تراجع أردوغان عن مقاضاة معارضيه.. صفقة سياسية أم رضوخ للغرب؟‎
تراجع أردوغان عن مقاضاة معارضيه.. صفقة سياسية أم رضوخ للغرب؟‎تراجع أردوغان عن مقاضاة معارضيه.. صفقة سياسية أم رضوخ للغرب؟‎

تراجع أردوغان عن مقاضاة معارضيه.. صفقة سياسية أم رضوخ للغرب؟‎

يعمل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على منح معارضيه مغريات سياسية، بعد تقديم الأحزاب الرئيسية المعارضة الدعم للحكومة التركية عبر وقوفها ضد الانقلاب الفاشل، الذي كاد يطيح بأردوغان، منتصف تموز/يوليو الماضي.

وبعد أعوام من العداء السياسي، ذكرت صحيفة محلية، اليوم الأربعاء، إن أردوغان ورئيس الوزراء، بن علي يلدرم، أقدما على سحب الدعاوى القضائية بحق شخصيات سياسية معارضة، والبالغ عددها 1500 دعوى؛ وعلى رأسها دعاوى الإهانة لشخص رئيس الجمهورية.

واستثنى أردوغان الدعاوى القضائية المتعلقة بشخصيات مقربة من حركة "خدمة" التابعة لشيخ الدين المعارض، محمد فتح الله غولن، المتهم الأول في الوقوف وراء الانقلاب الفاشل، بالإضافة إلى استثناء الدعاوى المقامة بحق حزب الشعوب الديمقراطي، المقرب من حزب العمال الكردستاني (بي كي كي).

ويُعدُّ موقف أردوغان الجديد، تحوّلًا غير مسبوق للأحداث والمواقف الرسمية في تركيا، إذ أن التقارب بين حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية الحاكم، الذي كان أردوغان يتزعمه قبل وصوله إلى القصر الرئاسي، وما زال يملك نفوذًا واسعًا فيه، وحزبَي الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة، والحركة القومية اليميني، جاء في ظلّ استمرار أردوغان في نهجه السلطوي لتعزيز صلاحياته، وشنه حملة تطهير طالت عشرات الآلاف في القضاء والجيش والشرطة وقطاع الإعلام، من المشتبهين بالتعاون مع حركة "خدمة".

ويرى محللون أن هاجس الحفاظ على المكاسب الديمقراطية، لم يكن السبب الوحيد لتقديم الدعم لأردوغان، في ظلّ حساباتٍ، تختلف بين تيارٍ سياسي وآخر.

أكبر الأحزاب المعارضة يدعم أردوغان

وساهمت الاضطرابات الأمنية وسلسلة التفجيرات الإرهابية التي روعت المدن التركية، منذ أكثر من عام، في تقارب أعداء الأمس، وخلق توجّه جديد لحزب الشعب الجمهوري، إذ بلورت رؤية مشتركة حيال الاضطرابات الأخيرة.

وفي أكثر من مناسبة أدان مسؤولو حزب الشعب الجمهوري، التفجيرات الإرهابية، مقدمين الدعم للحكومة، ضدّ التنظيمات المتشدّدة، بالإضافة إلى دعمهم الحرب ضدّ الأكراد، في "انحيازٍ للاستقرار والأمان، على حساب الخلافات السياسية".

وبعد ساعات قليلة من الانقلاب الفاشل؛ أعرب زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، عن ضرورة إبداء رد فعل موحد ضد أي محاولة انقلاب، في ظل إرث من الاضطرابات والخراب الذي كانت تعيشه تركيا، عقب انقلابات عسكرية سابقة.

وربط كلجدار أوغلو في تصريحاته، بين وقوف حزبه ضد الانقلاب، واتخاذه موقفًا مشتركًا مع الحكومة ضد الإرهاب.

حزب الحركة القومية وهاجس الأكراد

إن التأييد غير المسبوق من قِبل حزب الحركة القومية اليميني المعارض، يثير الكثير من إشارات الاستفهام، بعد أن عارض سياسات حزب العدالة والتنمية، منذ تأسيس الأخير عام 2001.

وبدأ الخطاب الرسمي للحزب اليميني بالتغير تجاه الحزب الحاكم، وزعيمه السابق أردوغان، منذ اندلاع الحرب العرقية، وانهيار الهدنة مع حزب العمال الكردستاني، على خلفية تفجير "سروج" الدامي، جنوب البلاد، في تموز/يوليو 2015، الذي راح ضحيته 32 ناشطاً كرديًا يساريًا، وحمل بصمات تنظيم داعش، إذ اتّهم الأكراد الحكومة بالتغاضي عن نشاطات التنظيم المتشدد، والتقصير في حماية المدنيين.

ويعد حزب الحركة القومية من أبرز المعادين للقضية الكردية والرافضين للاعتراف بوجودها أصلاً، وهم من اعتبروا، في أكثر من مناسبة، أنّ المفاوضات التي أطلقها أردوغان عام 2012، مع الزعيم الكردي المعتقل، عبد الله أوجلان، وأسفرت عن هدنة هشّة، استمرت حوالي ثلاثة أعوام، "إساءةً لسيادة الدولة".

