خيارات تركيا الصعبة بعد توغّلها في شمال سوريا
خيارات تركيا الصعبة بعد توغّلها في شمال سورياخيارات تركيا الصعبة بعد توغّلها في شمال سوريا

خيارات تركيا الصعبة بعد توغّلها في شمال سوريا

ربما عاش المقاتلون الشبان الذين رفعوا أيديهم بعلامة النصر، وأطلقوا النار في الهواء بهجة، بعدما انتزعوا السيطرة على بلدة جرابلس السورية من تنظيم داعش، قبل نحو أسبوع، لكن قدرتهم على الاحتفاظ بالسيطرة على الأرض سوف تتوقف على رغبة تركيا في إبقاء قواتها في سوريا.

وربما كان التوغل في جرابلس هو الشق الأسهل، فبدعم من دبابات وطائرات وقوات خاصة تركية تمكن المقاتلون العرب والتركمان- تحت راية الجيش السوري الحر الفضفاضة- من طرد التنظيم من جرابلس في غضون ساعات.

وربما يكون التقدم غربًا وتأمين شريط حدودي طوله 90 كيلومترًا تسيطر عليه داعش -وترى أنقرة أنه يمكن أن يكون منطقة عازلة محتملة- أصعب على هؤلاء المقاتلين الذين يبلغ عددهم نحو 1500 فقط.

وهم لا يواجهون فحسب تحدّي طرد داعش، بل يتعين عليهم في الوقت نفسه منع وحدات مسلحة كردية مدعومة من الولايات المتحدة- وتعتبرها تركيا قوة معادية- من ملء الفراغ.

يقول فكرت إسماعيل أحد مقاتلي المعارضة السورية وهو في أواخر العشرينات من العمر "داعش والأكراد شيء واحد. الاثنان جوّعوا هؤلاء الناس."

وأضاف، وقد أشهر بندقية أثناء دورية في شارع قرب وسط جرابلس بينما التف حوله عدد من الأطفال، "سندافع عن أرضنا حتى آخر قطرة دم."

ولم تكشف تركيا الكثير عن الاستراتيجية التي قام عليها أول توغل كبير لقواتها في سوريا، مكتفية بالقول: إنها تريد طرد داعش والمقاتلين الأكراد بعيدًا عن حدودها.

وانتقدت واشنطن وهي شريكة تركيا في حلف شمال الأطلسي "عملية درع الفرات" التركية وحثّت أنقرة على تجنب المواجهة مع القوات المتحالفة مع الأكراد، وأن تمضي بدلاً من ذلك في تركيزها على المعركة المشتركة ضد داعش.

وتعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية السورية أقوى حليف لها ضد المتشددين، لكن تركيا ترى أنهم جماعة إرهابية، وتشعر بالقلق من أن يشجع تقدمهم في شمال سوريا تمردًا كرديًّا داخلها، قائلة: إنها ليست في حاجة إلى من يحدّد لها الجماعات الإرهابية التي تقاتلها.

وقال الجيش التركي، الخميس، إنه انتزع السيطرة على ثلاث قرى أخرى تبعد نحو 20 كيلومترًا غربي جرابلس وقصف 15 هدفًا للمتشددين بمدافع الهاوتزر، كما قصف أربعة أهداف أخرى من الجو.

ولم تذكر تركيا تفاصيل عن الأهداف، لكن القرى موجودة في منطقة لا تزال داعش تسيطر عليها.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يعمل من بريطانيا السيطرة على القرى الثلاث قرب الحدود.

قوة متماسكة

ظلّت جرابلس تحت سيطرة داعش ثلاث سنوات، وتعود البلدة ببطء إلى الحياة، وسارت النساء في الطرقات سافرات، وقال رجل، إن من أول ما فعله بعد فرار المتشددين تقصير لحيته.

وبعد أسبوع من مساعدة الجيش التركي في طرد المتشددين، لا يوجد ما يشير إلى وجود له في جرابلس نفسها، وامتلأت المدينة بالمقاتلين الشبان الذين تدعمهم أنقرة، ويقود بسرعة كبيرة بعضهم شاحنات صغيرة نصبت عليها مدافع رشاشة.

يقول متين جورشان وهو ضابط سابق بالجيش التركي ومحلل في صحيفة أل مونيتور جورنال، إن هدف تركيا هو تحويل الجيش السوري الحر الممزّق إلى قوة متماسكة تمثّل ثقلاً موازنًا لوحدات حماية الشعب الكردية.

