حكاية العقرب.. هل اتّخذ الأسد الدبّ الروسي مطيّة؟
حكاية العقرب.. هل اتّخذ الأسد الدبّ الروسي مطيّة؟حكاية العقرب.. هل اتّخذ الأسد الدبّ الروسي مطيّة؟

حكاية العقرب.. هل اتّخذ الأسد الدبّ الروسي مطيّة؟

قارنت إحدى معجبات النظام السوري الرئيس بشار الأسد بالرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، الذي عُرف عنه الإصرار والثقة بالنفس، وذلك عند تحديه الحليف الأقوى الولايات المتحدة الأمريكية، حتى بعد مساعدتها الحاسمة لفرنسا أثناء مواجهة النازيين.

ويُستشف من كلام المعجبة حكاية أخرى مشابهة، إنها حكاية العقرب والضفدع، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

يُحكى أن العقرب أقنع الضفدع ذات مرة بأن يحمله ويجتاز به النهر إلى الضفة المقابلة، وأثناء ذلك قام العقرب بلدغه، ما تسبب بغرق كليهما.

الأمر شبيه جداً في الحالة السورية، فبإنقاذ روسيا لبشار الأسد عبر قوتها الجوية وضعت نفسها في موقف الضفدع.

المعجبة بشرى خليل، المحامية اللبنانية والتي تتمتع بتواصل قديم مع أشخاص داخل الحكومة السورية والتي قابلت في الأسابيع الأخيرة مسؤولين رفيعي المستوى بمن فيهم وزير الداخلية ورجل الاستخبارات الغامض علي مملوك، وصفت الحالة السائدة بين المسؤولين الأمنيين بأنها "حالة من السعادة الجارفة".

وقالت بشرى في إحدى المقابلات إن مستشاري الأسد لا يعتقدون فقط أن الرئيس تجاوز "الفترة الحرجة" وأنه سيبقى رئيساً لسوريا، بل يرون أيضاً أن قدرته على "مواجهة العالم بأسره" ستجعل منه "القائد الأبرز في المنطقة بلا منازع".

وأضافت المعروفة بدفاعها عن صدام حسين أثناء محاكمته بارتكاب جرائم حرب في العراق "إنهم مثل رجل له زوجتان يعجبه شيء ما في كل منهما".

وتعد بشرى، التي قارنت بين الأسد وديغول، معروفة كأحد المنافحين المخلصين عن بشار الأسد والتي لا تكفّ عن التصريحات النارية في الدفاع عنه ولا تفتر عن لقاء المسؤولين للتحدث حول مختلف القضايا حيث كان لقاؤها الأخير حول دعوى قضائية تتعلق بنجل معمر القذافي.

وأضافت أن المستشارين أصروا على أن القيادة الروسية قيادة تتمتع بالجلد والشجاعة إلا أنهم ألمحوا أنهم الآن يملكون بطاقة أمان أخرى وهي علاقتهم القوية جدا بإيران ومقدرتهم الحالية على التنقل بين الحليفين القويين.

وتردد وصفها للفرح الذي يغمر الزمرة المقربة من الأسد والأسلوب الذي تسير به الأمور في الدولة السورية، بين العديد من الأطراف المؤيدين منهم والمعارضين، ممن اجتمع مع الأسد أو مع مستشاريه وحلفائه في الأشهر الأخيرة.

وتتضمن تلك الأطراف المثقفين والمعنيين في الشأن الإنساني والأصدقاء والدبلوماسيين والمسؤولين من الحلف الداعم للحكومة، إيران وروسيا وحزب الله.

تحدثت إلينا تلك الأطراف ورفض معظمهم ذكر اسمه، للحفاظ على صلتهم بالمسؤولين الحكوميين أو لتجنب ردود الأفعال الانتقامية.

فبشكل متكرر وضمن مقابلات متفرقة، وصف هؤلاء الأشخاص القيادة بأنها خبيرة بالتلاعب بالحلفاء وبرفض تقديم تنازلات حتى إن كانت الظروف لا تسير في صالح النظام، وحين يتم إجبار دمشق على القيام بالصفقات، فإنها تقوم بالتأجيل والتأخير وتعقيد الأمور وذلك استغلالا للوقت حتى يتحسن موقف الأسد.

وبحسب الصحيفة: "إننا نرى الرئيس الروسي يلبس عباءة المنتصر المزهو بالعودة المظفرة للمسرح العالمي عبر ترؤسه للحل السياسي في سوريا، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أشار بعض الدبلوماسيين أن روسيا ترى النصر بحل تفاوضي يفضي إلى بقاء الأسد في السلطة، والذي يُظهر أن الطموحات الغربية لتغيير النظام قد باءت بالفشل، ولكنهم يرون، في الآن نفسه، احتمالية دعم بوتين لاتفاق يهيىء المناخ الدولي لمغادرة بشار للسلطة لاحقا، أو الحدّ من صلاحياته".

