إيران توسع نفوذها في أفغانستان وتدعم المسلحين وسط تضاؤل الوجود الأمريكي
إيران توسع نفوذها في أفغانستان وتدعم المسلحين وسط تضاؤل الوجود الأمريكيإيران توسع نفوذها في أفغانستان وتدعم المسلحين وسط تضاؤل الوجود الأمريكي

إيران توسع نفوذها في أفغانستان وتدعم المسلحين وسط تضاؤل الوجود الأمريكي

كشف مسؤولون أمنيون أفغان أن طهران تقف وراء مجموعة من الهجمات المسلحة ضد الحكومة التي تحاول جاهدة فرض السيطرة على البلاد المنهكة من الحرب لسنوات طويلة.

وفي صورة لفرض السيطرة وتحقيق مكاسب على الأرض الأفغانية يتغول مسلحون مدعومون مباشرة من إيران على جبهات القتال الداخلية التي تعمل القوات المحلية الحكومية فيها على مواجهة حركة طالبان التي باتت تستعيد وجودها شيئاً فشيئاً مع تضاؤل تواجد القوات الأمريكية.

وحسبما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تحقيق خاص لها، فإن مسؤولي الأمن الأفغان لم يتمكنوا من إدراك من يقف وراء مجموعة ضربات إلا بعد أن طلب من الدعم الجوي الأمريكي التدخل ليستدلوا أن المخطط وراءها إيران.

طهران تتمدد

ويستذكر ضابط شرطة في مدينة فرح الأفغانية اتصالاً تلقاه من قائده يحذره من وجود المئات من مقاتلي طالبان في طريقهم للمدينة ثم هاجموها خلال نصف ساعة واستولوا على ضفاف النهر الغربي من فرح عاصمة المقاطعة التي تحمل ذات الاسم، وكانت هذه البداية لحصار دام ثلاثة أسابيع في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وقال مسؤولون بالمخابرات الأفغانية :"إن أربعة من كبار الكوماندوز الإيرانيين كانوا من بين عشرات القتلى، مشيرين إلى أن جنازاتهم وثقت في إيران، كما تم نقل العديد من القتلى والجرحى من طالبان عبر الحدود القريبة مع إيران حيث تم تجنيد وتدريب المسلحين.

وكان هذا الهجوم، المنسق مع هجمات على عدة مدن أخرى، جزءاً من أكثر محاولات طالبان طموحاً لاستعادة السلطة منذ عام 2001، وكان أيضاً جزءًا من حملة إيرانية متسارعة لملء فراغ تركته القوات الأمريكية المغادرة عقب تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً عن أسفه لأن الولايات المتحدة تخسر حربها المستمرة منذ 16 عاماً في أفغانستان والتي كلفّت نصف تريليون دولار وهدد بطرد الجنرالات الأمريكيين المسؤولين عن ذلك.

وتقوم إيران بمناورة جريئة لتشكيل أفغانستان لصالحها، على مدى العقد والنصف الماضيين، حين قامت الولايات المتحدة بالتخلص من أعداء إيران الرئيسيين على حدودها وهم حكومة طالبان في أفغانستان، وصدام حسين في العراق. واستخدمت إيران ذلك لصالحها، وتعمل بهدوء وبلا توقف لنشر نفوذها.

في العراق، استغلت إيران الحرب الأهلية الفوضوية والانسحاب الأمريكي لإنشاء دولة افتراضية تابعة، وفي أفغانستان، تهدف إيران إلى التأكد من مغادرة القوات الأجنبية وأن أي حكومة تسود لن تهدد مصالحها، وتكون في أحسن الأحوال صديقة لها ومتحالفة معها.

وقال الأفغان :"إن إحدى الطرق للقيام بذلك هي أن تساعد إيران عدوتها في الماضي طالبان، وبذلك تضمن وجود وكيل مخلص لها، وكذلك تحافظ على زعزعة البلد دون أن ينقلب ذلك عليها. وهذا صحيح بشكل خاص على طول حدودهم المشتركة لأكثر من 500 ميل".

