حصاد 2016 بتركيا.. أردوغان من سقوط وشيك إلى تفرّد مطلق بالسلطة
حصاد 2016 بتركيا.. أردوغان من سقوط وشيك إلى تفرّد مطلق بالسلطةحصاد 2016 بتركيا.. أردوغان من سقوط وشيك إلى تفرّد مطلق بالسلطة

حصاد 2016 بتركيا.. أردوغان من سقوط وشيك إلى تفرّد مطلق بالسلطة

حمل العام 2016 للأتراك الكثير من المفاجآت والتقلبات السياسية الداخلية، بعد أن تمكن رجل تركيا الأقوى، رجب طيب أردوغان، من تحويل سقوطه الوشيك، إلى تفرد مطلق في إدارة شؤون البلاد، بما يتعارض والدستور التركي، مستندًا إلى حالة طوارئ يشكّك معارضون بضرورتها، في حين مددها أردوغان مرتَين ليستمر في حملة التطهير التي نالت من خصومة.

الانقلاب الفاشل.. نقطة تحوّل مصيرية

ويُعد الانقلاب الفاشل الذي كاد يطيح بالحكومة وبأردوغان شخصيًا، منتصف تموز/يوليو الماضي، نقطة تحوّل مصيرية، إذ استثمر الرئيس التركي تبعاته، ليحقق طموحاته السلطوية التي لم تلق آذانًا صاغية في النصف الأول من العام 2016. ولتحكم القرارات الرسمية الأخيرة، وللمرة الأولى في تاريخ تركيا، قبضة أردوغان على مفاصل الدولة.

استهداف الأكراد

ومنذ مطلع العام الحالي كانت الحكومة التركية، منهكة، في ظل الهجمات المتزايدة من قبل الجيل الفتي من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والتنظيمات الجديدة المنبثقة عنه، والتي كان من شأنها تشتيت الجهد الرسمي العسكري لمكافحتها، ضمن توجه الأكراد لابتكار آليات جديدة للضغط على أنقرة.

وعاد أردوغان لاستثمار الانقلاب الفاشل في هذا الملف، ويصعد من حملته العسكرية، ضد "الكردستاني" ، باستقطاب جمهور القوميين الأتراك، المعادين للقضية الكردية، وعلى رأسهم، حزب الحركة القومية، اليميني، الذي بات يدعم سياسات أردوغان، عقب الانقلاب الفاشل.

ويؤيد الحزب الذي يمثل ثاني أكبر الأحزاب المعارضة، توجهات أردوغان الرامية إلى تغيير الدستور، وتحويل نظام الحكم إلى رئاسي؛ ما يمنح أردوغان المزيد من السلطات ويجعله أول رئيس تنفيذي لتركيا، كما يدعم القوميون إعادة أحكام الإعدام، لتطال أعداء أردوغان ومنفذي الانقلاب، بعد أن ألغاها البرلمان التركي العام 2004.

تجريد معارضيه من الحصانة البرلمانية

وبعد شهور من التعثر منذ مطلع العام الحالي، إذ لم تثمر جهود أردوغان، في تجريد النواب الأكراد المعارضين من الحصانة الدبلوماسية، على الرغم من دعواته المتكررة لرفع الحصانة عنهم. إلا أن المحاولة الانقلابية ساهمت في تسريع الأمور، وإصدار البرلمان التركي لقانون يرفع الحصانة الدبلوماسية عن نواب أكراد.

وأسهم رفع الحصانة عن النواب الأكراد في ملاحقتهم، واعتقال عدد منهم، وعلى رأسهم زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، المقرب من "الكردستاني" صلاح الدين دمير طاش، تمهيدًا لمحاكمته وزملائه، بتهمة التعاون والترويج "للكردستاني".

عودة التضييق على حركة "خدمة"

وبعد أن عاش عناصر حركة "خدمة" التي تطلق عليها أنقرة وصف "الكيان الموازي" بقيادة الداعية فتح الله غولن فترة من الهدوء الحذر، أواخر العام الماضي، عادت تصريحات أردوغان، خلال كانون الثاني/يناير الماضي، لتجدد التضييق على الحركة وتعيدها إلى واجهة المشهد السياسي الداخلي.

