عقب التقارب التركي الروسي.. مخاوف غربية من اتجاه أنقرة شرقًا
عقب التقارب التركي الروسي.. مخاوف غربية من اتجاه أنقرة شرقًاعقب التقارب التركي الروسي.. مخاوف غربية من اتجاه أنقرة شرقًا

عقب التقارب التركي الروسي.. مخاوف غربية من اتجاه أنقرة شرقًا

تثير زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة إلى العاصمة الروسية موسكو، الثلاثاء القادم بعد شهور من التصعيد والقطيعة، مخاوف حلفاء تركيا الغربيين من اتجاه البوصلة التركية شرقًا لتعزيز علاقاته مع القوى الصاعد كروسيا والصين وبعض الدول الآسيوية.

وجاء التقارب الأخير بين تركيا وروسيا عقب الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا في تموز الماضي، كورقة ضغط استخدمتها أنقرة لكسر حالة التوتر والعزلة في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

ولم يخفي بعض المسؤولين الغربيين مخاوفهم، بل صرح بعضهم بضرورة إبعاد تركيا عن روسيا والصين؛ وقال رودريك كيسويتر، عضو حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني الذي تترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مؤخرًا إن "الهدف الحقيقي من استمرار المحادثات مع تركيا، ليس ضمها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، إنما إبعادها عن روسيا والصين وعدد من الدول الآسيوية".

ودعا كيسويتر جميع الدول الأوروبية للعمل من أجل منع ابتعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي والسعي للحيلولة دون تقاربها من روسيا والصين والدول الأسيوية، في إشارة إلى احتمال انهيار اتفاق اللاجئين المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في آذار/مارس الماضي، الذي قد يؤدي إلى إقامة مخيمات ضخمة لاستيعاب اللاجئين في كل من اليونان وإيطاليا وشمال إفريقيا.

أنقرة تضغط على الغرب

وفي الوقت الذي يؤيد فيه سياسيون التوجه التركي الأخير للشرق، يؤكد محللون غربيون أن تركيا، الدولة المسلمة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصاحبة ثاني أكبر الجيوش فيه "لا تستطيع الاستغناء عن الغرب مهما تقاربت مع روسيا، وأن التوجه التركي الجديد لا يعدُ كونه محاولة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للضغط على حلفائه الغربيين، للحصول على مكاسب سياسية".

وتحاول أنقرة الضغط على واشنطن لتسليمها الداعية الإسلامي، محمد فتح الله غولن، المتهم الأول في الوقوف وراء الانقلاب الفاشل، والمقيم في الولايات المتحدة، إلا أن الكثير من العوائق السياسية والقانونية تحول دون رضوخ واشنطن لمطالب أنقرة.

كما تسعى أنقرة للضغط على الاتحاد الأوربي، عبر التقارب مع موسكو، بالإضافة إلى استثمار ورقة وقف تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز، لتفعيل محادثات انضمامها إلى الاتحاد الأوربي، ورفع تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد، عن المواطنين الأتراك، وفقًا لاتفاقيات سابقة.

أنقرة تطوي صفحة الخلاف مع موسكو

وتأتي الزيارة المرتقبة لأردوغان، إلى روسيا الاتحادية، الثلاثاء القادم، للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ضمن مساعي الزعيمَين لطي صفحة الخلاف وإنهاء التوتر وعودة العلاقات إلى سابق عهدها.

وبدأت بوادر تطبيع العلاقات التركية الروسية عقب إرسال أردوغان رسالةً إلى بوتين، يوم 27 حزيران/يونيو الماضي، أعرب فيها عن حزنه حيال إسقاط الطائرة الروسية، في تشرين الأول/نوفمبر 2015، وتعاطفه مع أسرة الطيار القتيل.

وفي اليوم التالي جرى اتصال هاتفي بين الزعيمَين، اتفقا فيه على إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، وأوعز بوتين إلى حكومته برفع القيود المفروضة على التجارة والمنتجات التركية والرحلات الجوية.

وعقب الاتصال بين الزعيمَين، كثرت التصريحات الرسمية من مسؤولي الجانبَين، المؤكدة على ضرورة عودة العلاقات إلى أفضل مما كانت عليه قبيل إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية.

وتُعدّ روسيا من أوائل الدول المنددة بانقلاب تركيا الفاشل، الذي كاد يطيح بحكومة حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية، وزعيمه السابق أردوغان شخصيًا، منتصف تموز/يوليو الجاري.

