بن علي يلدرم وسياسة تخفيض الأعداء في تركيا
ليس سرا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبذل كل ما يستطيع لتغيير الدستور التركي من دستور برلماني الى دستور رئاسي ، ليتفرد بحكم تركيا التي يحكمها أصلا لكن بتوجس .
وليس سرا ، أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يريد إعادة مجد السلطنة العثمانية ، متمثلة بشخصية قوية داخل تركيا وخارجها وهذا ما يحققه أردوغان.
توجه الحزب ، جسده تصريح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حين قال " إن التحول إلى النظام الرئاسي في تركيا من أولويات حكومة حزب العدالة والتنمية ، وهذه ليست قضية رئيس الجمهورية فحسب ، بل تتعلق بمستقبل البلاد " .
يلدريم وفي أول كلمة له أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان التركي بعد تشكيل حكومته ، قال أيضا : “إن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان انتخبه ملايين المواطنين، لأول مرة في تاريخ تركيا، والعالم كله شهد ذلك”.
إذا بن علي يلدريم ، هو طوع بنان الرئيس ، وسيعمل على تعديل الدستور ، لكن كيف ، وتركيا وسط بركان سورية والعراق النشط ، وعلى خلاف مع روسيا بعد إسقاط السوخوي ، وعلى خلاف علني مع واشنطن بسبب دعم الأخيرة للقوات الكردية المعروفة بقوات سورية الديمقراطية ، وعلى خلافات مع أوروبا ، بدءا من انضمام تركيا الى الإتحاد مرورا بالاتهامات المتبادلة بشأن اللاجئين ، ولا تنتهي عند تصويت البرلمان الألماني على اعتبار ما جرى مع الأرمن هو إبادة جماعية ، وبدا الخلاف بقول أردوغان في الذكرى السنوية لفتح إسطنبول : “ إن تصفية الحسابات مستمرة منذ 563 عاما”.
ويمكن إضافة التوتر مع إيران بشأن التدخل في سورية ، وفارق العقيدة بين تركيا الإخوانية والسعودية الوهابية ، والعلاقات المتأزمة تاريخيا مع الجارين اليوناني والأرميني ، كلها مشاكل طافية ، رغم نظرية رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو غير الواقعية والتي أدّت إلى كوارث على سياسة تركيا الخارجية والمعروفة بـــ " صفر مشاكل " ، اليوم الرجل استراح و انتقل للعيش في المنزل الذي استأجره في حي “جاي يولو” في أنقرة .
ربما نجح أردوغان في تغيير الوجوه ، وهذه ليست المرة الأولى ، فالرجل عُرف أساسا مع صديقه الرئيس السابق عبد الله غل ، الذي غادر المنصة ليظل أردوغان كتوأم مع أحمد داوود أوغلو ، الذي غادر للمسرح ، تاركا المكان لــ : بن علي يلدرم ، الذي يأمل أردوغان أن يقلب من خلاله الصفحة ويبدأ من جديد داخل تركيا وخارجها.
في الداخل ، عقدت الحكومة الـتركية الخامسة والستون مطلع تموز/ يوليو الحالي اجتماعها الأول في قصر “باش تبه” الرئاسي ، وأكد رئيسها الجديد بن علي يلدرم أن أولوية حكومته الوصول إلى النظام الرئاسي ، لكن ذلك يصطدم برفض المعارضة لكل المقترحات المطروحة ، وفي الداخل أيضا ، قال يلدرم إن حكومات “العدالة والتنمية” المتعاقبة تمكنت من إحراز تقدم كبير في المجال الاقتصادي والتنموي ، فضلاً عن تصفير ديون تركيا لدى صندوق النقد الدولي ، فتركيا تحولت في فترة حكم العدالة والتنمية من دولة مدينة لصندوق النقد الدولي ، إلى دولة تقترح على الصندوق أن تقدم له الدين .
أما على الصعيد الخارجي ، وهنا بيت القصيد ، فكل ما قام به أردوغان وداوود اوغلو يحتاج الى تغيير ، وفي السياسة لا الصديق دائم ، ولا العدو دائم ، من هنا يمكن فهم تصريحات رئيس الوزراء الجديد الذي وصف الحرب في سورية بــ" العبثية" وهذه الكلمة لوحدها ، تكفي لمغازلة موسكو وطهران معاً ، فيما ذهب رئيسه الى أبعد من ذلك حين قال عن إسقاط الطائرة الروسية : " هذا الحادث خطأ في التقدير من الطيار التركي ويجب ألاّ يفسد العلاقات بين البلدين " وهذا في العرف الدبلوماسي اعتذار غير مباشر .
يبدو أن تركيا لا ، ولن تستطيع الاستمرار بمواجهة الجميع ، فقررت مهادنة الجميع ، حتى مصر ، واسرائيل التي ربما تتغاضى عن زيارة مرتقبة لأردوغان الى قطاع غزة ، وخرج بعض قيادات حماس من تركيا ، والاقتراب مجددا من أمريكا الداعم الرئيس لعدو أردوغان الأول في المنطقة وهم الأكراد .
كل هذه الانعطافات يتم التمهيد لها ، عن طريق تصريحات يطلقها مقربون من أردوغان وبن يلدرم ، ويتم ترويجها في وسائل الإعلام التركية والعالمية بما يمهد للاستدارة التركية ، أملا من أردوغان في أن ينجح رئيس وزرائه بن علي يلدرم من تحقيق حلمه القديم المتجدد ، بإقامة السلطنة ، ولو احتاج ذلك الى إراقة بعض ماء الوجه ، فموقع السلطان يستحق بعض التضحية .