وجعل أردوغان "مكافحة الكيان الموازي، أولوية من أولويات وظائف هيئة رقابة الدولة". وأصدر توجيهات لتفتيش جميع المؤسسات للتحقق من وجود عناصر منتمين للحركة، تمهيدًا لإحالتهم إلى القضاء.

وبعد أن اتسمت الحملات الأمنية ضد عناصر "خدمة" في السابق بالتأني، جاء الانقلاب الفاشل ليشكّل تحوّلًا، أدى إلى فرض حالة الطوارئ، وما ترتب عليها من حملة تطهير واسعة، نجم عنها اعتقال أكثر من 40 ألفا، وفصل ونقل أكثر من 125 ألفا من القضاة والعسكريين والإعلاميين والموظفين، المتهمين بالانتماء للحركة، والوقوف وراء المحاولة الانقلابية.

احتواء المؤسسة القضائية

وتمكن أردوغان بعد الانقلاب الفاشل من الحد من تأثير الأصوات المعارضة لمشروعه الرامي إلى احتواء المؤسسة القضائية، إذ كثرت الانتقادات، مطلع العام الجاري، لقرار أردوغان، تأسيس محاكم الصلح والجزاء التي يرى فيها معارضون "ضربة قاسية للحريات في تركيا". في ظل خشيتهم من المساس بهيكلية الدولة، القائمة على فصل السُّلطات؛ التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، معتبرين أن التعديلات الجديدة تنتهك بشدة استقلال القضاء.

تحجيم الإعلام المعارض

وبعد أن تمكنت وسائل الإعلام التركية المعارضة من إثارة غضب أردوغان خلال النصف الأول من العام الحالي، جاءت المحاولة الانقلابية، وما أعقبها من حملة تطهير لتساهم في القضاء على جميع وسائل الإعلام المعارضة، عبر الملاحقة والإغلاق والمصادرة، وفصل الصحافيين العاملين في تلك المؤسسات.

وتُعدّ وسائل الإعلام المحلية، المتضرر الأكبر من حملات التضييق الحكومية ضد الصحافيين، إذ باتت الساحة الداخلية خالية من الصحف المعارضة، بعد أن شنت السُّلطات سلسلة حملات اعتقال لصحافيين بارزين؛ كان آخرها حملة اعتقالات طالت آكين أتالاي، رئيس مجلس إدارة صحيفة "جمهورييت" المعارضة، في الـ 11 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد أيام من اعتقال تسعة من الصحافيين العاملين فيها، بتهمة دعم المحاولة الانقلابية.

ووفقًا لجمعية الصحافيين الأتراك؛ بلغ عدد المؤسسات الصحفية التي تم إغلاقها 170 مؤسسة، كما اعتُقِل 105 صحافيين أتراك، وأُلغِيت 777 بطاقة صحافية منذ الانقلاب الفاشل.

وسبق أن صنفت منظمة "مراسلون بلا حدود"، تركيا، في المرتبة 151 من حيث حرية الصحافة عام 2016، بعد طاجكستان وقبل جمهورية الكونغو الديمقراطية.

الاستحواذ على الحكومة والحزب الحاكم

وبات أردوغان يترأس بشكل دائم اجتماعات رئاسة الوزراء، ويرى معارضون أن الحكومة الحالية تابعة بالمطلق لتوجهات أردوغان، وتحولت قراراتها لمجرد صدى لإرادته وطموحه.

وأحكم أردوغان قبضته على الحزب الحاكم، على الرغم من النص الصريح في الدستور التركي، الذي يمنع أي ارتباط لرئيس الجمهورية بأحزاب سياسية، باعتباره رئيسًا جامعًا للأتراك على مختلف توجهاتهم.

وبتوجيه من أردوغان أجرى الحزب الحاكم تغييرات، أدت إلى تغلغل المزيد من الموالين لأردوغان، إذ زاد عدد الأعضاء الذين تربطهم به علاقات سياسية أو شخصية أو تجارية وثيقة، ما سمح له بالإبقاء على نفوذه في الحزب، ويرى محللون إنه "حوّل الحزب الحاكم إلى تيارٍ يديره السياسيون الذكور الأكبر سنًا، ممن يدينون بالولاء له".