وأضاف أن السيطرة على بلدة الباب التي تقع إلى الجنوب ستكون أمرًا بالغ الأهمية للجماعتين.

وتوجد الباب التي تسيطر عليها داعش على الطرف الجنوبي لما تراها تركيا منطقة عازلة محتملة، ومن المعتقد أن ضربة جوية أمريكية في الأسبوع الماضي في الباب قتلت أبو محمد العدناني أحد أبرز قادة داعش.

وقال جورشان "توجد قوتان كل منهما توّاقة ولديها دوافع كبيرة للسيطرة على الباب، وفي نهاية المطاف هذا يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة التي تعطي الأولوية لقتال تنظيم داعش."

وتتقدم القوات المدعومة من تركيا أيضًا صوب منبج وهي مدينة تبعد نحو 30 كيلومترًا جنوبي جرابلس، كان تحالف مدعوم من الولايات المتحدة يضم وحدات حماية الشعب قد انتزعها من أيدي داعش الشهر الماضي.

وطالبت تركيا التي تتهم وحدات حماية الشعب بالقيام بعمليات "تطهير عرقي" في شمال سوريا المقاتلين الأكراد بالعودة إلى شرق نهر الفرات.

ومنبج موجودة في غرب الفرات مثل جرابلس، وتقول تركيا منذ وقت طويل، إن وجود الأكراد في غرب الفرات "خط أحمر" لن تقبل بتجاوزه.

وقال محمد وهو مقاتل عمره 16 عامًا في جرابلس انضم إلى الجيش السوري الحر، منذ شهر إنه من منبج ولا يرغب في قتال الأكراد.

وأضاف "كل شيء أصبح مدمّرًا في منبج الآن" ملقيًا باللوم على داعش.

منطقة عازلة

ضغطت تركيا مرارًا من أجل إقامة "منطقة عازلة" داخل سوريا للمساعدة في تأمين حدودها وإقامة منطقة محمية للمدنيين المشردين. لكن الفكرة لم تلق آذانًا صاغية لدى أعضاء حلف شمال الأطلسي الذين يرون أن خطوة مثل هذه تتطلب تدخلاً لفترة طويلة بينما ينصب تركيزهم على داعش.

واستقبلت تركيا قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري منذ بداية الحرب قبل نحو خمسة أعوام، وتتعرض لضغوط من أوروبا للحد من تدفق المهاجرين الذين يحاولون الوصول بشكل غير مشروع إلى أوروبا انطلاقًا من الشواطئ التركية.

وتقدم أنقرة مساعدات لعشرات الآلاف من المدنيين النازحين داخل سوريا وهي خطوة نحو إقامة منطقة آمنة فعليًا على الأرض.

وقال جيمس ستافريديس وهو القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي وعميد كلية فليتشر بجامعة توفتس "من أجل إقامة منطقة عازلة سيتعيّن على تركيا أن تحتفظ بقوة كبيرة على الجانب السوري من الحدود."

وذكر أن مثل هذه الاستراتيجية تبدو غير مرجحة على الفور، لكنه أضاف أنه لا يمكن استبعادها على المدى البعيد.

وقال "سيكون أمام تركيا مجموعة من الخيارات الصعبة، بعد أن دخلت في عمليات عسكرية جدية في سوريا."

وذكر العقيد أحمد عثمان قائد فرقة السلطان مراد، وهي واحدة من جماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا لوكالة "رويترز" الأسبوع الماضي، أن الأولوية الآن هي للتقدم نحو 70 كيلومترًا غربًا إلى بلدة مارع والتي طالما كانت جبهة قتال مع داعش.

وأضاف أن المرحلة التالية من العملية قد تستغرق أسابيع أو شهورًا، وقد تتطلب زيادة في عدد مقاتلي المعارضة الذي يتراوح الآن بين 1200 و 1500.

وقال عثمان إن المقاتلين لا يريدون خوض معارك مع القوات الكردية إلا أنهم سيفعلون ذلك إذا ما اقتضى الأمر.

وبالنسبة لتركيا التي طالما دعت إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، فإن احتواء تقدم الجماعات الكردية يطغى فيما يبدو على كل المخاوف الأخرى.

وقال ستافريديس "الخط الأحمر الأساسي بالنسبة لتركيا ليس الأسد. إنه يتعلق بالتصدي لقيام دولة كردية."

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com