بعد اكتشافهم "الواقع المر".. هل يفتح يهود روسيا باب الهجرة العكسية من إسرائيل؟
بعد اكتشافهم "الواقع المر".. هل يفتح يهود روسيا باب الهجرة العكسية من إسرائيل؟بعد اكتشافهم "الواقع المر".. هل يفتح يهود روسيا باب الهجرة العكسية من إسرائيل؟

بعد اكتشافهم "الواقع المر".. هل يفتح يهود روسيا باب الهجرة العكسية من إسرائيل؟

أجرت ليزا روزوفسكي مراسلة صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التي قدمت إلى إسرائيل كجزء من موجة الهجرة الرئيسة من الاتحاد السوفييتي، في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، مقابلات مع مجموعة من الإسرائيليين ذي الأصول الروسية، الذين هاجروا إلى إسرائيل في العقد الماضي لكن بدأوا الآن بالعودة إلى روسيا أو السعي للذهاب إلى بلدان أخرى.

ويطلق على أولئك الروس، وهم من طبقات اجتماعية وثقافية متوسطة، اسم "عليا بوتين"، أي الأشخاص الذين توجهوا إلى إسرائيل منذ فترة من الزمن من الطبقة الوسطى في روسيا والذين غادروها بسبب تضييق بوتين الخناق عليهم.

وبالنسبة للكثير من أولئك المهاجرين وهم إما يهود أو من أصول يهودية، كانت إسرائيل هي الوجهة المختارة عند أغلبهم لعدة أسباب أهمها الحصول على المواطنة بشكل تلقائي، لكن بالنسبة للمهاجرين بعد العام 2000 كان الأمر مختلفاً، خاصة أولئك الذين وصلوا بعد الاحتجاج الفاشل الذي اندلع بعد الانتخابات البرلمانية في عامي 2011 و 2012، وكذلك ضم شبه جزيرة القرم وبدء الحرب في شرق أوكرانيا.

ورأى المهاجرون حديثاً إلى إسرائيل، من تلك الطبقة، أنهم مختلفون عن سابقيهم، حيث أصر بعضهم على عدم التخلي عن وظائفهم، التي يمكنهم القيام بها عن بعد، ولم يعرّفوا أنفسهم قط على أنهم إسرائيليون.

لكن الآن وبعد أن منحت هذه الموجة الصغيرة الأحدث اسماً خاصاً بها، اصبح العديد من أفرادها جزءا لا يتجزأ من المشهد الروسي الإسرائيلي، أما البعض الآخر فقد استغلوا الفرص الكثيرة التي قدمت لهم وغادروا إما عائدين إلى روسيا أو انتقلوا إلى بلاد أخرى.

ويقول بوريس، البالغ من العمر 48 عاماً، وهو ملحن هاجر إلى إسرائيل من سانت بطرسبيرغ مع أسرته في العام 2012 ويعيش في برلين منذ العام 2013: "لأنني نشأت في روسيا، فأنا معتاد على الشعور بأنني أجنبي، إلا أنني عندما عدت لإسرائيل بدأت الشعور بالانقسام وبأنني أوروبي، لكني عدت لموطني الآن، وأطالب إسرائيل بوجود نوع من الوحدة الثقافية، أن نتحدث اللغة العبرية وأكون يهودياً، من المفارقات أني أصبحت ملحداً في إسرائيل".

ويقول بوريس إنه إضافة إلى الضغط الديني الذي شعر به في إسرائيل وكرهه للطقوس الدينية فإنه شعر بنوع من غياب الخصوصية في إسرائيل، كما لم تشجعه صعوبة التنقل باستخدام وسائل النقل العامة وانتشار الحشرات والمناخ الحار على البقاء في إسرائيل، وعندما حصل على منحة في برلين حلّت جميع مشاكله كونه ملحنا غير مستعد للتنازل عن مسيرته المهنية.

من السيئ للأسوأ

على عكس الأشخاص الآخرين الذين قابلتهم مراسلة الصحيفة، والذين يحبون إسرائيل لكن يشعرون أنهم لا يستطيعون العيش فيها، كان أنتون، البالغ من العمر 39 عاماً، وهو صحفي سابق جاء لإسرائيل في 2015 مع أسرته وغادر بعد أقل من عام، يشعر بالاشمئزاز تجاه إسرائيل من الناحية الأيديولوجية.