الخلافات مع واشنطن تسرع وتيرة التطبيع مع موسكو

وبعد شهور من الخلافات بين أنقرة وواشنطن، يأتي الانقلاب العسكري الفاشل، ليزيد من توتر العلاقات، على خلفية إصرار الحكومة التركية على تسليم واشنطن للمتهم الأبرز في الانقلاب، شيخ الدين المعارض، محمد فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.

ويرى محللون أن عدم أخذ واشنطن لطلب أنقرة بتسليم غولن بجدية، من شأنه أن يُحوّل اهتمام الحكومة التركية إلى موسكو.

هاجس الأكراد يدفع تركيا إلى التطبيع مع روسيا

إن تزويد موسكو لحزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، بالأسلحة، واستضافة قادة حزب الشعوب الديمقراطي التركي، المقرب من "الكردستاني" دفع بأنقرة إلى استشعار خطر دعم روسيا للأكراد في تركيا وسوريا، ما هيأ الأرضية لفتح أقنية جديدة مع موسكو من شأنها إنهاء الخلاف.

كما تتخوف الحكومة التركية من الدعم العسكري الروسي، لحزب الاتحاد الديمقراطي، شمال شرق سوريا، بالقرب من الحدود الجنوبية لتركيا، والخطر المترتب على ذلك الدعم، من نجاح أكراد سوريا في إقامة إقليم كردي، ما يعزز موقف أكراد تركيا، ويرفع سقف مطالبهم بإقامة حكم ذاتي على غرار أبناء جلدتهم في سوريا.

وكانت روسيا هددت في نيسان/إبريل الماضي، بتزويد حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون على أنه "منظمة إرهابية" بأسلحة مضادة للطائرات، ليستخدمها في حربه ضد القوات الحكومية التركية، التي اندلعت في تموز/يوليو 2015، وجددت الحرب العرقية في البلاد، بعد حوالي ثلاثة أعوام من التهدئة.

ويطمح أردوغان، من خلال إعادة العلاقات مع روسيا، إلى تحقيق انتصار على "الكردستاني" في الأراضي التركية، وفي الوقت ذاته، يأمل في أن يؤدي فك ارتباط موسكو مع أكراد سوريا، إلى الحد من المكاسب الكردية خلف الحدود، ومنع سيطرتهم على ممر جرابلس- إعزاز، ما يقف عائقًا أمام تحقيق الحلم الكردي في ربط "كانتون عفرين" بمناطق شمال شرق سوريا.

الهجمات الإرهابية تسرع الحل مع موسكو

بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة، في كبريات المدن التركية، خلال الشهور الأخيرة، والتي تبني تنظيم "داعش" غالبيتها، تحاول أنقرة جاهدة اتخاذ تدابير أمنية وعسكرية، من شأنها إيقاف مثل تلك العمليات، في الداخل التركي.

وتسعى أنقرة إلى كسب تأييد موسكو، في شن هجمات ضد "داعش" بالقرب من ممر جرابلس- إعزاز، لمعاقبة التنظيم المتشدد، والحد من هجماته على الأراضي التركية، محققة في الوقت ذاته ضغطًا على القوات الكردية، لمنعها من السيطرة على المنطقة الحساسة.

تركيا تعاني القطيعة

كما استثمرت تركيا الانقلاب الفاشل، لتؤكد للعالم أن إسقاط المقاتلة الروسية، تم من قبل عناصر في الجيش متورطين في الانقلاب، تم اعتقالهم بتهمة الانتماء لحركة "خدمة" التابعة لغولن، والتي تطلق عليها أنقرة اسم "التنظيم الموازي".

ويبدو أن الموقف الحرج الذي وجدت الحكومة التركية نفسها متورطة فيه، عقب العقوبات الروسية الصارمة، والقطيعة التي عانت منها من قبل حلفاء موسكو في المنطقة، دفعت بالحكومة التركية إلى السعي الحثيث لتصفير المشاكل مع موسكو، وطي صفحة الخلاف.

المكاسب الروسية

يبدو أن الصداقة مع أردوغان ستكون رهينة بتحقيق بوتين لمكاسب سياسية، وبشكل خاص فيما يخص الملف السوري، بما يتوافق والمصالح الروسية، بالإضافة إلى  اتخاذ أردوغان لنهجٍ جديد يبتعد فيه عن الغرب.