روسيا تبحث توطيد موقفها الصاعد كقوة عالمية

تسبح روسيا الآن من أجل تسوية سياسية للحرب السورية آملة بتوطيد موقفها الصاعد كقوة عالمية مرة أخرى، ولكن حين إمعان النظر في تاريخ بشار الأسد السياسي، ندرك حينها قدرته على إفساد المفاوضات وتبرير ذلك بزعمه أن إبرام الصفقات ليس من شيمه، كما يصفه العديد من الدبلوماسيين.

منذ أن أعلن الرئيس فلاديمير بوتين قراره المفاجئ بانتهاء التدخل الروسي في سوريا والحد من عمليات القصف الجوي، راجت التوقعات حول إن كان الرئيس الروسي سيجبر الأسد على تنازلات سياسية جوهرية لإنهاء الحرب.

يعتمد الأسد على القوة العسكرية الروسية والتي تصاعد تأثيرها السياسي والمالي فقط خلال الحملة الجوية التي بدأها الرئيس الروسي في سوريا منذ ستة أشهر، فهذه وعبر الدعم المقدم للقوات الحكومية السورية على الأرض تعززت طموحات وثقة الأسد.

وفي هذا الصدد علّق السيد ديفيد لييش، الذي يعكف على كتابة السيرة الذاتية للرئيس الأسد والمحاضر في جامعة "ترينيتي" في سان أنتونيو على هذا الأمر بقوله "من الواضح أن الرئيس بوتين يعتقد أن سوريا في حاجة إلى روسيا ولكن الأسد وحاشيته المقربة يعتقدون، وبكل التعجرف، العكس تماماً".

وبرز الأمر جليا حين بدا الانسحاب الروسي مباغتا للمسؤولين السوريين، فقد سارعوا لإخبار الدبلوماسيين أن الدعم الروسي غير متضائل بل ثابت كالعادة ورفضوا أي طرح يفيد أن القيادة السورية كانت ترزح تحت الضغوطات.

وفي الوقت الذي يظهر فيه اهتمام إيران ببقاء الأسد في السلطة، بات من الواضح جدا أنه دون القوة الجوية الروسية يفقد الدعم الإيراني زخمه في مساندة تقدم القوات الحكومية على الارض وذلك رغم تدفق الآلاف من مقاتلي حزب الله والميليشيات الأخرى المدعومة من قبل طهران.

وعلى الصعيد نفسه قال السيد لييش "من هنا، يتبين أن الرئيس بشار الأسد أدرك ضرورة إشراك بعض من الجانب السياسي، على الأقل إرضاء لبوتين".

لييش زار الرئيس السوري بشكل منتظم منذ 2004 إلى 2009 واجتمع مع مسؤولين في القيادة العليا وأطياف المعارضة منذ اندلاع الحرب الاهلية في 2011.

وأضاف "الحكومة السورية قادرة على الانسحاب وتعقيد العملية السياسية، فالحكومة قالت لا 49 مرة إلى أن تفوهت بكلمة نعم في المرة الخمسين.

واقترح لييش أن الرئيس الأسد أدرك بشكل مرجح أنه قادر على التلاعب بالنظام الدولي بطريقة يحافظ بها على رئاسته.

ويخبر المحللون عن وجود مشكلة أخرى تتمثل بأن بشار الأسد، ومن قبله والده، أوجدوا، بشكل متعمد، نظاما يعتمد على زعيم واحد لا غير دون وجود لنائبين ومؤسسات قوية.

ويعتقد البعض أن الأسد وصل إلى التدهور بمكان أن مجرد أبسط التنازلات قادرة على الإطاحة به، وهو التقدير الذي قاد بشار منذ البداية إلى استخدام القوة المفرطة لقمع المتظاهرين بدلا من الالتفات إلى إصلاحات سياسية.

ومع ذلك كله، أظهر الأسد أنه قادر على النجاة دائماً.

بقي الأسد متماسكاً على مدى خمس سنين على اندلاع الثورة، ابتداء بمتظاهرين سياسيين يملكون زخما عروبيا جراء الربيع العربي والدعم الأمريكي، منتهين بحرب بالوكالة أودت بحياة مئات الآلاف وشردت نصف الشعب السوري.

يملك معارضوه، من الداخل والخارج، الوقت ولكن أيضا، الاستهانة المتجددة ليس فقط بجاهزية الأسد لاستخدام العنف للاحتفاظ بالسلطة ولكن أيضا بالقوى التي لا تفتر لزمرته المقرّبة ولقواته العسكرية الموالية.

ولتسليط الضوء أكثر، قال محمد الشعار إن السيدة بشرى صديقة منذ أمد طويل، وللذي لا يعرف محمد الشعار هو وزير الداخلية السوري، الذي ينام في مكتبه المكدّس بالأوراق ويواصل العمل لساعات طويلة غير آبه بالمحاولات الثلاث التي كادت تودي بحياته، دس السم وقنبلتين، إحداهما أعطبت ذراعه اليمنى.

