صفقة "شل" مع إيران ترمز لتغير في ميزان قوى الشرق الأوسط
صفقة "شل" مع إيران ترمز لتغير في ميزان قوى الشرق الأوسطصفقة "شل" مع إيران ترمز لتغير في ميزان قوى الشرق الأوسط

صفقة "شل" مع إيران ترمز لتغير في ميزان قوى الشرق الأوسط

تمثل الاتفاقية الأخيرة، التي عقدتها شركة "رويال داتش شل" للتنقيب عن النفط والغاز في إيران خطوة هائلة أخرى، لتحول طهران من عاصمة منبوذة دولياً إلى نقطة جذب للاستثمار خلال 18 شهراً. ويمكن أن يكشف المستقبل عن المزيد من الخطوات نحو التغيير بما في ذلك صعود إيران باعتبارها مصدراً للاستقرار بدلاً من الصراع في المنطقة.

وأشارت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية وفق تقرير لها، إلى أنه بعد مرور عام آخر مضطرب في الشرق الأوسط، برزت إيران باعتبارها الدولة الوحيدة التي تنهي عام 2016 وهي أقوى اقتصادياً وسياسياً.

ولا تزال العراق ممزقة بالصراعات الداخلية، فعلى الرغم من التحالف الواسع من الدعم، استغرقت محاولات استرجاع الموصل من مقاتلي داعش فترة أطول مما كان متوقعاً. واضطرت المملكة العربية السعودية للتخلي عن إستراتيجيتها بإجبار الآخرين على خفض إنتاجهم من النفط، إذ وجدت المملكة نفسها بدلاً من ذلك، تعد الدول الأخرى بخفض انتاجها اليومي بمقدار 486 ألف برميل، في محاولة لدفع أسعار النفط نحو الاستقرار.

في غضون ذلك، تغرق سوريا في حرب أهلية لم تحل للآن، وتركيا منشغلة بمشاكلها الداخلية الخاصة بعد وقوع الانقلاب الفاشل في فصل الصيف الفائت، فيما أصبحت إيران وحدها تبرز كقوة فعالة في المنطقة.

ومنذ عقدت صفقة وقف تطوير إيران للأسلحة النووية، بدأ ترميم العلاقات بين طهران والعالم الخارجي. فأصبحت الشركات الغربية تستثمر في إيران بغض النظر عن العقوبات الأمريكية المتبقية على الدولة. وفي اجتماع لدول أوبك المنتجة للنفط في تشرين الثاني/ نوفمبر، حصلت إيران على حصة من زملائها الأعضاء يحمي مستويات إنتاجها الحالي للنفط، وبذلك أصبحت قوة محورية في المجموعة.

قمع وسياسة

وتعاني إيران العديد من المشاكل، ومع ذلك فإن تجاه التغيير واضح. وربما يعد أبرز عمل يقف وراء التحول الذي حدث هو أنه على الرغم من الكثير من القمع الذي يجري في البلاد إلا أن إيران بقيت دولة ذات ثقافة سياسية حقيقية؛ ولم تنشأ بمحض الصدفة نتيجة لرسم خطوط " تمثل الحدود" على خريطة.

وارتفع إنتاج النفط في إيران ليتجاوز 600 ألف برميل نفط في اليوم منذ مطلع عام 2016. وإذا بقيت أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة- ويرجح بقاؤها كذلك- فإيران في موقع جيد لامتلاكها احتياطات ضخمة من الغاز والنفط( 157 مليار برميل من النفط 34 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وفقاً للمراجعات الإحصائية لبريتيش بتروليوم)، ويمكن تطويرها بتكلفة منخفضة.

وحظيت طهران بزيارات من وفود فرنسية وألمانية وصينية خلال الأشهر الأخيرة، إلا أنه وحتى إعلان اتفاقية شل كان الروس يظهرون في الطليعة، مع التوقيع على إستراتيجية استثمارية على مدى 5 أعوام في تموز/يوليو. وتتضمن عقد لبناء منصات حفر بحرية بقيمة 1 مليار يورو واستثمار بقيمة 1 مليار يورو في محطات توليد طاقة جديدة، وأصبحت روسيا المرشح المفضل لتوسيع القدرة النووية المدنية الإيرانية وستأخذ الشركات الروسية العديد من الـ50 مشروعا للنفط والغاز التي تقدمها إيران.

