الرئيس الأمريكي خلال لقاء سابق مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا
الرئيس الأمريكي خلال لقاء سابق مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا رويترز

عودة "الجنوب العالمي".. تحالفات تجمعها الواقعية في مجابهة النظام الدولي الحالي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالًا للكاتب سارانج شيدور مدير برنامج "الجنوب العالمي" في معهد "كوينسي للحكم المسؤول"، وعضو هيئة التدريس في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، تحدث فيه عن أن الحرب الروسية في أوكرانيا أعادت تذكير القوى الغربية بوجود عالم آخر خارج إطار القوى العالمية الكبرى وحلفائها الأساسيين.

واعتبر الكاتب أن هذا العالم الذي بات يطلق عليه مصطلح "الجنوب العالمي"، ويتألف في الغالب من بلدان في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، قاوم الانحياز إلى جانب محدد من الصراع العالمي، وبات "الجنوب العالمي" عاملًا رئيسيًا في الجغرافيا السياسية.

وبحسب المقال، تؤكد دول "الجنوب العالمي" وجودها على الساحة العالمية باختيارها عدم الانحياز إلى أي قوة عظمى، مضيفًا أن فهم دوافع هذا العالم تتعدى النظر إلى تداعيات التوترات بين الولايات المتحدة ومنافسيها من القوى العظمى الأخرى، مثل الصين وروسيا، لتصل إلى فهم نهج "القوى المتوسطة" وحتى القوى التي تعتبر أقل قوة في المشهد السياسي.

واعتبر الكاتب أن رغبات وأهداف بلدان الجنوب العالمي ظلت منذ فترة طويلة في هامش الجغرافيا السياسية، رغم أنها تضم الغالبية العظمى من سكان العالم.

وأشار إلى أن تحالفات عدة مثل دول حركة عدم الانحياز، ومجموعة الـ 77، سعت خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى تعزيز المصالح الجمعية للبلدان الأكثر فقرًا في العالم، والتي تحررت من الاستعمار في عالم ما زالت تهيمن عليه القوى الإمبراطورية السابقة.

وبين أن هذا التضامن فيما بين تلك الدول كان يرتكز بشكل أساسي على المثل العليا والشعور بالهدف الأخلاقي المشترك الذي لم ينتج عنه دائمًا نتائج ملموسة.

وأشار الكاتب إلى أن هذه القيم الأخلاقية التي حفزت تلك الدول على الأخلاق فيما بينها بدأت بالتبدد قبل نهاية الحرب الباردة، فيما تم تهميش دور الجنوب العالمي تمامًا وإلى الأبد بعد عقود من الأحادية القطبية التي تلت نهاية الحرب الباردة.

واعتبر الكاتب أن الجنوب العالمي عاد اليوم للظهور مجددًا، لكن ليس كتحالف متماسك ومنظم، بل كواقع جيوسياسي نتج عنه تحالفات جديدة ومتنامية، مثل مجموعة دول البريكس، التي ستتوسع قريبًا لتتعدى أعضاءها الأساسيين لتشمل دولًا أخرى تتبع نهج الحفاظ على مصالحها الوطنية، وليس المثاليات المتعلقة بتضامن دول الجنوب، وستضيف هذه الدول ما هو أكثر من مجرد التجمع فحسب، بل ستعمل على تقييد سلوك القوى العظمى واستفزاز تلك الدول للاستجابة لبعض مطالب الجنوب العالمي على الأقل.

"العالم الثالث".. ازدراء للدول الأضعف

وانتقد الكاتب تسمية "دول العالم الثالث" التي نتجت عن انتهاء حقبة الاستعمار، وانضمام عشرات القوميات الجديدة إلى الأمم المتحدة، والذي صاغه عالم الاجتماع الفرنسي، ألفريد سوفي، للإشارة إلى هذه البلدان.

واعتبر الكاتب شيدور أن سوفي رأى تشابهًا بين المستعمرات السابقة المستقلة حديثًا والطبقة الثالثة "المتجاهلة والمستغلة والمحتقرة" في فرنسا ما قبل الثورة، وهي شريحة المجتمع المكونة من المواطنين العاديين.

وأضاف أنه بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك "العالم الثاني" الشيوعي، بدا مصطلح "العالم الثالث" كأنه مصطلحًا عفا عليه الزمن، كما أصبح يُنظر إليه على أنه ازدراء للدول الأضعف في النظام الدولي.

"الجنوب العالمي" واقع جيوسياسي أكثر منه تحالفا

ويضيف الكاتب أن مصطلح "البلدان النامية" الذي لا يزال يستخدم حتى يومنا هذا، بدأ يفقد شعبيته تدريجيًا، فهو يصنف الدول إما نامية متخلفة أو متقدمة تشبه بالضرورة اليابان والولايات المتحدة وبلدان أخرى في أوروبا، معتبرًا أن مصطلح "الجنوب العالمي" يتجنب هذه المزالق.

ويتألف الجنوب العالمي من مساحة كبيرة من الدول الفقيرة أو المتوسطة الدخل، التي تمتد من جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ إلى أمريكا اللاتينية.

واعتبر الكاتب أنه مع انحسار حقبة القطب الواحد التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، بدأ الجنوب العالمي ينبض بالحياة مرة أخرى من مبدأ الواقعية، وليس المثالية، مع تبني المصالح الوطنية لتلك الدول.

ويضم الجنوب العالمي جميع دول العالم تقريبًا باستثناء: أستراليا، كندا، اليابان، نيوزيلندا، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، ويشمل هذا التعريف الأوسع للجنوب العالمي دولًا مثل تركيا (حليفة الناتو)، والدول النفطية الخليجية مثل المملكة العربية السعودية، والدول الفقيرة سابقًا مثل تشيلي وسنغافورة التي أصبحت أكثر ازدهارًا الآن، أو أي دولة لها ماضٍ استعماري، أو ليست قوة عظمى، أو حليفًا أساسيًا لقوة عظمى، وتجمعها الرغبة في الحصول على الاستقلال الاستراتيجي، وحصة أكبر كثيرًا في السلطة السياسية بالنظام الدولي.

وخلص المقال إلى أن هذه الدول ستستمر كحقيقة جيوسياسية طالما ابتعدت عن المركز الداخلي لهياكل القوة الدولية، وما دامت هذه الدول محرومة من الاضطلاع بدور مادي أكبر في حكم النظام الدولي (الذي يشمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة)، وغير ذلك فمن المرجح أن يظل الجنوب العالمي قوة للتغيير، ويمارس الضغوط على القوى العظمى ويتحدى شرعية بعض سياساتها، ويحد من نطاق عملها في المجالات الرئيسة.

واعتبر الكاتب أن الحفاظ على الوضع الراهن للنظام العالمي الحالي ومقاومة إضفاء الطابع الديمقراطي على حكمه، هو ما تحاول الولايات المتحدة وأقرب حلفائها القيام به، ومع مقاومة من قبل الصين وروسيا لن يؤدي إلا إلى زيادة نفاد الصبر تجاه إجراء إصلاحات جدية في هذا النظام الدولي، بدءًا بتغييرات جوهرية في مجلس الأمن الدولي، مشيرًا إلى أن الجنوب العالمي الجديد لن يفقد تماسكه الجيوسياسي إلا عندما يتم تحقيق أهدافه بشكل كبير.

المصدر: مجلة "فورين أفيرز"

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com