يبدو أن مبادرات السلام لحل الأزمة الأوكرانية ما زالت "تترنح"، بين القبول والرفض الروسي، ففي أعقاب ترحيب "الكرملين" بالمشاركة في مؤتمر السلام الدولي، الذي تسعى "كييف"، لاستضافته خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يأتي الرفض سريعًا من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
كما أن الغموض الروسي ما زال يتصدر المشهد بشأن مبادرات السلام، إذ أعلن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أن موسكو ترحّب بأي مبادرات سلام ولكن شريطة معالجة الأزمة من جذورها، ردًا على تصريحات المرشح الجمهوري لرئاسية البيت الأبيض دونالد ترمب، بقدرته على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
ويأتي هذا الموقف الروسي -المترنح-، نتيجة عدم التزام الدول الغربية بما تم الاتفاق عليه بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بالإضافة إلى توسع حلف شمال الأطلسي «ناتو» شرقًا بالقرب من الحدود الروسية، وفقًا لتصريحات وزير الخارجية الروسي.
وأثارت هذه التصريحات العديد من التساؤلات التي طرحها المراقبون عن الموقف النهائي لروسيا من مبادرات السلام، ومدى التزام موسكو بها، وكيف تنظر الأوساط السياسية، لهذه التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسية، وغيرها من التساؤلات التي أجاب عنها المحللون من وجهة النظر الأوكرانية لـ"إرم نيوز".
تصريحات لافروف شكلية
وتعقيبًا على ذلك، قال د. عماد أبو الرُب، رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، إن تصريحات وزير الخارجية الروسي، تعكس محاولة إظهار موسكو كطرف يسعى إلى السلام، لكن الحقيقة هناك شكوك أوكرانية في تلك النوايا الروسية، لأنها تكررت عدة مرات، خاصة عندما يتحدث الجميع ويتساءل عن آفاق التسوية السلمية، فكانت روسيا تصرّح بأنها جاهزة للجلوس على طاولة المفاوضات.
وأكد أبو الرب، في تصريحات لـ«إرم نيوز»، أن روسيا دائما تضع شرطًا أن يأخذ بالأمر الواقع، بمعنى أن المعطيات على الأرض، وكل ما سيطرت عليه روسيا أو ضمته من أراض أوكرانية، أصبح جزءًا من الأراضي الروسية، فلا يمكن لها أن تنسحب منها حتى لو لم يعترف به المجتمع الدولي، وبهذا فإن الأوساط الأوكرانية متشككة من هذه الدعوات.
وأضاف الرب أن أوكرنيا تعتبر تلك الدعوة الروسية للسلام "مناورة سياسية"، وأن موسكو تستغل هذه الدعوات للتسوية كمجرد غطاء لتعزيز موقفها العسكري.
وفيما يتعلق بموقف حلف "ناتو" من تلك الدعوات للسلام، يوضح أبو الرب أن "ناتو" موقفه واضح بدعم قوي لأوكرانيا، وأن كان هناك تفاوت بين دول الأعضاء في هذا الدعم وهذا ما يقلق أوكرانيا، لكن "كييف"، تتجه دائما إلى تفعيل تواصلها الدبلوماسي مع الدول المؤثرة بما في ذلك أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبولندا، للحيلولة دون التوقف عن الدعم الدائم من ناتو لأوكرانيا.
وأضاف أبو الرب "من المحتمل أن تكون هناك دعوات للتركيز على الحلول الدبلوماسية للأزمة الراهنة، لكن دعم أوكرانيا في مواجهة التهديدات الروسية يظل أولوية لحلف ناتو، ولاحظنا دائمًا تصريحات للرئيس االأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن أوكرانيا باتت خط دفاع أول عن أوروبا وعن ناتو، على اعتبار أن انتصار روسيا في تلك العركة يعني تهديدًا مباشرًا للدول الغربية.
"عمومًا تعد التصريحات الروسية بشأن السلام جزءًا من استراتيجية أكبر، تهدف إلى رباك وتقويض الدعم الأوكراني، لكن نتمنى بالتأكيد أن تُقلّل الفجوة بين الفرقاء في تلك الحرب من خلال وسطاء حياديين يسعون لتحقيق سلام حقيقي بين روسيا وأوكرانيا، وفق أبو الرب.
توريط "ناتو"
وبهذا الصدد، قال د. سعيد سلام، مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية الأوكرانية، إنه "على الرغم من أن الظاهر من هذه التصريحات التي خرجت من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، هي مجرد تهديدات باستخدام الأسلحة النووية، لإخضاع أوكرانيا للشروط الروسية.
وأكد سلام في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز»، أن وزير الخارجية الروسي، وجّه تهديدا آخر من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى "الأنجلوسكسون"، حينما وصف من يدعمون النظام النازي غير الشرعي في أوكرانيا، أن "مغامرتهم انتحارية".
وأشار مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية الأوكرانية إلى رفض القيادة السياسية في أوكرانيا والشعب الأوكراني عمومًا لمثل هذه التصريحات، واصفًا أن مثل هذه التصريحات تشير إلى "عدم إمكانية إجراء مباحثات سلام مع من يسميهم النظام النازي غير الشرعي في كييف".
وتابع سلام: "روسيا اتهمت أيضا على لسان وزير خارجيتها، الرئيس زيلينسكي، أنه يريد توريط "ناتو" في أعمال قتاليه مباشرة مع روسيا".
وعمليًا أصبحت أوكرانيا، جزءًا من "ناتو"، من الناحية العسكرية وبالأسلحة التي تستخدمها في حربها الدفاعية في الدفاع عن نفسها ضد روسيا، لكن ما زالت هناك عوائق جدية أمام انضمامها رسميًا إلى الحلف، وفق سلام.
ولكن بعد انتهاء الحرب وتحرير أوكرانيا لأراضيها واستعادتها وحدتها كاملة بما فيها شبه جزيره القرم، فإن العائق الأساس لانضمامها لـ"ناتو" هو الفساد السياسي والفساد الاقتصادي للدولة الأوكرانية، على حد تعبيره.
كما أن دستور واتفاق "ناتو" يمنع أي دولة لديها مشكلات حدودية أو حروب مع دولة أخرى الانضمام إليه، بحسب سلام.
لكن القيادة السياسية في أوكرانيا تعتبر توجيه دعوة من قبل "ناتو"، في انضمام أوكرانيا للحلف، فيه رسالة سياسية واضحة للنظام الروسي بأن انضمام أوكرانيا لحلف "ناتو" أمر مفروغ منه مستقبلًا، لذا تعتبره كييف إنجازًا سياسيًا واستراتيجيًا على النظام الروسي، بحسب سلام.