السيطرة على الجيش

وعلى الرغم من محاولات أردوغان للتغلغل فيها، بقيت المؤسسة العسكرية الممثل الأبرز لعلمانية الدولة التركية، عبر النفوذ المتأصل للكثير من الضباط الأمراء الحاملين لنهج مؤسس الدولة الحديثة، الزعيم الراحل مصطفى كمال أتاتورك منذ عشرينيات القرن الماضي، إلا أن حملة التطهير التي أعقبت الانقلاب الفاشل ساهمت بشكلٍ جلي، في إعادة هيكلة المؤسسة بما يتناسب وتوجهات أردوغان.

وطالت الحملة المكثفة عشرات الآلاف من ضباط وعناصر الجيش ممن تم فصلهم أو نقلهم أو اعتقالهم، لتؤكد التوجه الجديد لأردوغان، الرامي إلى إحكام سيطرته على المؤسسة العسكرية.

ووضعت الحكومات العلمانية المتعاقبة، قبيل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، عام 2003، إلى التفرد في حكم البلاد، معايير لتقييم الراغبين بالانتماء للمؤسسة العسكرية، كان على رأسها الانتماء الديني، في ظل رفض طلبات انتساب من ينتمون لخلفيات محافظة، أو عُرِف عنهم أو عن ذويهم الالتزام الديني.

وفي ظل حكم أردوغان، وبعد تسارع الأحداث على خلفية الانقلاب الفاشل، يبدو أن معايير الانتساب للجيش في طريقها إلى التغير، ليستمر النهج الاقصائي، وإن في تجاه معاكس، ضمن مساعي أردوغان لأسلمة المؤسسة العسكرية.

شروط جديدة للانتساب

وأبدى معارضون امتعاضهم من اتخاذ حكومة حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية، إجراءات جديدة من شأنها التضييق على طالبي الانتساب إلى الجيش، ممن يحملون قيم العلمانية، ما قد يزيد من تغلغل الإسلاميين فيه.

وبعد أن كان العسكريون يمثلون غالبية الموظفين في وزارة الدفاع، قبيل الانقلاب الفاشل، عمل أردوغان، على تطبيق نظام عمل مشترك جديد من شأنه الدمج بين المدنيين والعسكريين في وظائف الوزارة، بحيث يمثل المدنيون 60% من العاملين في الوزارة، ويمثل العسكريون 40%.

وبمراسيم تشريعية رسمية؛ قررت الحكومة التركية، إلحاق عدد من السُّلطات بأردوغان أو وضعها ضمن صلاحيات الحكومة؛ ويأتي على رأسها، وضع رئاسة هيئة أردكان الجيش ورئاسة الاستخبارات تحت سُلطة رئيس الجمهورية. كما وُضِع قادة الجيش البري والبحري وسلاح الجو، تحت سُلطة وزير الدفاع، في حين أُلحِقت قوات الدرك (الجندرمة) وخفر السواحل، بوزارة الداخلية، وأُلحِقت أكاديمية "غولهانة" الطبية العسكرية بوزارة الصحة.

وأغلق المرسوم الجديد الأكاديميات العسكرية، في ظل توصياتٍ بإنشاء جامعة الدفاع الوطني، ليُعيَّن أردوغان رئيسًا لها، مع اكتساب نواب رئيس الوزراء، ووزراء الخارجية، والداخلية، والعدل، عضوية المجلس العسكري الأعلى.

وفي الوقت الذي يروّج فيه الإعلام الموالي لأردوغان أن المراسيم الأخيرة تصب في مصلحة مدنية الدولة، وتعزز سيطرة الحكومة على المؤسسة العسكرية، يرى محللون في التحركات الأخيرة توسيعًا لنفوذ أردوغان المتنامي، وتعزيزًا لقبضته على مرافق الدولة، وتحقيقًا لطموحاته السُّلطوية، ما يزيد المخاوف من انهيار معايير الديمقراطية والحريات العامة في البلاد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com