رغم رغباتها الجامحة.. تيريزا ماي تستعد لمفاوضات "الطلاق" مع الاتحاد الأوروبي
رغم رغباتها الجامحة.. تيريزا ماي تستعد لمفاوضات "الطلاق" مع الاتحاد الأوروبيرغم رغباتها الجامحة.. تيريزا ماي تستعد لمفاوضات "الطلاق" مع الاتحاد الأوروبي

رغم رغباتها الجامحة.. تيريزا ماي تستعد لمفاوضات "الطلاق" مع الاتحاد الأوروبي

إذا كان الماضي معيارا يقاس عليه، فمن المستبعد أن تذعن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي للمواءمات السياسية، في مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكنها ستكوّن رأيها فيما تعتقد أنه أفضل مسار وترفض التزحزح عنه.

وسيتعين على ماي التي أيدت المنادين بالاحتفاظ بعضوية الاتحاد الأوروبي في استفتاء حزيران/يونيو الماضي، إما احتواء المشككين في الوحدة الأوروبية في حزب المحافظين، أو قمعهم وهي تصوغ استراتيجية التفاوض وأولوياته.

ولم تكشف ماي التي تبلغ من العمر 60 عاما، وتوصف في الصحافة البريطانية بأنها أشبه بتمثال أبي الهول، أي شيء يذكر في أول ثمانية أشهر أمضتها في قيادة البلاد، فيما يتعلق بنهجها في مفاوضات "الطلاق" من بروكسل، وربما يرجع ذلك إلى الخوف من إضعاف مركزها.

تجربة سابقة

سابق تجربة ماي في محاولة الفوز بدعم المشككين في الاتحاد الأوروبي، الذين كانوا وراء قرار الانفصال، قد يكشف بعض مفاتيح طريقتها في العمل، فقبل عامين عندما كانت تشغل منصب وزير الداخلية، سعت للعودة إلى نظام أوامر الاعتقال الأوروبية رغم معارضة كثيرين في حزبها.

وحصلت ماي على مرادها في النهاية، بعد معركة عنيفة على هذه الأوامر التي تعجل بتسليم المتهمين فيما بين الدول الأعضاء، ولم تتزحزح قيد أنملة عن موقفها ودفعت البرلمان لقبول رأيها.

ويرسم تصرفها واستراتيجيتها، صورة لمفاوضة عنيدة تتمسك قدر الإمكان بكل حزم، بما تعتقد أنه يحقق أفضل مصالح بريطانيا.

وقال عدد من المساعدين الذين عملوا معها في الحكومة ومحام مطلع على تطورات تلك المعركة، إنها كانت مدفوعة بالاعتقاد بأنها على حق وأن بريطانيا بحاجة للموافقة على أوامر الاعتقال، وتدابير أخرى في مجال العدالة بالاتحاد الأوروبي.

 ورغم تسليمها بما يشوبها من أوجه قصور، فلم تكن تسمح لأي شيء بالوقوف في طريقها.

ويقول أنصارها إن نجاحها في نهاية المطاف يمثل دليلا على متانة معدنها السياسي، ومعرفتها وخبراتها ومهاراتها في التفاوض، أما منتقدوها فيقولون إن ثقتها في نفسها التي دفعتها لشق صدع في حزبها، والتصدي لحركة تمرد قد تكون نقطة ضعف إذا ما تحولت إلى تصلب، يعوق توصل بريطانيا إلى أفضل صفقة لها.

وقالت ماي لبرنامج ديزرت ايلاند ديسكس بهيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي"، قبل أقل من أسبوعين من بدء المعركة "إذا كنت تؤمن بما تفعله فهذا هو المفتاح، إذا آمنت بأنك تفعل ما هو صواب فهذا سيمنحك المرونة".

ورفضت بكل صمود أن تسمح لأعضاء البرلمان بالتصويت على أوامر الاعتقال، التي قالت إنها في صالحنا الوطني، ونكثت بذلك بوعد سابق الأمر الذي أثار حنق المشككين في الاتحاد الأوروبي، وبدلا من ذلك عرضت فقط التصويت على حزمة أوسع نطاقا من تدابير العدالة.

وفي اعتراف نادر بأن استراتيجيتها قد تكون إساءة في التقدير،  قالت مقابلة مع "بي.بي.سي" "إذا كنت سأبدأ هذا الأمر من جديد الآن، فهل سأفعله بطريقة مختلفة؟ ربما أفعل ذلك في ضوء الفهم لما كان البرلمان يشعر به حينذاك".