كما قُتل زوج شقيقة الأسد، آصف شوكت، مع ثلاثة من قادة الأمن في تفجير استهدفهم عام 2012، أما شقيقه، ماهر الأسد، أصبح مقعدا ولكن لا يزال جنرالاً حربيا ذا نفوذ واسع.

ورغم كل التفجيرات والاغتيالات، لا يزال بشار الأسد يعقد اللقاءات في قصره المطل على دمشق بصحبته عدد قليل من قوات الأمن، ما حدا ببعض زائريه أن يلقوا بعض النكات حول إمكانيتهم الدخول بالسلاح للقاء الأسد.

أخطأ المعارضون للرئيس بشار ونظامه، في حساباتهم، بشأن رغبة جزء كبير من عامة الشعب السوري، بمن فيهم من لا يحبون الأسد، بالبقاء دون ردة فعل خوفا ممن سيكون عليه البديل لرأس القيادة السورية.

الأسد بارع في هدر الوقت

يظهر كافة المسؤولين السوريين في محادثات السلام ولكن يرفضون تماما التفاوض، يبرمون الوعود بشأن السماح بدخول المساعدات الإنسانية بينما ينكرون معظم المطالبات التي تتعلق بأمور معينة.

ففي عام 2013 وافق الأسد، إثر التهديد بعملية عسكرية أمريكية، على تدمير ترسانته من الأسلحة الكيماوية، لكن وفي ذات الوقت، اتخذت الهجمات التقليدية على المناطق المدنية والاتهامات باستخدام غاز الكلورين طابع الروتين والأخبار اليومية.

بمرور الوقت، صرف كل من، ظهور داعش وتفجر أزمة اللاجئين المتدفقين على أوروبا، أولويات المجتمع الغربي بعيدا عن مطامح إقصاء الأسد، فلم تعد واشنطن مصممة على الإطاحة به كمطلب لبداية عملية الانتقال السياسي.

وصرح أحد المسؤولين من الحلف المساند للحكومة السورية أن الأسد وحلفاءه استنتجوا أن الغرب في حاجته لإحكام السيطرة على الحدود السورية ولقتال داعش ووقف تدفق اللاجئين.

يعوّل الموالون للنظام السوري على الطبيعة المشوهة للنزاع السوري ويصرحون أنهم لا يعتقدون بقدرة روسيا على إيجاد مجموعة من الشخصيات المعارضة الراغبة في مشاركة الحكم مع الأسد من جهة والمتقبلة لكافة الأحزاب من جهة أخرى.

يقول أحد السوريين على صلة مع المسؤولين السوريين ويعد من الناقدين بشدة لشخص الرئيس السوري من جهة ومؤيد للحكومة ضد المعارضة، إن الأسد وحاشيته المقرّبة يختبرون صبر أشد الحلفاء إخلاصا لهم.

وأضاف أن الحكومة السورية تشاجرت مع إيران بشأن تكاليف الحرب المالية ومع حزب الله على النفوذ في إحدى المناطق ومع روسيا بسبب الأداء العسكري.

وبالعودة بالتاريخ قليلا، ندرك أنه لا جديد في الأمر، فقد استذكر أحد الدبلوماسيين وهو ذو باع طويل في شؤون المنطقة أنه في ثمانينات القرن الماضي، استفسر أحد الدبلوماسيين البريطانيين من سفير الاتحاد السوفيتي حول علاقة الاتحاد بحافظ الأسد، أجاب: "إنهم يأخذون كل شيء منا، إلا النصيحة".

يشعر العديد من المسؤولين السوريين، الذين انغمسوا في القومية العربية، ممن أتم تعليمه في موسكو، بالراحة بوجود روسيا علمانية وتشديدها على المحافظة على مؤسسات الدولة.

وثمن البعض منهم أيضاً إيران الدينية على التزامها الوفي تجاه الدولة السورية في نزاعها الطويل ولسياسة المجابهة التي تنتهجها تجاه إسرائيل.

ومن جهة أخرى، سعى العديد من داخل الحكومة السورية والداعمين للأسد للتودد للولايات المتحدة الأمريكية.

وصرح أحد المسؤولين الغربيين السابقين والذي كان قد التقى مع الأسد ومستشاريه العام الماضي أن السوريين يعبرون عن آمال غير واقعية، وفشلوا أيضا في منع وحشيتهم من الظهور أمام واشنطن.

وأضاف "ولكن المسؤولين الغربيين الذين تأملوا حدوث انشقاق في الحلقة الضيقة المحيطة بالأسد كانوا غير واقعيين أيضا.. لقد سحقت المساعدة الروسية تقريبا كافة المخاوف حول المصير الشخصي للقيادة السورية والتي كان من الممكن أن تحمل أقرب المقربين من الأسد على الرحيل".

ونوّه لييش، كاتب سيرة بشار الأسد، إلى أن بعض المستشارين اعتقدوا أن بعضا من السلطة اللامركزية كانت مطلوبة، وهذا ممكن التحقيق "إن استطاع المستشارون تشكيل عدد يُعتد به قادر على إقناع الأسد على أن يباشر التفاوض بجدية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com