ما خيارات فرنسا لمواجهة التطرف والعنف؟
ما خيارات فرنسا لمواجهة التطرف والعنف؟ما خيارات فرنسا لمواجهة التطرف والعنف؟

ما خيارات فرنسا لمواجهة التطرف والعنف؟

 تحاول السلطات الفرنسية التوصل إلى صيغة موحدة لمواجهة التهديدات الإرهابية التي تواجهها البلاد بعد أن تعرضت لسلسة هجمات نفذها متطرفون من تنظيم داعش.

وفشلت السطات الفرنسية في التوصل إلى نموذج أمني قومي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لمواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة، حيث درست الحكومة الفرنسية النماذج الأمنية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة والجزائر. ومن المعروف أن الأخيرة قد شهدت 10 سنوات من القمع الدامي للثورة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي مما تسبب بآلاف القتلى والمفقودين.

وإذا ما ألقيت نظرة على فرنسا الآن فسترى الجنود الفرنسيين يجولون على الشواطىء خلال عطلة شهر أغسطس، كما ستسمع إشاعات مفادها أن السلطات قد نفذت آلاف الإعتقالات الوحشية ضد مشتبه بهم في عمليات إرهابية، وبالاضافة الى ذلك، اقترح رئيس الوزراء مؤخراً وقف التمويل الخارجي لإنشاء مساجد في فرنسا.

الجزائر وإسرائيل كنموذج

ورفضت الحكومة حتى الآن إتخاذ أي إجراءات قمعية او متطرفة في ضوء التراكم الهائل للإعتداءات الإرهابية هذا الصيف. ولكن الحقيقة أن فرنسا تعاني حقاً لإيجاد حلول للمشكلة الأمنية التي تدفع الدولة الأوروبية الكبرى إلى وضع مشابه لوضع إسرائيل او للتعامل مع الموقف بشكل مشابه لتعاملها مع التطرف الإسلامي في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي.

ومع إقتراب إحتدام السباق الرئاسي هذا الخريف، يبدو أن الجدال حول أسلوب تعامل فرنسا مع هذا الموضوع سوف يجبر الدولة على إكتشاف ما إذا كانت تستطيع تجنب عمل تغييرات راديكالية في نظامها الأمني والقضائي ومواجهة الحقيقة المرعبة التي تتنبأ بمزيد من الهجمات.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن نظام "القضاء والقدر" الذي وسم ردود الدولة على الأحداث حتى الآن ينبع جزئياً من موقف فرنسا المميز بين أهداف المتطرفين الإسلاميين، حيث أن مواطنيها هم الذين ينفذون الهجمات ضد دولتهم عادة.

خيارات الحكومة بالتعامل مع الإرهاب

تتمتع فرنسا بأكبر نسبة أقلية مسلمة في أوروبا والتي تقدر بـ 7.5% من مجموع السكان، ومن المؤسف أن جزءاً بسيطاً من هذه الأقلية قد نجح في قلقلة أمن البلاد. لقد حصرت هذه الوقائع خيارات الحكومة في التعامل مع المشكلة ودفعتها للتحول الى دولة أمنية تشبه إسرائيل وهو أمر لا يرغب به أي شخص في البلاد بغض النظر عن توجهه السياسي.

لقد بدأت الحكومة بالفعل بتبني إجراءات رقابة وإحتجاز منزلي صارمة بموجب قوانين حالة الطوارىء. ولكن الحقيقة أن هذه الإجراءات محدودة التأثير وقد وجدت الحكومة نفسها غير قادرة على التعمق في هذا النهج نظرا لتعالي أصوات المدافعين عن الحريات المدنية.

يمكن لهجوم كبير آخر أن يغير هذا التوجه، ولكن الهجمات الفظيعة في عام 2015 والهجمات المتنوعة هذا الصيف – أكبرها حادثة نيس التي أودت بحياة 85 شخصاً – قد أدت الى توليد الخوف لا الذعر.

إن المخاوف المترتبة على الهجمات الإرهابية قد أدت الى إلغاء فعاليات ضخمة مثل ليل برانديير الذي يعتبر أكبر سوق برغوث في أوروبا والذي ينعقد عادة في مدينة ليل الشمالية في شهر أيلول من كل عام.

ولكن وبعد حادثة مقتل القس جاك هاميل في 26 من يوليو، بدأت العديد من الأصوات بالتصاعد مطالبة بإتخاذ إجراءات أكثر صرامة خصوصا من قبل السياسيين المعتدلين – اليمينيين. ومن المثير للعجب أن حادثة قيام قاض غير معروف بإطلاق سراح الشاب عادل كرمش – الذي قام بعدها بقتل القس – لم يترتب عليها خطط لتغيير أسلوب التعامل مع قضايا الإرهاب.

لقد أشفق القاضي على الشاب في مارسم/آذار الماضي، حين أخبره الأخير أنه قد يأس من محاولات العودة الى سوريا وأنه ينوي الآن الإستقرار فقط. عندها قام 3 قضاة إستئناف بالمصادقة على قرار إطلاق سراح كرمش رغم احتجاجات أعضاء النيابة العامة.

