"مبدأ كارتر" .. القاتل الخفي الذي دمّر الشرق الأوسط
"مبدأ كارتر" .. القاتل الخفي الذي دمّر الشرق الأوسط"مبدأ كارتر" .. القاتل الخفي الذي دمّر الشرق الأوسط

"مبدأ كارتر" .. القاتل الخفي الذي دمّر الشرق الأوسط

على مدى أعوام طويلة ستبقى أجيال المنطقة تتذكر الدمار الذي خلفته الولايات المتحدة في حروبها وتدخلاتها المتكررة في منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من 36 عامًا.

 وتشير وسائل إعلام أمريكية ومثقفون أمريكيون إلى الأثر الكارثي للتدخلات الخاطئة من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في المنطقة والتي خلفت تشوهات عميقة تحتاج لفترة طويلة حتى تشفى.

من فيتنام إلى الشرق الأوسط .. حروب وتشوهات

ذكرت صحيفة " ديلي بيست" الأمريكية، أنه ابتداء من "مبدأ كارتر" عام 1980 تدخلت الولايات المتحدة بقوة في شئون العالم الإسلامي، ولكن هذا التدخل كان مصحوباً بسجل حافل من سوء الفهم والغطرسة والفشل.

وأضافت الصحيفة في إطار عرضها لكتاب "حرب أمريكا من أجل الشرق الأوسط الكبير" لمؤلفه "أندرو باسيفيتش"،أن الكاتب يطرح مقولة صادمة مفادها أنه على مدى السنوات الـ 36 الماضية تدخلت الولايات المتحدة بشكل سلبي وغير حكيم في تشكيل مصير العالم الإسلامي، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في جنوب غرب آسيا وشمال وشرق أفريقيا ومنطقة البلقان.

وقالت إنه مثل فيتنام، كانت هذه الحرب غير معلنة، حيث بدأت صغيرة ثم تصاعدت تدريجياً حتى صارت صراعاً كبيراً، ومثل فيتنام، نتجت عن سوء فهم صناع القرار وكبار ضباط الجيش والشعب الأمريكي. ومثل فيتنام أيضاً، تعتبر هذه الحرب مشروعاً فاشلاً وله تداعيات مأساوية.

وأشارت إلى أنه منذ أوائل فترة الثمانينات تحول مركز اهتمام الجيش الأمريكي تدريجياً من سهول أوروبا، حيث تم نشره هناك، لدرء الهجوم السوفيتي ضد أوروبا الغربية، إلى منطقة الشرق الأوسط.

هجمات أيلول وإعادة تشكيل المنطقة أمريكيا

وبعد هجمات 11 - 9، توسع الصراع بشكل كبير مدفوعاً بأوهام تتعلق بفعالية القوة العسكرية الأمريكية واعتقاد متغطرس بأنها الدولة الوحيدة في العالم، التي من حقها وواجبها إعادة تشكيل المنطقة وفق الصورة التي تراها.

وقالت الصحيفة، إن المشكلة هي أن الملايين من الناس في العالم الإسلامي رفضوا التعددية الثقافية الغربية وقيم الديمقراطية وسيادة القانون التي نراها نحن عالمية، ونسعى إلى فرضها عليهم.

لقد نظروا إلى الولايات المتحدة، ليس باعتبارها حليفًا يسعى لمساعدتهم على التحرر من الحكام المستبدين والعجز الاقتصادي وعدم الاستقرار المزمن، ولكن باعتبارها مستعمرًا يستهدف الهيمنة على العالم.

وأضاف الكاتب، أنه على الرغم من تدخلها بشكل كبير في الجغرافيا السياسية للمنطقة منذ 35 عامًا، ولكننا لا نزال للأسف نجهل طبيعة شعوب وثقافات المنطقة، ونواصل اتباع سياسات واستراتيجيات عسكرية في المنطقة تزيد من حدة الصعوبات التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة بدلاً من الحد منها، كما أننا نبدد الأرواح والموارد الأمريكية الثمينة، التي ينبغي أن توجه لأمور أكثر إلحاحاً هنا في الداخل.

ويعد كتاب باسيفيتش، بالإضافة إلى أنه يلقي الضوء على تطور الصراع عديم الجدوى، بمثابة دعوة عاطفية للرأي العام الأمريكي لكي يفوق من سباته ويفكر بجدية فيما يفعله قادتهم باسمهم في العالم الإسلامي، وذلك لكي يجبروهم على وضع حد لهذا المشروع.

ويحدد المؤلف بداية هذه الحرب انطلاقاً من مبدأ كارتر في يناير العام 1980. وكان الروس قد اجتاحوا للتو أفغانستان، ودفعت المخاوف من أن لدى الروس أطماعا في الخليج العربي الرئيس كارتر إلى إعلان أن أي محاولة للسيطرة على حقول النفط في الخليج سوف ينظر إليها على أنها اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة و"سيتم صده بأي وسيلة ضرورية بما في ذلك استخدام القوة".

