"حزب الله" يعلن قتل وجرح عسكريين إسرائيليين كانوا داخل 3 دبابات "ميركافا"
ظفر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بولاية ثانية ومعها ملفات "ملغمة" داخل البلاد وخارجها تختلف كلية عن بدايات العهدة الأولى، لاسيما على المستوى الدبلوماسي، وفي المحيط الإقليمي، إذ تسببت الحقائق الجيوستراتيجية الجديدة في توتر العلاقات الثنائية مع عدة دول.
وفي انتظار أدائه اليمين الدستورية ليواصل الحكم لخمس سنوات أخرى، يواجه تبون سباقا مختلفا عن انتخابات ديسمبر 2019، عندما هزت الجزائر حركة احتجاجية شعبية واسعة استمرت لأشهر، وبعد هذه الفترة هدأ الوضع السياسي، ولكن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية مستمرة.
وعلى الرغم من تصنيف اقتصاد الجزائر كثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا، إذ من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 267 مليار دولار في عام 2024، وفقا لصندوق النقد الدولي، فإن البلد لا يزال يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات المحروقات.
وبعد فوزه في الانتخابات، على تبون الالتزام بتعهداته برفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار، بعد أن بلغ 267.78 مليار دولار في العام 2023، ورفع قيمة الدينار والتحرر من ريع الغاز والبترول.
"شراء" السلم الاجتماعي
وقال أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة الجزائر عبد الرحيم برجي، إن الحكومة تبني تحركاتها من خلال سياسة شراء السلم الاجتماعي، لمنع الاحتجاجات الشعبية ما يجعلها تُبقي على دعم مختلف المواد الاستهلاكية وتتساهل مع قضية الاقتصاد الموازي، الأمر الذي يُبعد تحقيق معدلات نمو كبيرة جدا خلال السنوات المقبلة.
وكشف برجي في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" أن اقتصاد السوق السوداء في الجزائر يمثل حاليا نحو 40% من حجم الاقتصاد الوطني، مؤكدا أنه يتطلب إعادة إدماج هذه النسبة في الاقتصاد الرسمي حتى يتم حسابه ضمن الناتج الداخلي الخام، وهو أمر يبدو بعيد المنال وفق قوله.
كما لفت إلى أزمة انهيار العملة المحلية التي يحتاج رفعها لقرار سياسي عن طريق تقوية المؤشرات الاقتصادية الكلية بتكثيف الصادرات خارج المحروقات وشراء خدمات محلية من طرف الأجانب مثل تنشيط السياحة.
وخارجيا، سيكون على الرئيس المنتخب للمرة الثانية وضع النقاط على الحروف في علاقات الجزائر الخارجية المتذبذبة مع فرنسا وروسيا ودول الساحل الأفريقي.
وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية إلى الاتصال بنظيره الجزائري ليبلغه التزام باريس بإعادة إطلاق حوار بعد أن خيب أمل تبون بدعم المغرب في قضية النزاع على الصحراء. ولم يتردد ماكرون في نقل "أحر التهاني" لعبد المجيد تبون على إعادة انتخابه بنسبة 94.65% من الأصوات.
وقال الإليزيه في بيان إن فرنسا "متمسكة بشكل خاص بالعلاقة الاستثنائية التي تربطها بالجزائر في كل المجالات: الذاكرة والاقتصاد... والتعاون التعليمي والثقافي وكذلك الأمن ومكافحة الإرهاب". وتعكس الرسالة رغبة فرنسية في طي صفحة الخلافات، ولكن السلطات الجزائرية عبر وكالة الأنباء الرسمية شنت هجوما حادا في اليوم نفسه على الإعلام الفرنسي؛ بسبب طريقة معالجته لمسألة الانتخابات، في مقال نشرته بعنوان "أيها الفرنسيون، الجزائر ليست محميتكم".
وكانت الجزائر قد سحبت أواخر يوليو الماضي سفيرها من باريس وخفضت تمثليها الدبلوماسي لديها إلى مستوى القائم بالأعمال.
أزمة الساحل الأفريقي
وإن كانت العلاقات بين الجزائر وباريس قد شهدت توترا في السنوات الأخيرة بسبب خلافات متكررة على مسائل الذاكرة والاستثمار، إلا أن الصراع الغربي الروسي في منطقة الساحل الأفريقي المجاورة انعكس مؤخرا على علاقات الجزائر وموسكو.
ومن ليبيا إلى النيجر ومالي، يؤشر الوضع على الحدود الجزائرية على أن هذه الدول، التي تعتبر ساحة خلفية إستراتيجية أصبح بعضها معاديا لها، وتفضّل الحليف الروسي. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، دعا مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة إلى "وضع حد للانتهاكات التي ترتكبها الجيوش الخاصة التي تستخدمها بعض الدول"، في إشارة إلى مجموعة "فاغنر" التي تنفذ مع الجيش المالي ضربات بالطائرات دون طيار في منطقة تينزاواتين القريبة من حدود الجزائر.
وتأتي هذه التصريحات في سياق أزمة دبلوماسية بين الجزائر وحليفتها التاريخية والإستراتيجية روسيا التي نشرت منذ فترة طويلة عناصر من مجموعة "فاغنر" في مناطق معينة بالساحل.
وبدأت العلاقات بين الجزائر وباماكو في التدهور في صيف العام 2023، حين استعاد الجيش المالي مدينة كيدال، بدعم من الروس، وطرد حركات الأزواد، ما أنهى العمل باتفاق السلام الجزائري لعام 2015.
وأشار المحلل السياسي الجزائري آدم مقران إلى التطورات الطارئة قرب حدوده بلاده، بعدما أدى العنف في شمال مالي وتجدد القتال منذ الانقلاب العسكري في النيجر إلى مقتل العديد من المدنيين وتسبب الوضع في نزوح السكان بالآلاف نحو الجزائر.
لكن مقران عاد في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى تصريحات المندوب الجزائري أمام الأمم المتحدة التي تعكس رفضها لدور فاغنر في المنطقة، لا سيما دعم جيشي مالي والنيجر، فضلا عن مساهمة الشركة الأمنية في الانقلابات العسكرية التي نفذت في السنوات الأخيرة وأدت إلى زيادة عدم الاستقرار الإقليمي.
كما أن الجزائر استشعرت فقدان مكانتها كوسيط صانع للسلام منذ تهميش جهودها في مالي، وهو ما يشكل خسارة بعض من مكانتها كدولة تحاول المساهمة في استقرار المنطقة، وفق مقران.
وفي هذا السياق يرجّح معهد واشنطن الأمريكي في قراءة له للعهدة الرئاسية الثانية لتبون، أن تسعى الجزائر إلى مواصلة تعميق انخراطها مع الولايات المتحدة وتموضعها كمورد رئيس للطاقة لأوروبا. وعلى المدى القصير، سيكون هذا مكسباً لكل من واشنطن والجزائر، لا سيما في مجالات مثل التعاون في مكافحة الإرهاب.
وعلى المدى الطويل، سوف تستمر القضايا نفسها التي تحدت الشراكة لعقود من الزمن، وليس فقط افتقار الجزائر إلى الانفتاح السياسي والاقتصادي، ولكن أيضاً عدم رغبتها في الاعتراف بأن الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها روسيا في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل لها تأثير سلبي في الداخل وعلى المنطقة بأكملها.