بلا بهرجة

أمضت ماي ست سنوات وزيرة للداخلية، قبل أن تتسلم رئاسة الحكومة من ديفيد كاميرون العام الماضي، في أعقاب الاستفتاء في 23 حزيران/يونيو، الذي أيد فيه البريطانيون الانفصال بأغلبية 52%  مقابل رفض 48 % من الناخبين.

وتصف رئيسة الوزراء نفسها بأنها "سياسية بلا بهرجة"، وتبدو غريبة على المشهد السياسي الذي تكثر فيه الإفادات الصحفية السرية.

ويعمل أقرب مساعديها المخلصين لها منذ أصبحت وزيرة للداخلية عام 2010، على ضمان تسرب أقل ما يمكن من المعلومات، ووصف مساعد حكومي فريق العاملين معها بأنه "واحد من أكفأ فرق العمل في وستمينستر".

وقد قالت إنها ستطالب بتنفيذ البند رقم 50 من معاهدة لشبونة بنهاية الشهر الجاري، لتبدأ بذلك محادثات الانفصال التي تستمر عامين، ومن المتوقع أن يوافق البرلمان على تشريع لبدء المفاوضات بحلول منتصف الشهر.

قائمة رغبات

وستدخل ماي المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بقائمة طويلة وعريضة من الرغبات، إذ تبتغي أفضل شروط تجارية ممكنة، والاحتفاظ بالتعاون الأمني واستعادة السيطرة على الهجرة، واستعادة السيادة على القوانين البريطانية.

وقال مصدر حكومي بريطاني طلب الاحتفاظ بسرية هويته، إن هذا موقف تفاوضي أولي، وتساءل لماذا يبدأ أي شخص محادثات بأقل من ذلك.

وقال مسؤول بريطاني آخر، إن أي استراتيجية تتطور من هذا الموقف ستكون بناء على ما سيطرحه الاتحاد الأوروبي، وموقف الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد وعددها 27 دولة من المحادثات.

غير أن ماي ستضطر لإيجاد طريق يؤدي إلى حل وسط، في ضوء رفض مسؤولي الاتحاد الأوروبي، ومنحها صفقة سائغة خشية أن تقتدي دول أوروبية أخرى بها.

تحصين النفس

سيراقب النواب المطالبون بالانفصال في حزبها كل خطواتها عن كثب خلال المفاوضات، لضمان التدقيق في كل الجوانب، وستعمل ماي بكل جد لإبقائهم في صفها.

ويقول سياسي مخضرم من أعضاء مجلس اللوردات "حتى الآن كنا نتفاوض مع أنفسنا"، مضيفا أنه "ما إن تبدأ بريطانيا التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، فإن الاختلالات الوظيفية نفسها التي شكا منها أنصار الانفصال، هي ذاتها الاختلالات التي ستسمح لهم بالتوصل إلى اتفاق من عدمه".

وعندما كشفت ماي في البداية عن خططها للانضمام إلى إجراءات العدالة بالاتحاد الأوروبي، التي تتضمن أوامر الاعتقال في 2012، لم تلق معارضة تذكر في البرلمان.

وتزامنت التوصيات مع إعلانها أنها تخلت عن محاولة لتسليم جاري ماكينون، مخترق أنظمة الكمبيوتر إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي أسعد الكثيرين في حزبها ممن كانوا يعتقدون أن ثمة اختلالا في نظام تسليم المتهمين بين البلدين.

وتفجرت القضية بعد عامين، عندما سعت لإقرار التدابير من خلال البرلمان، ففي البداية أساءت تقدير مستوى الاحتجاج لكنها تصدت للمتمردين، وقالت فيما بعد "لم أكن أحاول إخفاء الحقائق". بيد أن مسلكها خلف إحساسا بالمرارة، عند كثيرين من المحافظين وأعضاء أحزاب المعارضة.

وقالت ماي لصحيفة "صنداي تايمز" في أواخر العام الماضي "لا يكمن الأمر في كيفية تحصين نفسك بل فيما إذا كنت تفعل الصواب، فإذا كنت تؤمن بأنك تفعل الصواب، فأنت تمتلك الثقة والطاقة اللازمة للمضي وتوصيل الرسالة الصحيحة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com