ويقول أنتون: " توصلت إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل دولة فاشية لا أريد أن أعيش في بلد كهذا، أدركت أن شيئا لن يتغير للأفضل هنا، وكان أحد العوامل الهامة في قراري مغادرة روسيا الرغبة في الذهاب مع أطفالي إلى بلد حر، إسرائيل ليست دولة حرة، لا أريد أن أشارك في ما يحدث هنا وأن أتحمل المسؤولية الأخلاقية عنه، لا شك أن روسيا بلد استبدادي لكنها ليست دولة فاشية، في روسيا لا يعد اللقب مهماً طالما تتحدث اللغة الروسية، فلا يهم إن كنت يهودياً أو عربياً أو من التتار... أما في إسرائيل يعد هذا مهماً".

وإضافة إلى الأسباب الأيديولوجية، يذكر أنتون أسباب عملية أخرى دفعته لمغادرة إسرائيل قائلاً: "استقرت أسرتي في مستوطنة (أريئيل) في الضفة الغربية، ولم تنجح محاولتي في العثور على عمل في مجال اختصاصي، وعملت في مصنع وغيرها من وظائف العمّال ولم تعمل زوجتي وعشت في وضع تقشّف مع أسرتي، وعلى النقيض من ذلك، كان هناك العديد من الوظائف المحتملة بانتظاري في روسيا تقدّم رواتب جيدة، وعثرت على وظيفة مناسبة بعد شهر واحد من عودتي لروسيا".

ولا يخفي أنتون شعوره بالمرارة بسبب المعاملة السيئة التي لاقاها من أعضاء مخضرمين من مجتمع الناطقين باللغة الروسية في إسرائيل، وقال: "في الجيش الروسي إن علموا أنك من (المسكوفيت) يلكمونك في وجهك مباشرةً، الأمر مماثل في إسرائيل حيث إن أدرك أحدهم أنك من ذات الطائفة يعاملونك ببرود".

تعليق أنتون هو أحد مظاهر الأحقاد العديدة المتواجدة بين ممثلي "عليا بوتين" وبعض المثقفين الروس القدامى الموجودين في إسرائيل منذ عقدين من الزمن وأكثر.

وتظهر الخلافات المرة وكأنها صراع بين اليمين واليسار، يمثل الحرس القدامى جبهة المحافظين الوطنيين، في حين أن الروس الفارين من بوتين يمثلون البديل المتشكك الليبرالي.

البيروقراطية المهلكة

وفي قصة أخرى، هاجر الناقد الأدبي ألكسندر جافريلوف إلى إسرائيل في نهاية العام 2014، لكنه اضطر للعودة إلى موسكو بعد عامين لعدم قدرته على نقل "مركز حياته" إلى إسرائيل بحسب ما تطلبه وزارة الداخلية من مقدمي طلبات جوازات السفر القيام به.

وقال: "أعتقد أن الضغط السياسي قل في روسيا الآن، فبعد الشعور بالاشمئزاز يومياً أصبحت أشعر بالاشمئزاز مرة في الأسبوع، وهذا ما مكنني من أخذ خيار العودة بعين الاعتبار".

وعند النظر في الظروف يبدو أن خروج جافريلوف من إسرائيل كان لا مفر منه، فما الذي يأمل أديب ورجل أعمال يعمل مع كبار المبدعين في روسيا من العثور عليه في إسرائيل؟ يقول إنه من أجل النجاة مالياً في إسرائيل كان عليه الانحدار في نوع الكتاب والفنانين الذي سيمثلهم استجابةً لمطالب شريحة أكبر من المجتمع الناطق بالروسية – لكنه لم يكن مستعداً لفعل ذلك.

ولم يتخل جافريلوف الذي يدعي حبه لـ "تل أبيب" وجنوب يافا عن أعماله في روسيا، ويدعي أن تنقله بين روسيا وإسرائيل حيث يعيش والده أنهكه وبالنهاية قرر وزوجته البيلاروسية جعل موسكو مكان إقامتهما الرئيس.

وكان جزء كبير من إقامة غافريلوف في إسرائيل مصحوباً بما أسماه "نضال بيروقراطي" مرهق، حيث رفضت سلطة السكان والهجرة والحدود منح زوجته تصريحاً بالدخول ونتج عن ذلك استحالة اجتماع الزوجين في إسرائيل، ولم تحل المشكلة إلا عندما ألغيت متطلبات التأشيرة بين بيلاروسيا وإسرائيل.

