بعد أن أحدثت سلسلة من الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي انقسامات بين السلطات الجديدة وشركائها الأمريكيين والأوروبيين، تسعى واشنطن لرأب الصدع وإحياء التعاون مع هذه الدول.
ومن شأن وضع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العلاقات على أساس جديد، بعد سنوات من التوترات مع الدول الثلاث في منطقة الساحل الأوسط: بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، أن يسمح لواشنطن بكبح النفوذ الروسي المتنامي، ومكافحة التطرّف، والحصول على المعادن النادرة.
عودة الحوار
وتعمل إدارة البيت الأبيض على العودة إلى الحوار مع دول الساحل، خاصّة وأنّ التعاون العسكري بين الطرفين تدهور بشكل كبير في نهاية ولاية جو بايدن؛ ففي نجامينا، غادر جنود أمريكيون، بأمر من السلطات التشادية، البلاد بحلول أبريل/نيسان 2024، بشكل نهائي.
وفي النيجر أيضًا، غادر آخر الجنود الأمريكيين، البالغ عددهم 946 عسكريًا، المتمركزين في البلاد في يوليو/تموز 2024.
لكن، منذ تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني، برزت بوادر انفراج في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول تحالف دول الساحل، وظهر ذلك من خلال تبادل التصريحات بين مبعوثي الجانبين مؤخرًا.
وقدّمت السفيرة الأمريكية لدى النيجر، كاثلين فيتزجيبون، أوراق اعتمادها رسميًا للرئيس النيجري عبد الرحمن تياني، بعد عامين من توليها المنصب. ومنذ انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 الذي أطاح بمحمد بازوم، تولّت مهامها دون القيام بهذا العمل رسميًا.
وبالإضافة إلى ذلك، قام نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون غرب أفريقيا، ويل ستيفنز، في أواخر شهر مايو/أيّار بزيارة عاصمتي بوركينا فاسو والنيجر، بهدف "تشجيع ديناميكية جديدة للتعاون".
وقبل زيارة ويل ستيفنز، كان رئيس الوزراء النيجري، لامين زين، قد زار واشنطن في أبريل كخطوة تمهيدية. ولا شكّ أن اجتماعه مع ممثلي وزارة الخارجية الأمريكية سهّل عملية التهدئة.
معادن الساحل
ويؤكّد الباحث المالي المتخصص في الشؤون الأفريقية، أومو مكجي، أن إحياء العلاقات المجمدة مع الحكومات الغربية مهم، غير أن الأهم كيف يساعد الأمر على استقرار المنطقة، أما مساعدة أنظمة الساحل الأفريقي لترسيخ نفوذها من خلال منحها قوة عسكرية أكبر، فهو لن تُقدّم عليه إدارة ترامب.
ولفت المحلل السياسي في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن قلة توقعت أن تولي إدارة ترامب اهتمامًا بمنطقة غرب أفريقيا، إلا أن البعض في واشنطن يرغب في مراقبة المنطقة عن كثب في ضوء كثافة النشاط المتطرّف في بؤرة تُمثّل الآن الجزء الأكبر من العنف المرتبط بالمسلحين في جميع أنحاء العالم.
ومن الاعتبارات الأخرى التي توجّه إدارة ترامب، على ما يبدو، نحو اتجاه جديد في سياستها الإقليمية، احتواء دول الساحل الثلاث على رواسب من معادن نادرة مثل اليورانيوم والليثيوم، وهي موضع اهتمام البيت الأبيض.
وأصبحت منطقة الساحل الأفريقي "بؤرة الإرهاب العالمي"، وللمرة الأولى، تمثل "أكثر من نصف الوفيات المرتبطة بالإرهاب".
دبلوماسية ترامب
وبحسب تحليل الباحثين فرانكلين روسيتر وسارة هاريسون من مجموعة الأزمات الدولية، واستنادًا إلى بعض المسؤولين، فإن حكومات دول منطقة أوروبا الشرقية "قد تفضّل الدبلوماسية التي ينتهجها دونالد ترامب ــ والتي تتميز بتجاهل القانون الدولي واتباع خطّ أكثر ليونة تجاه روسيا ــ على النهج المتعدّد الأطراف الموجّه نحو المساعدات الذي روّجت له الإدارات الأمريكية السابقة".
كما ترى أن حكومات منطقة الساحل تأمل توجيه المزيد من الاستثمارات، وتريد من الولايات المتحدة، التي تظل المزود الرئيسي للمساعدات الإنسانية في المنطقة، تخفيف القيود المفروضة على تسليم المعدات العسكرية.
في غضون ذلك، تكتسب روسيا نفوذًا في المنطقة، وتعزّز تعاونها العسكري وشراكاتها الاقتصادية والاستراتيجية، وآخر هذه التطورات تطوير برنامج نووي مدني في مالي.