الله وجماعات مسلحة أخرى في الداخل اللبناني، فضلا عن قصف أهداف إيرانية في الداخل السوري.
وذلك يعني بطبيعة الحال، أن إيران إذا ما وجدت نفسها في مأزق كبير ومفترق طرق، فليس مستبعدا أن تضحي بورقة حماس ومصيرها، لحماية ميليشيات حزب الله وضمان بقائه كونه الحليف الإستراتيجي الأقوى والأقرب بالنسبة لها، من مختلف الجوانب، من أبرزها الجانب العقائدي.
بكل الأحوال، يبقى باب القراءات والتحليلات وكذلك التوقعات، مفتوحًا على مصراعيه، أمام تطورات سريعة ومتسارعة، تتداخل فيها الدلالات والأبعاد مثلما تتداخل فيها الأطراف والمصالح، وبالتالي فإن حدوث مفاجآت أو مفارقات أمر وارد على نحو كبير في صراع بات يُقلق العالم أكثر من أي وقت مضى.