وامتنع لافروف عن انتقاد إسرائيل بشكل صريح إلا أنه انفتح على ذكر مساوئها، مشيراً إلى أن النخبة الفكرية اليهودية في العالم أجمع لا تزال في الخارج حيث يصعب جمعها لأن ذلك يتطلب وحدة سياسية يكاد يكون من المستحيل تصورها، مضيفاً: "إسرائيل اليوم ليست بلد المقاتلين والمزارعين والعلماء وإنما بلد المقاتلين والمزارعين، ولا يزال العلماء يعيشون في بروكلين".

تقريباً مثل بلدة إسرائيلية

وتعتبر نوعية الحياة وتكلفة المعيشة في إسرائيل جزءا لا يتجزأ من أحاديث كل من غادروها، ومن الفروقات الكبيرة بين المهاجرين لإسرائيل في عهد الاتحاد السوفييتي وفئة مهاجري "عليا بوتين" هو أن الأخيرين ذاقوا طعم الحياة الجيدة، بل في الواقع قضوا نسبة كبيرة من حياتهم وهم بالغون ويتمتعون بازدهار وحرية اقتصادية أكبر من تلك التي تتمتع بها الطبقة الوسطى في إسرائيل.

وصلت كاتيا بريوبرازنسكي، 31 عاما، إلى إسرائيل في نهاية العام 2015 مع زوجها، وهي الآن على وشك المغادرة إلى تايلاند للدراسة في مدرسة "كوردون بلو" للطبخ، وتأمل أن تنتقل إلى لندن من هناك، وتقول: "عندما انتقلنا إلى هنا، كانت هذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها إسرائيل"، لم نكن قد زرناها قبل ذلك، كان لي توقعات مختلفة فيما يتعلق بجماليات المكان".

وأضافت: "اعتقدت أن الجميع يعيشون بالطريقة التي نعيش بها - مع إطلالة على البحر ويافا القديمة - في الواقع، يعيش الجميع في مبانٍ نموذجية، مملة، مكونة من 3 طوابق مع نوافذ صغيرة ويكونون محظوظين إن كان المظهر الذي يطلون عليه ليس مكاناً لتفريغ القمامة رغم أنهم يدفعون الكثير من المال، وتسبب هذا بشعوري بالإحباط".

إلا أنها تقول إن الجمهور الإسرائيلي الذي لم يكن معتاداً على الخدمات الجيدة أو على المنتجات عالية الجودة وغير المكلفة، أثبتوا أنهم منفتحون جداً لما تقدمه - مما يزيد من فرص عودتها إلى إسرائيل يوما ما.

نحن غير قادمين من دمشق

ويتحدث الصحفي والكاتب المسرحي ميخائيل كالوزكي عن تجربته في إسرائيل قائلاً: "نظام استيعاب المهاجرين الإسرائيلي، الذي تم إنشاؤه بعد إعلان الاستقلال والطريقة التي كان قائماً بها حتى يومنا هذا، يستلزم منك عند وصولك إلى إسرائيل أن تقوم بإلغاء ماضيك - اللغوي والمهني والاجتماعي – مبقياً فقط حياتك الخاصة، بعد ذلك، تذهب إلى مدرسة اللغة لمدة نصف عام لتعلم اللغة العبرية وبعدها تبدأ من جديد".

وأضاف: "هذا ما حدث لأمي التي وصلت إسرائيل في العام 1991، والعديدين غيرها، الأمر مختلف بالنسبة لنا، فبإمكاننا السفر إلى إسرائيل ألمانيا أو أي مكان آخر، وحياتنا المهنية لا تبدأ من جديد".

وختم كالوزسكي قائلاً: "لا أحب هذا الخطاب اليساري حول الامتيازات، صحيح أننا لم نفر من عمليات القصف في حلب، ونحن نملك امتيازات بطبيعة الحال بمعنى أننا اشترينا شقة في ألمانيا وندفع الضرائب إلا أننا لا نستطيع التصويت هنا، وعلى الرغم من كوننا في منتصف السلم الاجتماعي، وبصرف النظر عن العمل والحياة، إلا أننا لا نتلقى أي شيء".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com