طالبان العدو الحليف

لكن إرساء قوة متمردة للسيطرة على إحدى المقاطعات يظهر تصعيدا كبيراً وخطيراً في جهود إيران، وقد أجرت إيران تدخلات سرية مكثفة بدأت للتو بالظهور، حيث تزود المتمردين المحليين من حركة طالبان بالأسلحة والمال والتدريب، وقد عرضت على قادة حركة طالبان ملاذاً ووقوداً لشاحناتهم.

 وقال مسؤولون أفغان وغربيون :"إنهم قاموا بتجنيد صفوف طالبان من خلال تجنيد اللاجئين الأفغان السنّيين في إيران.

وقال محمد عارف شاه جيهان، المسؤول الاستخباري الكبير الذي تولى مؤخراً منصب حاكم مقاطعة فرح الأفغانية: "لقد تغيرت السياسة الإقليمية، أقوى مقاتلي طالبان هنا هم طالبان إيرانيون".

وبعد توسّع بعثة الناتو في أفغانستان، بدأ الإيرانيون دعم حركة طالبان بهدوء من أجل استنزاف الأمريكيين وحلفائهم برفع تكاليف التدخل وإجبارهم على المغادرة.

وحسبما أوردت الصحيفة، فقد أصبحت إيران ترى حركة طالبان ليس فقط على أنها أقل أعدائها وإنما أيضاً كقوة بالوكالة مفيدة، فيما أنكرت طهران دعمها لطالبان إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية وفيلق الحرس الثوري يعملان كأسلحة مكملة لسياسة طهران التوسعية فتقوم الأولى بحشد النفوذ الاقتصادي والثقافي بشكل علني، والثانية تعمل كقوة تخريبية وراء الكواليس.

بدورهم أشار مسؤولون أفغان إلى أن إيران أرسلت فرقاً من القتلة وقامت بنشر الجواسيس سراً وتسللت إلى صفوف الشرطة والإدارات الحكومية خاصة في المقاطعات الغربية الأفغانية.

 كما اكتشف القائد الأعلى لحلف الناتو في أفغانستان آنذاك، الجنرال السير ديفيد ريتشاردز من بريطانيا، أن إيران جندت مترجمه دانيال جيمس، وهو مواطن بريطاني إيراني، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة إرسال رسائل مشفرة إلى الملحق العسكري الإيراني في كابول خلال جولته في عام 2006.

خدمت الحروب الطويلة التي شنتها الولايات المتحدة ضد أعداء إيران مصالح طهران التي بدأت باستخدام مقاتلين بالوكالة على الأرض.

التوسع الطموح

ظهر عمق علاقة إيران بطالبان بشكل غير متوقع في العام الماضي بعد أن قتلت غارة أمريكية في جنوب غرب باكستان قائد طالبان الملا أختر محمد منصور الذي كان عائداً من رحلة إلى إيران حيث كان يلتقي بمسؤولي أمن إيرانيين ومسؤولين روس من خلال إيران، واعترفت كل من روسيا وإيران بأنهما عقدتا اجتماعات مع طالبان إلا أنهما أكدتا أنها كانت لأسباب استخباراتية.

ووفقاً لبروس ريدل العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كان الغرض الرئيسي من رحلات الملا منصور إلى إيران هو التنسيق التكتيكي.

وفي ذلك الوقت، في عام 2016، كانت حركة طالبان تستعد لشن هجمات عبر ثماني مقاطعات أفغانية من بينها مقاطعة فرح.

وقال مسؤولون أفغان :"إن إيران سهلت اجتماعاً بين الملا منصور والمسؤولين الروس، مؤكدين أنه حصل على أموال وأسلحة من موسكو للمتمردين، وكانت باكستان على علم تام بسعي الملا للحصول على الأسلحة في إيران".