وتؤكد اتفاقية شل أن بعض الشركات الغربية مستعدة الآن للخروج عن الوضع المألوف في العالم، والتفكير فيما وراء نظام العقوبات الأمريكية الحالية. وتظهر الاتفاقية التي وصفت بعناية على أنها مؤقتة، أن شل استعادت رباطة جأشها وطموحها وفهمت أن القدرة على الوصول لإمدادات منخفضة التكلفة أمر حاسم أمام المنافسة في المستقبل. ويكشف الاتفاق بقسوة عن "الجبن الذي يشعر به الآخرون".

حصية سخية..

إلى ذلك، نجحت إيران في الحصول على حصة سخية للإنتاج من أوبك إلا أنه يصعب تقبل الحد الأقصى بانتاج قرابة 3.8 مليون برميل في اليوم لوقت طويل. وسيكون من السهل نسبياً على إيران إضافة مليون برميل إضافية يومياً على مجمل إنتاجها، لا سيما بالنظر إلى المشاركة النشطة من الشركات الروسية وشركة شل. وفي سبعينيات القرن الماضي، وقبل وقوع الثورة، كانت إيران تنتج قرابة 6 ملايين برميل في اليوم. إلا أن هناك حاجة للمال الآن لإنشاء بنىً أساسية في المجتمع الذي عانى من التقييد بسبب عزلة استمرت عقدين من الزمن، ويعد انتاج النفط أسهل الطرق على الإطلاق لجمع ذلك المال. ومع مرور الوقت، سيجبر أعضاء أوبك وغيرهم على إفساح الطريق أمام زيادة إنتاج إيران النفطي.

ترامب..

لكن، هل ستعمل الحكومة الأمريكية الجديدة على وقف تقدم إيران؟ خلال الحملة الانتخابية وصف دونالد ترامب الاتفاق النووي الذي سمح بإعادة ظهور إيران بأنه من أسوأ الصفقات التي شهدها في حياته. إلا أن ذلك كان مجرد خطاب له ضمن الحملة ووجهت الانتقادات بسبب الصفقة للرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون بدلاً من إيران.

وتتفق الصحيفة البريطانية مع تصريحات روبرت كيغن الذي يقول إن شن إدارة ترامب هجوماً عسكرياً على إيران أمر لا يمكن تصوره. ويرجح إجراء بعض التفاوض الجديد، ويتمتع الإيرانيون بمهارة كافية لإدراك أن التوصل لترتيب منفعة متبادلة هو أمر في متناول اليد.

وستعمل زيادة انخراط شل في إيران على زيادة الضغط على الحكومة الأمريكية القادمة للسماح بالشركات الأمريكية بالتنافس على أسس متساوية.

والرئيس المنتخب، يحب عقد الصفقات بطبيعته، ويتوقع أن المقايضة ستتضمن قضايا أكثر بكثير من مجال الطاقة فقط.

وبعد أن كانت إيران قوة لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط للأعوام الـ40 الماضية، قد تجد طهران أنه من الملائم استخدام قوتها التي لا شك فيها لتصبح منصة من أجل جلب الاستقرار. ففي سوريا ولبنان والحرب ضد داعش التي يبدو أنها تشكل أولوية عند ترامب، قد تكون المشاركة الإيرانية أمرا حاسما وإيجابيا.

وبعد مرور عام على التغييرات الجذرية على جميع الجبهات، وما رافقها من تغير حدود الأمور الممكنة. أصبح إعادة التنظيم الإستراتيجي للمصالح التي كانت تبدو قبل عام واحد فقط على أنها ضرب من الخيال، احتمالاً قوياً قائماً وقابلاً للتحقيق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com