وأشارت الصحيفة، إلى أن تنفيذ مبدأ كارتر كان يعني ضمناً تحويل الخليج العربي إلى محمية أمريكية غير رسمية، ولكن لم يكن ضمن وسائلنا الرئيسية لإدارة هذه الحماية استخدام القوة الناعمة أو الدبلوماسية الخلاقة ولكن من خلال التدخلات العسكرية بدءاً من شن ضربات جوية انتقامية، ومرورًا بهجمات لقوات الكوماندوز، وانتهاء بنشر قوات كبيرة في خنادق الجحيم مثل الصومال ولبنان والدخول في حربين مؤلمتين لا نهاية لهما منذ أكثر من عقد من الزمن في أفغانستان والعراق.

وقالت الصحيفة، إنه تبين أن هذه التدخلات الأمريكية في المنطقة أدت إلى تفاقم المشاكل والعداوات وتسببت في المزيد من العنف، بدلاً من إحلال السلام والاستقرار ولو بشكل مؤقت. وساهمت في تزايد الشعور المعادي للولايات المتحدة الآن بشكل أكبر مما كان عليه، أثناء فترة رئاسة كارتر.

بدأت الحرب الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل متواضع، ودون وجود استراتيجية شاملة ومحددة. وكان هناك برنامج تقوده وكالة المخابرات المركزية لمساعدة الثوار الأفغان ضد السوفييت وسلسلة من الغارات ضد معمر القذافي، وتدخل خاطئ ضعيف استراتيجياً وكارثياً في الحرب الأهلية اللبنانية العام 1982.

في لبنان والعراق.. صعود الشيعة بفعل التهور الأمريكي

وفي لبنان، وبسبب مزيج غريب من الانسداد السياسي والاستراتيجي على أعلى مستويات إدارة ريغان، أرسلت كتيبة من مشاة البحرية لحفظ السلام سرعان ما اعتبرتها ميليشيات، منها حزب الله، مشاركة نشطة في الحرب، وبدأ إطلاق النار على دوريات البحرية، وأصبحت قاعدتهم هدفاً للقصف المدفعي المتواصل. وأخيرا في 23 أكتوبر العام 1983 انفجرت شاحنة مفخخة يقودها إرهابي من حزب الله بثكنات قوات البحرية أسفرت عن مقتل 241 أمريكياً. وبعد ذلك بوقت قصير سحب ريغان القوات الأميركية من هناك.

وما حدث بالنسبة للتوقعات بشأن الدور الأمريكي الهائل باعتبارها صانعة للسلام وتعزيز مصداقية الولايات المتحدة في عيون العرب وإثبات القدرة على مراقبة المنطقة، فلم يتحقق شيء من ذلك، وسرعان ما برز حزب الله ليشكل دولة داخل الدولة. وتمكن قادته من الادعاء بشكل منطقي أنهم ألحقوا هزيمة حاسمة بالقوة العظمى في العالم، وهي نتيجة لم تغب عن أعين غيرهم من المعارضين للولايات المتحدة.

إن الانتصار "المذهل" ضد صدام في العام 1991 سرعان ما ثبت أنه لا شيء، حيث قام صدام بقمع انتفاضة كردية بوحشية في الشمال، وأخرى شيعية في الجنوب، مما أجبر الولايات المتحدة على إنشاء مناطق حظر طيران في شمال وجنوب العراق وخوض شبه حرب لأكثر من عقد من الزمان.

وفي العراق العام 2005، وعندما كانت إدارة بوش تزعم بأن التمرد "يلفظ أنفاسه الأخيرة،" كان الأمر في الواقع يزداد قوة وتطوراً، حيث تشكلت، بعد عامين من سقوط بغداد، المقاومة المسلحة من "الرافضين" السنة غير الراضين عن احتمال تولي الأغلبية الشيعية السلطة السياسية، وكانت الميليشيات الشيعية غير راضية عن استمرار الاحتلال العسكري لفترات طويلة، وما يسمى المقاتلين الأجانب غير الراضين أيضاً. ومع غزو العراق، رحب هؤلاء بالفرصة لخوض الجهاد ضد الغرب هناك، وفي أكتوبر 2004 أطلقوا على أنفسهم اسم تنظيم القاعدة في العراق، وتعهد زعيمهم الزرقاوي بالولاء لأسامة بن لادن. وقبل عام 2003، في سعيها إلى إنشاء دولة خلافة جديدة، لم يتمكن تنظيم القاعدة من الحصول على موطئ قدم في العراق في عهد صدام حسين. وللمفارقة، تم ذلك بفضل حرب جورج بوش على الإرهاب.

وخلص الكاتب، إلى أن حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تكن مجدية، مؤكدًا على ضرورة الاستفادة من أخطاء الماضي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com