بدوره، قال حاجي آغا لالاي مستشار الرئاسة ونائب حاكم مقاطعة قندهار :"إن باكستان كانت حريصة أيضاً على توزيع العبء السياسي والمالي لدعم طالبان وشجعت طالبان على إنشاء علاقات مع إيران"، مشيراً إلى أن الملا منصور سافر إلى العاصمة الإيرانية خلال زيارته الأخيرة للقاء شخصية مهمة قد تكون المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وبقي هناك أسبوعاً كاملاً والتقى أيضاً بمسؤول روسي بارز في بلدة زاهدان.

وشدد لالاي على أنه من المؤكد أنه كان يتفاوض على زيادة المساعدات الإيرانية والروسية قبل وفاته مشيراً إلى زيادة الدعم الإيراني لطالبان خلال قيادته ومنذ ذلك الحين.

من جانبهم، قال المسؤولون الأفغان :"إن الاجتماع مع الروس كان على ما يبدو خطوة بعيدة للغاية، حيث توسعت علاقاته مع إيران وروسيا إلى حد أنها هددت سيطرة باكستان على الحركة".

وقال الكولونيل أحمد مسلم حيات وهو ملحق عسكري أفغاني سابق في لندن :"إنه يعتقد أن الجيش الأميركي كان يحاول إثبات أمر ما بضرب الملا منصور عند عودته من إيران"، مضيفا: " عندما يستهدفون أشخاصاً مثله يكونون قد اتبعوه منذ أشهر. كان من الذكاء القيام بذلك لإثارة الشكوك حول إيران، لقد كانوا يحاولون خلق فجوة بين إيران وطالبان".

ويضيف: "لكنهم لم ينجحوا في مسعاهم إن كان ذلك هدفهم حيث استكمل سلفه المولوي هبة الله أخوند زاده أعمال سلفه". بينما قال لالاي" " لا أعتقد أن التواصل قد انقطع، لا يزال هبة الله يتصل مع إيران، هم يحاولون بيأس العثور على المزيد من المال من أجل توسيع المعركة".

إيران الصغيرة

لا يوجد مكان يشعر فيه بنفوذ إيران العميق أكثر من مدينة هيرات الغربية التي تقع على مقربة من الحدود الإيرانية حيث لجأ مليونا أفغاني إلى إيران خلال الغزو السوفييتي في الثمانينات، ويعيش ويعمل 3 ملايين أفغاني في إيران الآن، وتعد هيرات التي يطلق عليها اسم " إيران الصغيرة"، بوابتهم الرئيسية بين البلدين، ويتكلّم الناس في هيرات بلكنة إيرانية. المدارس الحكومية والكليات والمكتبات الإيرانية تملأ الشوارع، فيما ترتدي النساء الغطاء الأسود من الرأس إلى القدم المفضل في إيران والمحلات مليئة بالحلويات والمنتجات الإيرانية".

لكن يشير مسؤولون محليون إلى أن المدينة مليئة بجواسيس إيران ورغم أن المدينة من المدن الأكثر سلماً في أفغانستان، تقول الشرطة إن إيران تمول الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية وترعى الإرهاب.

وحسب الصحيفة فإن طهران تعمل باستمرار في الظلال. والهدف، كما يقول المسؤولون الأفغان، هو تكريس نضالات السلطة المحلية لصالحها، سواء من خلال الرشوة أو التسلل أو العنف.

وذكرت الشرطة الأفغانية أنها اعتقلت 2000 شخص في عمليات مكافحة المتشددين في هيرات على مدى السنوات الثلاث الماضية.

 وتقول الشرطة :"إن الكثير منهم مسلحون ومجرمون يقيمون مع أسرهم في إيران ويدخلون أفغانستان للقيام بالعشرات من الهجمات على رجال الشرطة أو المسؤولين الحكوميين".