ولكن يبدو أن الشاب قد كان يمارس ما يعرف بالتقية او التخفي كما تم تلقينه من قبل داعش بهدف خداع العدو. ولذلك، نصح رئيس الوزراء الفرنسي مانيويل فالز القضاة بالحذر في المرات المقبلة، لكنه حذر أيضا من خطر إنتقاد إستقلالية النظام القضائي في البلاد.

ويبدو أن السلطات لم تصل الى صيغة موحدة للتعامل مع الأمر او لتحديد مدى تدخل الشرطة في الحياة الفرنسية اليومية، حتى بعد موجة طويلة من مداهمات الشرطة والإعتقالات والنقاشات البرلمانية اللامنتهية حول أسلوب مواجهة هذا التهديد.

رئيس الوزراء يرفض الضغوطات

وقال رئيس الوزراء الفرنسي في مقابلة له مع جريدة "لي مونديه" الفرنسية الأسبوع الماضي رافضاً فرض المزيد من الضغوطات "إن هذا الأمر يشكل تهديداً على الجمهورية بأكملها. إن درعنا هو الديموقراطية".

واقتبس وزير العدل جان جاك أوروفواس التاريخ الفرنسي، كما يفعل السياسيين الفرنسيين عادة، بهدف دفع أصوات اليمين المطالبة بحملة اعتقالات تحفظية جماعية من خلال "التحفظ الإداري على الأفراد الخطرين" كما قال الرئيس السابق نيكولاس ساركوزي بعد مقتل القس هاميل.

إن هذا "التحفظ" قد يطال أكثر من 10آلاف فرنسي تضمهم الدولة ضمن فئة التهديدات الإسلامية المحتملة – المعروفة بـ  "S Files" والتي تعتبر هاجساً من هواجس الإعلام الفرنسي.

 ولكن الحكومة الإشتراكية ترفض الفكرة كلياً حتى الآن، لأن هذا الأمر سوف "يؤدي الى القضاء على المادة 9 من إعلان حقوق الإنسان والمواطنة لعام 1789" كما كتب أوروفواس في إفتتاحية للصحيفة نفسها. ومن الجدير بالذكر أن هذه المادة هي التي تضمن حق البراءة حتى تثبت الإدانة.

السيطرة على المساجد

وعلى صعيد آخر، إنتقل إهتمام الحوار العام في الأيام القليلة الماضية نحو فرض سيطرة حكومية أكبر على مساجد الدولة وهو ما يشير الى محاولات الحكومة المستميتة للوصول الى حل ما للمشكلة. وقد قال فالز أن الدعم المالي الخارجي للمساجد يجب أن ينتهي وأن يتم تدريب الأئمة في فرنسا. ولكن فعالية هذه الإجراءات تبدو غير مجدية، وذلك لأن الإرهابيين الذين قاموا بالهجمات الأخيرة لم تجمعهم صلة وثيقة مع الدين الرسمي.

إن الأمر المخيف حيال الخطر الذي تواجهه فرنسا هو أن الأشخاص الذين "يقومون بتنفيذ الهجمات" وفقاً للمعادلة الفرنسية يقعون ضمن فئات متنوعة وغير متوقعة. بعض هؤلاء يقعون تحت عين سلطات مكافحة الإرهاب مثل السيد كرمش، اما آخرون فهم مجهولون تماماً، مثل سائق الشاحنة الذي نفذ هجوم نيس، وهنالك آخرون تم وضعهم ضمن "S Files" ولكنهم لم يعتبروا خطرين مثل العديد من المشاركين في هجمات 11 من نوفمبر في باريس.

في النهاية، قامت الحكومة بتحديد أكثر من ألفي شخص ووصفهم بأنهم "منخرطون بظاهرة التطرف الديني العنيف او خط التوظيف الجهادي" كما صرح إعلان رسمي تم بثه الشهر الماضي. ولكن الهجمات قد أثبتت أنه من المستحيل تغطية جميع الأشخاص الخطرين.

التعايش مع الأقلية المسلمة

وتساءلت فرانسواز كوتا محامية الدفاع المخضرمة وإحدى المحامين القلة الذين يوافقون على تمثيل المتهمين بالإرهاب في مقابلة هذا الأسبوع "ماذا علينا أن نفعل؟ هل تريدون أن نضع شرطيا خلف كل شخص يربي لحيته؟ وماذا سنفعل إذا قام هذا الشخص بحلق لحيته؟ إن الأمر سخيف للغاية"، وأضافت "هل سنقوم بوضع 10% من سكان الدولة تحت المراقبة؟".

قامت كوتا مؤخراً بالدفاع عن كريم محمد آغاد وهو شقيق الرجل المسلح الذي قتل 90 شخصاً في أحداث صالة إحتفالات باتاكلان في باريس في نوفمبر. وقد تلقى موكلها حكما بالسجن 9 سنين الشهر الماضي بتهمة العضوية في خلية سافرت الى سوريا للإنضمام لتنظيم داعش .

وتقول كوتا مشيرة إلى مشكلة فرنسا وفشلها في التعايش مع الأقلية المسلمة "ليس هنالك حل سحري للأمر. علينا أولاً ان نفهم لماذا نحن في هذا الوضع حتى نتمكن من الوصول الى الحل المناسب. إن عملية تضمين ودمج المجتمع المسلم يجب أن تتم فورا"

وتضيف كوتا "ليس هنالك وضع تنعدم فيه المخاطرة. أخشى أن الإعتداءات والهجمات سوف تستمر"

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com