بحر الصين الجنوبي.. حلبة صراعات إقليمية وحاضنة ثروات طبيعية
بحر الصين الجنوبي.. حلبة صراعات إقليمية وحاضنة ثروات طبيعيةبحر الصين الجنوبي.. حلبة صراعات إقليمية وحاضنة ثروات طبيعية

بحر الصين الجنوبي.. حلبة صراعات إقليمية وحاضنة ثروات طبيعية

أدى الحكم الذي أصدرته اليوم الثلاثاء، المحكمة الدائمة للتحكيم، التابعة للأمم المتحدة في لاهاي، برفض ادعاءات الصين بخصوص حقوقها في بحر الصين الجنوبي، إلى لفت الأنظار إلى ذلك البحر وكذلك إلى بحر الصين الشرقي، الذين تحولا إلى منطقة نزاع بين دول المنطقة.

وتعتبر هذه المنطقة ساحة تجاذبات وصراعات بين عدة دول إقليمة، تحاول فرض سيطرتها على المنطقة الغنية بالنفط والغاز والثروات البحرية الضخمة، فضلاً عن كونها طريق هامًا في الملاحة البحرية.

وأفادت المحكمة، أن الصين انتهكت الحقوق السيادية للفلبين، و ألحقت الجزر الصناعية التي أنشأتها أضرارا كبيرة بالشعب المرجانية في المنطقة.

ووصفت الصين التي تدعي امتلاكها حقوقا على كامل بحر الصين الجنوبي، الحكم الذي أصدرته المحكمة بأنه "غير قائم على أساس".

وكانت المحكمة قيّمت عام 2013 الدعوى التي تقدمت بها الفلبين، وقررت عام 2015 قبول النظر فيها.

ورفضت المحكمة، في حيثيات قرارها  المكون من 151 صفحة، إدعاء الصين بأن النظر في الدعوى التي رفعتها الفلبين، لا يدخل ضمن نطاق اختصاص المحكمة.

منطقة نزاع دولية جديدة

وتحولت منطقة بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، إلى منطقة نزاع دولية، نتيجة ادعاء دول المنطقة امتلاكها حقوقا في البحرين، الغنيين بالنفط، والغاز الطبيعي، والثروات السمكية، بالإضافة إلى وقوعهما على أحد طرق الملاحة الدولية الهامة.

ويشهد بحر الصين الشرقي توترا من حين لآخر بين اليابان والصين اللذين يتنازعان السيادة على أرخبيل من الجزر يقع به، فيما يتسبب إنشاء الصين جزرا صناعية في بحر الصين الجنوبي، وأنشطتها العسكرية به، في ردود فعل غاضبة من الفلبين، وفيتنام، وماليزيا، وأندونيسيا، وبروناي، الذين يدعون أيضا امتلاك حقوق في المنطقة.

كما تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، الواقعة في الطرف الآخر من المحيط الهادي، في الشد والجذب بالمنطقة، من خلال الدعم الذي تمنحه لحلفائها، حيث زادت الولايات المتحدة من تواجدها العسكري في المنطقة منذ عام 2015، لكي تحول دون إعاقة حركة التجارة البحرية الدولية، وحتى لا تترك حلفاءها في المنطقة مثل اليابان والفلبين، تحت رحمة القوة العسكرية الصينية، كما تبعث برسالة مفادها أنها لن تسمح للصين بالتمادي في موقفها التوسعي.

بداية النزاع

وتعود الخلافات حول بحر الصين الجنوبي، الذي يعد بوابة الصين إلى مضيق ملقا، والمحيط الهندي، ومنطقة الخليج، وسواحل شرق إفريقيا، إلى ما قبل فترة الحرب الباردة، ومن ثم بقيت تلك الخلافات في حالة من الغموض، على أمل حلها في وقت لاحق.

واكتسب بحر الصين الجنوبي أهمية أكبر خلال الـ 20 عاما الماضية، مع تسارع عملية التنمية الاقتصادية في الصين، كما بدأت دول جنوب شرق آسيا (أسيان)، في إيلاء أهمية أكبر للبحر، مع التنمية الاقتصادية السريعة التي شهدتها، بعد انتهاء الحرب الباردة.