في المقابل، قال مسؤولون أفغان :"إن إيران تسعى لتقويض الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية ومهمة الولايات المتحدة بكاملها، وتحافظ على النفوذ على أفغانستان بجعلها ضعيفة ومعتمدة".

إلى ذلك، قال فرهاد نيايش، الرئيس السابق لبلدية هيرات :"إن الإيرانيين يستخدمون قنصليتهم في المدينة كقاعدة لنشر ثقافة إيرانية وابتكار نشاطات "إرهابية"، ولإيران دور مهم في الهجمات المسلحة في هيرات، فتم القبض على ثلاثة أو أربعة إيرانيين يملكون خطة ضد المسؤولين الحكوميين الذين لا يعملون لمصلحتهم".

بدورهم، يقول أعضاء البرلمان والمسؤولون الأمنيون:" إن إيران تقدم رشاوى للمسؤولين الحكوميين المحليين والمركزيين للعمل من أجلهم وتمنحهم 10 إلى 15 تأشيرة إيرانية إسبوعياً لتقديمها لأصدقائهم وشركائهم حيث يزور الأفغان إيران للقيام بأعمال تجارية، والحصول على الرعاية الطبية ورؤية أسرهم".

وكشفت الشرطة الأفغانية عن حالات تسلل أعمق أيضاً حيث حكمت على شرطية أفغانية متهمة بأنها عميلة إيرانية سرية، بعد إطلاقها النار على مدرب أمريكي في مقر شرطة كابول في عام 2012 بالإعدام.

كما أن إيران تدعم العديد من الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة في أكثر من عشر محافظات غربية. وتعمل الشرطة الأفغانية، على الرغم من نقص الموارد، على تفكيكها.

السلام أو حرب بالوكالة

وفي الوقت الراهن، حذر مسؤولون أفغان كبار وغيرهم من أن إيران وروسيا وجدتا قضية مشتركة مشابهة لشراكتهما في سوريا.

 وحذر المحلل السياسي تيمور شاران من أنهم بدافع من تجربتهم الناجحة في سوريا، يبدو أنهم يبنون على شراكتهم لإيذاء أمريكا في أفغانستان.

وبينما تضاءلت القوات الأمريكية في أفغانستان ازداد التنافس من أجل التأثير على حركة طالبان.

وقال جيهان، مسؤول الاستخبارات الأفغاني السابق الذي أصبح الآن حاكماً لفرح: "إن باكستان تساعد طالبان بشكل مباشر، أما روسيا وإيران فهما تساعدان طالبان بشكل غير مباشر، وقد نصل إلى نقطة تدخلهما علناً".

 وأضاف: "أعتقد أنه لا يجب أن نعطيهم هذه الفرصة، وإلا سيتم التخلي عن أفغانستان من أجل التنافس المفتوح بين هذه الدول".

وحذر وزير الخارجية الأفغاني السابق رانجين دادفار سبانتا من أن البلاد معرضة لخطر الانخراط في صراع أكبر بين القوى السنية من الخليج العربي والشيعة الإيرانية. وقال "يجب على أفغانستان أن تبقي خارج التنافس بين القوى الإقليمية فنحن عرضة للخطر".

في المقابل ، حذّر محمد عاصف رحيمي، محافظ حيرات، بأنه لو سقطت فرح بيد طالبان فإن المنطقة الغربية بأكملها ستكون في متناول أيديهم وقد تزايد التدخل الإيراني لدرجة تضع البلاد بأكملها في خطر استيلاء طالبان عليها، وليس فقط إقليمه حسب تعبيره.

ولكن يمكن تفادي الأمر من وجهة نظر شاران الذي قال: "حقيقة أن أمريكا صنعت هذه الفجوة، فذلك سيؤدي بالدول المتحمسة بالتدخل في الأمر. فالقضية السورية أعطت إيران وروسيا الثقة للتدخل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com