حروب القرن الـ21 .. الرهانات الاجتماعية تتفوق على العسكرية
حروب القرن الـ21 .. الرهانات الاجتماعية تتفوق على العسكريةحروب القرن الـ21 .. الرهانات الاجتماعية تتفوق على العسكرية

حروب القرن الـ21 .. الرهانات الاجتماعية تتفوق على العسكرية

يقول الخبير في علم السياسة الفرنسي برتراند بادي، إن الرهانات السياسية والعسكرية في صراعات القرن الحادي والعشرين قد تراجعت بعد أن لحقت بها وتجاوزتها الرهانات الاجتماعية.

ويرى أن حروب اليوم لم تعد تجري تحت تأثير "التنافس بين مجموعة من الدول، وإنما تحت تأثير الضعف المرتبط بانهيار الدول، وبالتفكك الاجتماعي، وكذلك تحت تأثير غياب بناء المجتمعات المدنية".

ويشهد على ذلك، بحسب الباحث، أن مؤشرات التنمية البشرية الضعيفة تنطبق وتسري بالضبط تقريبا على النزاعات المسلحة المعاصرة: دول الساحل (مالي، النيجر، تشاد) وأريتريا والصومال وبلدان وسط أفريقيا، والبحيرات العظمى وحوض الكونغو، واليمن وأفغانستان.

وبالتالي، يلاحظ الباحث أنه في بلد مثل النيجر حيث 70٪ من السكان تحت سن 35 عاما، فإن الشاب ابن هذا البلد ليس لديه خيار سوى الهجرة ومخاطرها، أو (الكلاشينكوف) ليصبح واحدا من الجنود الأطفال الذين على الأقل "يحظون" بالإيواء والغذاء.

حرب بطوابق

ويرى الباحث أنه طالما لم تعد الصراعات الجديدة شأنا من شؤون الدولة، وإنما من شؤون مجتمعات، فهي تؤدي حتما إلى "حروب بطوابق"، مصنوعة من "الصراعات الداخلية بين الجماعات التي تنتمي لنفس الدولة/الأمة التي لم تكتمل نشأتها أو المفلسة (السنة والشيعة والأكراد، في العراق، على سبيل المثال).

ويلاحظ الباحث في نظرته لهذا العالم الجديد، أنه كلما كانت تصفية الاستعمار مؤلمة أدت إلى استقلالات هشة وموعودة بالفشل، كون "نظام ما بعد الاستعمار أدى إلى ظهور دول ذات شرعية ضعيفة لم تستوعبها الشعوب التي تحكمها، والتي لم تشارك في بناء هذه الدول. ولذلك كانت النتيجة الانحراف السلطوي الذي تواجهه اليوم تعبئات مختلفة تميل لأن تفرض نفسها على أسس طائفية، ذات طابع عرقي أو ديني".

ويقول الباحث إن الشرق الأوسط مكبل بشروره الخاصة، وهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولعنة النفط والتشوه الأصلي للنظم السياسية. "هذه الأنظمة المدججة بالسلاح ضد مواطنيها غارقة في لعبة المنافسة والعداء المرتبطة بـ "المعسكرات" التي اختارها كل طرف. 

وتضاف إلى هذه الأمراض للتعبئة السياسية التي خلقها التيار الإسلامي الحامل للاحتجاج، في مواجهة إفلاس الأنظمة الحاكمة.

السباق للحصول على مركز: معركة كل يوم

ويرى الباحث أن العالم، بانتقاله من الثنائية القطبية، انتقل اليوم إلى الوضع اللاقطبي، وهو ما أدركه باراك أوباما، الذي يعتبر "أول رئيس أمريكي أدرك بوضوح بأن بلاده لم تعد قادرة على أن تضمن الزعامة المهيمنة" التي كانت لأسلافه. 

ومع ذلك فلا تزال الولايات المتحدة مستمرة في امتلاك الأدوات التقليدية للسلطة، مع 43٪ من الإنفاق العسكري العالمي. 

لكن الباحث يضيف أن فعالية السلطة نفسها، مع ذلك، في تراجع مستمر". فمع ظهور صراعات جديدة، لم تعد الأدوات التقليدية للقوة فعالة، وخاصة الأدوات العسكرية".

"أما بالنسبة للقوة الناعمة الأمريكية، فإنها لا تزال واقعا لا يمكن إنكاره في أنماط الاستهلاك، والترفيه، والموسيقى، فلم تعد تخدم خطط الهيمنة السياسية الأمريكية".

ويتابع الباحث أنه وقد انتهى زمن القطبية الثنائية فإن السباق للحصول على مركز ثابت أصبح صراع كل يوم، من أجل الحفاظ على رتبة ثابتة. 

ويعود برتراند بادي إلى موقف روسيا التي لم تتقبل بسهولة هزيمة الدولة/الأمة، ليؤكد أن حرمان روسيا من وضعها كقوة عالمية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، يفسر ضراوة غرائزها الانتقامية وهواجسها، على غرار أية إمبراطورية.

وعن الصين يقول الباحث برتراند قائلا: "أما الصين فليست دولة مسيحية". ومن دون "أطماع شمولية، فهي تصنع اقتصادا تشارك به بشكل كامل في العولمة، مع دبلوماسية تستند كفاءتها على أساس التكتم".

وفي رأيه أن الاستثناء الوحيد في هذا التحفظ الصيني هو الفضاء الإقليمي الذي تسعى بكين، مثل أي دولة أخرى، إلى إثبات وجودها فيه كقوة إقليمية. شأنها في ذلك شأن البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com