استغلال خطب الجمعة للدعاية السياسية يثير غضبًا في تركيا
استغلال خطب الجمعة للدعاية السياسية يثير غضبًا في تركيااستغلال خطب الجمعة للدعاية السياسية يثير غضبًا في تركيا

استغلال خطب الجمعة للدعاية السياسية يثير غضبًا في تركيا

ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة استثمار الساسة الأتراك لخطب الجمعة لأغراض الدعاية السياسية والترويج لتوجهات معينة؛ ما أثار حفيظة وغضب الكثير من الأتراك المتخوفين من المساس بمبدأ فصل الدين عن الدولة.

وكثيرًا ما يتطرق خطباء المساجد للأوضاع السياسية الداخلية كالحرب العرقية والاضطرابات الأمنية والهجمات المسلحة، وكذلك الخارجية كالأزمتين السورية والعراقية، ومحاربة تنظيم داعش.

الانخراط في القضايا السياسية

ومع وقوف البلاد أمام مرحلة مصيرية تتجسد في استفتاء شعبي على الدستور، يوم الـ9 من نيسان/ أبريل المقبل، لإقرار تعديلات دستورية تشمل 18 مادة من الدستور، تهدف إلى تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، لم يلتزم الكثير من دعاة تركيا وخطبائها الحياد، بل دخلوا في خضم حملات الترويج، محاولين إقناع المصلين بخط سياسي معين.

ويدعم غالبية خطباء المساجد التوجهات الرسمية للحكومة التركية، وخط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي نجح خلال مسيرته السياسية من استقطاب شريحة واسعة منهم. ليجير تأثيرهم في الحشود لخدمة نهجه وطموحاته.

وكغيره من الخطباء؛ وقف حسين جولتش، إمام جامع "إماس" في إسطنبول، كبرى المدن التركية، في خطبة الجمعة الأخيرة، أمام حشود المصلين، ليلقي على أسماعهم خطابًا سياسيًا غير متوقع، لم يخلُ من الدعاية، مطالبًا بالانحياز للتعديلات الدستورية، ومتهجمًا على معارضيها، متهمًا إياهم بـ "الخيانة والغفلة"، فيما سلط الضوء على إنجازات الحكومة.

وتضمنت الخطبة تطمينات حول الوضع الاقتصادي، الذي يعاني من سلسلة ضغوطات، بما يتواءم وتصريحات المسؤولين الأتراك.

وتسببت خطبة جولتش، التي خرجت عن خطها الديني، في إثارة امتعاض وغضب الكثير من المصلين، ممن طالبوه بالابتعاد عن الدعاية السياسية في بيت من بيوت الله، وأكد بعضهم أن المسجد مكان يجمع الناس على مختلف توجهاتهم السياسية، ويحضر إليه الكثير من معارضي التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي.

وتساءل معارضون "إذا كان رفض التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي ممنوعًا، فما الجدوى من توجه البلاد إلى استفتاء شعبي، ولماذا يقام أصلًا؟".

ويرزخ معارضو التعديلات الدستورية تحت ضغط شعبي وإعلامي تمثل في التشهير ببعضهم، بعد إقدام عدد من الشخصيات العامة على إعلان تأييدهم للدستور الجديد صراحة، ليعمدوا بعد ذلك إلى مطالبة أشخاص عُرِف عنهم انتماؤهم المعارض بالإفصاح عن موقفهم؛ ما وضع الكثير منهم في دائرة الحرج؛ ومنهم أكاديميون ورؤساء جامعات.

التطرق لقضايا إقليمية

ولا تغيب عن خطب أئمة المساجد، القضايا والأزمات الإقليمية، كالأزمتين السورية والعراقية، ودعم توجهات الحكومة التركية في حربها ضد داعش.

وسبق أن أشار محللون إلى تورط شيوخ الدين في تركيا في بث خطاب معاد لروسيا الاتحادية، وتعبئة الرأي العام ضدها؛ ما جعل بعضهم يضع ذلك كأحد الأسباب غير المباشرة لإقدام أحد المواطنين على اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، أندريه كارلوف، نهاية العام الماضي.

وساهم أئمة المساجد خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي في تكثيف خطبهم المعادية للروس، ووصفهم بالكفار، متحدثين عن دورهم في الحرب السورية.

كما كانت حلب السورية، التي شهدت معارك طاحنة قبل السيطرة عليها من قبل دمشق وحلفائها الروس، حاضرة بقوة في غالبية خطب الجمعة في مساجد تركيا، وكثيرًا ما كان يعقبها حملات لجمع التبرعات والدعوة للمشاركة في الاحتجاجات التي شهدتها بضع مدن تركية ضد روسيا.

دعم المدارس الدينية

ويُعد خطباء الجمعة في تركيا من خريجي المدارس الدينية (مدارس الأئمة والخطباء)، التي تعيش عصرها الذهبي في ظل تفرد حزب العدالة والتنمية  بالحكم منذ العام 2002، ويحظى بدعم غير مسبوق من أردوغان الذي تخرج من تلك المدارس.

وخلال الأعوام الأخيرة قدم أردوغان الكثير من الدعم للمدارس الدينية ومنتسبيها، ووصلت نسبة الطلاب الأتراك الذين يدرسون فيها، في ظل حكم "العدالة والتنمية" إلى نحو 10% من طلبة تركيا، بعد أن كانت بحدود الـ 5% قبل العام 2002؛ وفقًا لتقارير محلية.

وأسست الدولة التركية، المدارس الدينية، مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، كمؤسسات دينية على نطاق ضيق، لتكون مقرات يمكن السيطرة عليها واحتواؤها، وضمان تخريجها لأئمة مساجد يمكن وضعهم تحت رقابة الدولة.

إلا أن دور تلك المدارس تنامى بشكل ملحوظ، بدعم من الحزب الحاكم، لتتحول إلى منشآت ذات توجه وطابع ديني مموّل من الدولة، وتصبح للكثير من الطلبة بديلًا عن المدارس العلمانية التقليدية.

وخرجت تلك المدارس شريحة لا يستهان بها من الساسة الأتراك، ممن أخذوا على عاتقهم التصدي للتيارات العلمانية في الحكومة؛ ويأتي على رأسهم أردوغان.

كما تضم الحكومة الـ65 لتركيا، التي شكلت يوم الـ 24 من أيار/ مايو الماضي، 10 وزراء من أصل 27 وزيرًا، تلقوا تعليمهم في مدارس دينية؛ ما يعكس توجه الحزب الحاكم للمزج بين الدين والسياسة والتعليم.

ويستند خطاب أردوغان، الداعم للحزب الحاكم، على التركيز على مبادئ الدين الإسلامي، الذي أفلح في جولات انتخابية سابقة، في استمالة جمهور المتدينين، إذ يركز أردوغان، على مشاعر مرتبطة بحقبة العشرينيات، والتوتر الذي شاب قرارات مؤسس الدولة الحديثة في عشرينيات القرن الماضي، مصطفى كمال (أتاتورك) في التضييق على المتدينين، وتحويل الكثير من المساجد إلى متاحف، ومنع الحجاب في المدارس والجامعات ودوائر الدولة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com