بعد مضي 10 سنوات على وصول أرتال المدرعات الفرنسية وسط هتافات السكان في شمال مالي، يضطر اليوم الجنود الفرنسيون إلى مغادرة منطقة الساحل الأفريقي بهدوء، وهذه المرة طردوا من النيجر المجاورة، بانتظار انسحاب أرتال أخرى محملة بالأسلحة، ما يطرح تحديات أمنية ولوجستية كبيرة خلال رحلة "الرحيل الأخير".
وبعيدًا عن الكاميرات والحشود المبتهجة في عام 2013، وصلت، يوم الخميس الماضي، إلى عاصمة تشاد نجامينا، دون أي حادث، أول قافلة من الجنود الفرنسيين الذين طردهم المجلس العسكري في نيامي، بعد إجراء مماثل في باماكو وواغادوغو، حسبما أعلنت هيئة الأركان العامة الفرنسية.
ومنذُ يوم الجمعة، غادر 282 جنديًا فرنسيًا النيجر بالفعل، حيثُ يجب إعادة 400 جندي آخرين إلى وطنهم في الأيام المقبلة، وفقًا لما ذكر رئيس أركان الجيش النيجيري، الكولونيل مامان ساني كياتو، خلال مؤتمر صحفي، الجمعة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني المختص بالشأن الأفريقي سلطان البان، لـ"إرم نيوز"، إن العدد الهائل من الجنود الفرنسيين المصحوبين بعتادهم وآلياتهم العسكرية المختلفة يضع تعقيدات لوجستية وأمنية أمام عملية تنفيذ الانسحاب؛ بسبب الكم الهائل من العتاد العسكري، الذي يقدر بـ2000 حاوية ضخمة سيتم نقلها برا ببطء وعبر طرقات وعرة وغير آمنة، عبر آلاف الكيلومترات، من النيجر إلى تشاد ثم من تشاد إلى الكاميرون.
ويصل عدد الجنود الفرنسيين إلى 1500 جندي موزعين على ثلاث قواعد عسكرية: اثنتان في شمال العاصمة نيامي، والثالثة قرب الحدود مع مالي، وهو ما شكّك به البان، لا سيما في ظل وجود تقارير تتحدث عن ما يناهز 3000 جندي فرنسي، وقد صرح بذلك وزير الداخلية والأمن النيجري في آخر مؤتمر له في خضم الأزمة مع باريس، حيث أكد "أن فرنسا تخفي العدد الحقيقي لجنودها في النيجر".
وفي حال تجاوزت قوافل العتاد العسكري هذه التحديات اللوجستية بـ سلام، تبقى الهواجس الأمنية الأكثر خطورة، الخطوط الجغرافية الرابطة بين الدول الثلاث "النيجر تشاد نيجيريا"، والتي تعتبر مناطق خاضعة نسبيا لمقاتلي "بوكو حرام" الموالين لتنظيم داعش في منطقة الساحل".
وأشار البان إلى أن "عبور القوافل العسكرية الفرنسية المحمّلة بالعتاد والسلاح يعتبر صيدا ثمينا لن يُفوّته "بوكو حرام" الباحث عن اقتناص فرص الظفر بغنائم الأسلحة الفرنسية"، وفق تعبيره.
وجعلت هذه الظروف المعقدة من إمكانية وفاء فرنسا الالتزام بالجدول الزمني للانسحاب من النيجر مع نهاية العام الجاري محل تشكيك لدى البعض؛ نظراً لقصر الفترة الزمنية والتحديات اللوجستية والأمنية المطروحة، وطول مسافة الرحلة.
وتعتمد فرنسا بشكل كبير على تشاد في خطة الانسحاب من النيجر، وذلك بصفتها حليفاً استراتيجياً وأحد مراكز النفوذ الفرنسي الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، حيث توجد في تشاد قيادة العمليات العسكرية التي تجريها فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، وبناء على ذلك يتمركز أكثر من ألف جندي فرنسي في قواعد عسكرية متفرقة بتشاد، أهمها وأكبرها موجودة في العاصمة، إنجامينا.
وفي السياق، بحث رئيس جمهورية الكاميرون بول بيا مع السفير الفرنسي تييري مارشاند تسهيل عملية خروج القوات الفرنسية من النيجر، التي بدأت في الانسحاب التدريجي من تشاد.
وأفادت الرئاسة الكاميرونية، في بيان لها عبر حسابها الرسمي في "فيسبوك"، بأن بول بيا بحث مع الدبلوماسي الفرنسي بشكل خاص "إمكانية عبور الجنود الفرنسيين عبر الأراضي الكاميرونية".
وأوضح السفير الفرنسي أن "الوقت لا يزال مبكرا بعض الشيء لمعالجة هذا الموضوع"، لافتًا إلى أنه "ستأتي بالتأكيد لحظة سيكون من الضروري فيها معرفة إلى أي مدى ستكون هذه القوات قادرة على العبور عبر الكاميرون للوصول إلى دول ساحلية".
وفي حديث لـ"إرم نيوز"، توقع أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، سراط محمد، أن تكون عملية فك الارتباط صعبة، خصوصًا في ظل عدم الكشف سوى عن القليل من التفاصيل حول خروج الفرنسيين، إذ يثار قلق من خطر تجدد اندلاع مظاهرات معادية للوجود الفرنسي في المنطقة، لا سيما في تشاد أو الكاميرون؛ لذلك تتكتم باريس.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، أن القوات الفرنسية ستغادر النيجر "بحلول نهاية العام"، ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن تكون المدة حوالي 6 أشهر بسبب التحديات اللوجستية التي يفرضها الانسحاب.
كما ناقش الرئيس الانتقالي لدولة تشاد الفريق أول محمد إدريس ديبي إتنو، في العاصمة الفرنسية باريس، يوم الخميس الماضي، مع الرئيس ماكرون ملف انسحاب الجنود من النيجر.