وأخذت بروناي، وإندونيسيا، والفلبين، وفيتنام، وماليزيا، الأعضاء في أسيان، في التركيز على المنحدرات القارية التي تؤثر على سيادتها واقتصادها، ضمن إعادة الهيكلة التي قامت بها لعلاقاتها الإقليمية والدولية.

وتعد ثروات بحر الصين الجنوبي من النفط والغاز الطبيعي والأحياء البحرية، من أهم أسباب تأجيج النزاع على السيادة على البحر.

وأدى كون البحرين ضمن أهم ممرات التجارة البحرية، بين المحيطين الهادي والهندي، إلى تدخل الدول الغربية أيضا، كالولايات المتحدة وأستراليا، في النزاع.

وتتخذ الولايات المتحدة تدابيرا في مواجهة الصين، عبر زيادة قواتها البحرية والجوية في المنطقة، وتسعى إلى تجديد اتفاقياتها السياسية والعسكرية مع اليابان ودول الأسيان.

وشهدت المنطقة خلال الفترة الماضية، عدة تطورات أدت إلى تصاعد التوتر، منها شراء أستراليا من فرنسا 12 غواصة، في إطار اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي(TPPA) بقيادة الولايات المتحدة، وإجراء دول أسيان في مايو/ آيار الماضي مناورات عسكرية، تعد الأكبر نطاقا حتى الآن، وبدء الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي في إجراء طلعات مراقبة حول الجزر المتنازع عليها.

واكتسبت المسألة بعدا جديدا، مع اعتبار الولايات المتحدة، التي تنظر للمسألة من منظور حرية التجارة الدولية، منطقة "آسيا الباسيفيك" محورا جديدا في سياستها الخارجية.

ويتكون جزء كبير من التجارة المارة عبر بحر الصين الجنوبي، من شحنات الطاقة، حيث يمر 80% من النفط الذي تستورده الصين، و65% من النفط الذي تستورده كوريا الجنوبية، و60% من النفط الذي تستورده اليابان وتايوان عبر هذا المسار.

الموارد الاقتصادية

وتسعى دول المنطقة، إلى إلحاق ثروات بحر الصين الجنوبي بحدودها، عبر إعلان المنحدرات القارية "مناطق اقتصادية خاصة".

ويمر ثلثا التجارة البحرية العالمية عبر بحر الصين الجنوبي، ويبلغ حجم التجارة التي تمر عبره سنويا، حوالي 5.3 تريليون دولار.

ويعتقد أن بحر الصين الجنوبي، لديه احتياطي نفطي يبلغ ما بين 7 إلى 11 مليار برميل نفط، و5.3 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتقول الصين إن المنطقة تحتوي على احتياطي نفطي يبلغ ما بين 170 و200 مليار برميل، واحتياطي من الغاز الطبيعي يبلغ 16 تريليون متر مكعب. وتقع 70% من احتياطيات النفط والغاز في المنطقة، في البحر.

خطوات بكين

وأقامت الصين عبر المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في المنطقة، من أجل الوصول إلى الاحتياطات النفطية، وتأتي على رأس تلك الاستثمارات منصة النفط العملاقة التي تحمل اسم "HD-981" ، والتي بلغت تكاليف إنشائها 925 مليون دولار، ولديها المقدرة على التنقيب حتى عمق 10-12 ألف متر، ودخلت الخدمة في شنغهاي عام 2011.

ويرى مراقبون، أن تنقيب الصين عن النفط بالقرب من جزر باراسيل العائدة لفيتنام، تحت عمق 242 كيلومترًا، عام 2014، كانت أولى خطوات بكين الملموسة لفرض ادعاءاتها بخصوص حقوقها في المنطقة.

وأعلنت الصين، فبراير الماضي رفع حجم ميزانيتها العسكرية، بمعدل 7.6%، وبلغت 146.7 مليار دولار، وبرغم أن هذه النسبة هي الأدنى خلال السنوات الست الأخيرة، غير أن هذا لا يعني تراجع بكين عن محاولة سيطرتها العسكرية على المنطقة.