كما دعم حزب الحركة القومية، قرار الحزب الحاكم، في رفع الحصانة عن مئات النواب في المجلس الوطني الكبير (البرلمان) في حزيران/يونيو الماضي، تمهيدًا لملاحقتهم قضائيًا بتهم التعاون وتقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني.

وكان القرار -حينها- موجهًا بالدرجة الأولى، ضدّ النواب عن حزب الشعوب الديمقراطي، الذي تعتبره أنقرة مجرّد جناح سياسي لحزب العمال الكردستاني المحظور، المصنف رسميًا على أنه "منظمة إرهابية" من قبل تركيا وحلفائها الغربيين.

وبعد التوافقات في الرؤى خلال الشهور الأخيرة مع حزب العدالة والتنمية، يبدو أن قادة "الحركة القومية" تخوفوا من أن يؤدي الانقلاب الأخير إلى تغلغل أطراف إسلامية خارجة عن السيطرة، في المؤسسة العسكرية، في ظل اتهام جماعة "خدمة" الإسلامية، التي تطلق عليها الحكومة اسم "الكيان الموازي" بالتخطيط والوقوف وراء الانقلاب الفاشل، ما دفعهم إلى دعم أردوغان والحزب الحاكم، بحجة الحفاظ على ديمقراطية الدولة.

محاولة لإسكات الغرب

وعلى الرغم من محاولات أردوغان الرامية إلى تهدئة الساحة السياسية الداخلية، وإسكات معارضيه، ليتفرغ لطموحاته في السيطرة على مؤسسات الدولة؛ ما ظهر خلال حملة التطهير، بالإضافة إلى توجيه ضربات موجعة للأكراد، شرق البلاد، والتفرغ لإدارة أزمات تركيا الإقليمية؛ إلا أن محللين غربيين يرون في سحب الدعاوى عن المعارضين السياسيين، خطوة غير متوقعة تهدف إلى إسكات المنتقدين في الغرب.

وكثرت في الآونة الأخيرة المحاكمات بحق متهمين بإهانة أردوغان؛ بعضهم إعلاميين أو فنانين بارزين، وسط مطالبات زعماء أوروبيين، وجمعيات حقوقية غربية، برفع القيود عن حرية التعبير في تركيا.

وتصل عقوبة إهانة رئيس الجمهورية، إلى السجن عدة أعوام، وبدأ العمل بها منذ وصول أردوغان إلى القصر الرئاسي في آب/أغسطس 2014، ولم يكن انتقاد أردوغان في السابق، يصل إلى درجة المحاكمة والسجن.

ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان أردوغان سيسحب دعواه ضد الإعلامي الألماني الساخر، يان بومرمان، الذي ألقى قصيدة على التلفزيون في وقت سابق هذا العام، تتضمن تلميحات جنسية مهينة ضد أردوغان، ما دفع الرئيس التركي لتقديم شكوى للادعاء الألماني.

هل عقد أردوغان صفقة مع قِوى المعارضة؟

اللافت أنّ حملة التطهير على الرغم من ضخامتها، فإنّها لم تطل رجال السياسة المعارضين، واقتصرت على عشرات الآلاف من عناصر وضباط الجيش والدرك والأمن، والقضاة، والموظفين، والإعلاميين.

واستثمر أردوغان الانقلاب الفاشل، لتعزيز سُلطاته، فبات ترؤسه لاجتماعات مجلس الوزراء أمرًا بديهيًا، لا يلقَ اعتراضًا، في ظل التقارب الأخير مع الأحزاب المعارضة، والشائعات حول صفقات سياسية مع زعماء تلك الأحزاب واللقاءات المكثفة معهم عقب الانقلاب.

وعلى الرغم من الغموض الذي يشوب مستقبل تركيا، فإن من المؤكد أن البلاد لن تعود كما كانت عليه قبل الانقلاب، إذ أعرب رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، نهاية تموز/يوليو الماضي، عن استعداد حكومته للعمل مع الأحزاب الرئيسية من المعارضة لصياغة دستور جديد، بعد أشهر من الجمود حيال هذه المسألة.

ولم يعد الحديث عن تغيير الدستور الحالي، المعمول به على خلفية انقلاب عسكري شهدته تركيا عام 1980، من الأمور المستهجنة، والمثيرة للجدل.

وكانت مخاوف قِوى المعارضة، قبيل الانقلاب الفاشل، تنصب حول تنامي نفوذ أردوغان، واتساع نطاق سُلطاته، ومحاولاته التفرد في الحكم، والحد من الحريات العامة، ومساسه بمبدأ فصل السُّلطات.

ويرى محللون إن تقديم المعارضين تنازلات لأردوغان، من شأنها منح الزعيم المحافظ فرصةً تاريخيةً، تعطيه صلاحيّات لم تُعطَ لسابقيه، منذ أيام حكم أتاتورك، ما سيخلق آثارًا جانبية، في ظل طموحات أردوغان المتنامية، الرامية إلى تغيير الدستور، وتحويل البلاد إلى نظام رئاسي، يمنحه المزيد من السُّلطات ويجعله أول رئيس تنفيذي لتركيا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com