ولكي توافق موسكو على المطالب التركية، فمن المرجح أن تفرض على أنقرة الحد من الدعم المقدم إلى فصائل سورية معارضة لدمشق، تدين بالولاء لأنقرة.

مصالح اقتصادية

ويعزز التقارب بين الدولتَين التبادل التجاري الضخم الذي كان قائمًا بينهما؛ وبشكلٍ خاص في قطاعات السياحة والطاقة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري، قبيل الأزمة، ما بين 40 إلى 60 مليار دولار أمريكي سنويًا، وكان من المقرر أن يصل إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020، إلى جانب اتفاقيات تنفيذ روسيا لمحطات نووية في تركيا.

وعلى الرغم من تشدد الموقف الرسمي الروسي، فإن موسكو رجحت عقب اعتذار أردوغان، كفة التهدئة، بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية، في محاولة لاستثمار الخلاف التركي مع الغرب، وردع تركيا عن تقاربها مع أوكرانيا، العدو اللدود لروسيا، والحد من تبنيها لمعارضة تتار القرم.

إن ترجيح بوتين للخيار البراغماتي العقلاني بعودة العلاقات مع تركيا، يفيد بضرورة تصفير المشاكل بين دولتَين محوريتَين في المنطقة، ما يخدم مصالح الطرفَين، ويعزز موقفهما السياسي والاقتصادي، ما دفع موسكو إلى اقتصار الرد على إسقاط مقاتلتها على جملة من العقوبات الاقتصادية، دون ردٍّ عسكري صارم، كان من شأنه أن يدفع المنطقة لحرب شاملة.

العلاقات التركية الصينية

وعلى غرار تقاربها مع موسكو، تحاول أنقرة تعزيز علاقاتها مع بكين، في ظل المساعي لرفع التبادل التجاري مع الصين، ليتجاوز 100 مليار دولار أمريكي حتى العام 2020، للوصول إلى شراكة اقتصادية عبر تفعيل ملف التعاون المشترك في مجالات الطاقة، والصناعات الدفاعية والإستراتيجية.

ويجمع البلدين علاقات اقتصادية، أخذت منحًى جديداً، بعد أن اشترى البنك الصناعي التجاري الصيني (ICBC) -أكبر بنك في العالم- 75.5% من حصص بنك "تكستيل" التركي، بقيمة 669 مليون ليرة تركية (نحو 330 مليون دولار) عام 2014.

التقارب مع إيران

على الرغم من الخلاف بين البلدين حول الملف السوري، إلا أن العلاقات بينهما تشهد استقراراً امتد لأكثر من 15 عامًا، نتيجة اتفاقهما حول قضايا ذات اهتمام مشترك؛ يأتي على رأسها رفض الاستقلال التام لإقليم كردستان العراق -الذي يتمتع بالفيدرالية- عن بغداد، بالإضافة إلى التبادلات التجارية والمصالح الاقتصادية المشتركة.

ولطالما قربت المصالح الاقتصادية الدولتَين، على الرغم من الخلافات التاريخية، التي تعود بجذورها إلى القرون الوسطى ومحاولات الإمبراطوريتَين العثمانية والصفوية، السيطرة على العالم الإسلامي، ليجمع الاقتصاد ما فرقته السياسة.

وتنتشر في الآونة الأخيرة شائعات مصدرها طهران، حول اجتماع أمني مرتقب، يضم إيران وتركيا وسوريا، في العاصمة الإيرانية، في ظل التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية.

ومن شأن الاجتماع في حال انعقاده "مناقشة قضايا مكافحة الإرهاب وموضوع إغلاق الحدود التركية مع سوريا لمنع تدفق الجماعات المسلحة إلى سوريا" وفقًا لوسائل إعلام إيرانية.

وقال صحافي سوري رفض الكشف عن اسمه، لـ "إرم نيوز" إن تركيا ما بعد الانقلاب الفاشل، باتت في موقف حرج، في ظل تضعضع قواها السياسية، وهي محكومة بالانكفاء على الداخل المضطرب، وإزالة آثار الانقلاب الفاشل، ومحكومة بظروف موضوعية بالاستدارة نحو الشرق، والتماهي مع سياسة الحليف الروسي الجديد، وبشكل خاص فيما يتعلق بملف الأزمة السورية، ما يشكل انعطافة مفصلية بالابتعاد عن النهج الغربي".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com