وعرضت بكين للأمم المتحدة، في 7 مايو 2009،  خريطة المنطقة، وادعت فيها أحقيتها في 90% منها، وهذا ما تعارضه كل من الفلبين، وفييتنام، وماليزيا، وبروناي، وإندونيسيا.

من جانبه، رفض الرئيس الفلبيني، بينينو أكينو، الخريطة التي عرضتها الصين، واعتبرها مخالفة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وفتحت الفلبين دعوى قضائية ضد الصين، لدى المحكمة الدائمة للتحكيم.

وفي العام الماضي، قررت المحكمة المناظرة في قضية الفلبين، فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، بغية إنهاء النزاع عليه، الأمر الذي استنكرته الصين، وقال الناطق باسم خارجيتها، لو كانغ، إن الصين لن تقبل مرحلة التحكيم الذي تقدمت بطلبها الفلبين من طرف واحد.

وجاء الرد الفلبيني على تصريحات الصين، على لسان وزير خاريجيتها، ألبرت ديل روساريو، الذي اعتبر أن الصين تتجاهل حقوق شعوب منطقة جنوب شرقي آسيا.

اتحاد دول جنوب شرق آسيا

ولم تستطع دول الفلبين، وبروناي، وفييتنام، وماليزيا، وتايوان، حتى هذه المرحلة من تبني موقف واحد تجاه الصين، فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي.

وفي رد من أعضاء "أسيان" على تسلح الصين في المنطقة، لجأت أعضائها إلى التسلح بالتوازي مع الصين، دون تبني موقف سياسي مشترك، وارتفاع معدل التسلح بنسبة 5.4% في المنطقة عام 2015، أحد تلك المؤشرات، لا سيما الفلبين، وإندونيسا، وفييتنام، وارتفاع نفقاتها العسكرية.

تكتيك قسّم وابتلع الصيني

وتحاول الصين عقد لقاءات منفردة مع أعضاء أسيان، لإيجاد حل لأزمة بحر الصين الجنوبي، وتتهرب من مواجهة الاتحاد.

ففي 2013 أعاقت الصين، خروح بيان من قمة أسيان التي انعقدت في كمبوديا، وعقدت اجتماعات منفردة مع كل كمبوديا ولاوس وبروناي، واتفقت معهم على إيجاد حل أزمة الجزر المتنازع عليها، مع كل دولة على حدة، كما أن بكين اتفقت مع ماليزيا في مايو الماضي، على حل المسائل العالقة في هذا الإطار، من خلال مفاوضات متبادلة.

النزاعات في بحر الصين الشرقي

وتستمر النزعات حول 5 جزر في بحر الصين الشرقي، بين الصين واليابان وتايوان، حيث تسمى في اليابان  باسم "سنكاكو"، وفي الصين "دياويو"، وفي تايوان "دياويوتاي".

وتدعي اليابان أحقيتها بالجزر المتنازع عليها، وتتهم الصين بانتهاك حدودها التي ترسل سفن استطلاعية إلى المنطقة بين الفينة والأخرى.

وتأتي هذه التوترات في ظل إعلان كل من البلدين، مساحة 209 آلاف و790 كيلو مترًا، تغطي منطقة البحر، أراض تابعة لهما، وما تبرح سفن البلدين في مواجهة بعضهما في المنطقة التي تمتلك من النفط حوالي 200 مليون برميل، الأمر الذي يزيد من أهمية المنطقة لكلا البلدين.

وانتهكت الصين، المجال الجوي الياباني في بحر الصين الشرقي، 570 مرة، العام الماضي، وهو الثاني من حيث عدد الانتهاكات منذ 1980، وبنسبة ارتفاع في الانتهاكات وصلت 16%، قياسًا بعام 2014.

وزج الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بالولايات المتحدة داخل الأزمة، عقب إعلان اتفاقه الأمني مع اليابان في 2014، الأمر الذي تقابله الصين بدعوة واشنطن للابتعاد عن المنطقة.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com