هل تصمد مسقط طويلاً في المنطقة الرمادية بين الرياض وطهران؟‎
هل تصمد مسقط طويلاً في المنطقة الرمادية بين الرياض وطهران؟‎هل تصمد مسقط طويلاً في المنطقة الرمادية بين الرياض وطهران؟‎

هل تصمد مسقط طويلاً في المنطقة الرمادية بين الرياض وطهران؟‎

يبدو أن العام الجديد 2016 لن يكون سهلاً على عُمان، لا اقتصادياً ولا سياسياً. فعلى الصعيد الاقتصادي لا يخفي صُناع السياسة في السلطنة قلقهم البالغ من الأزمة العميقة التي تعصف بأسعار النفط في الأسواق العالمية وأثرها الكبير على الاقتصاد المحلي، سيما وإن عُمان تعتمد في دخلها على النفط بنسبة تصل إلى 70%، يتضافر هذا مع بطء سياسات تنويع مصادر الدخل وضعفها في بعض الأحيان، رغم تمتع السلطنة بمقومات إستراتيجية وطبيعية وسياحية يمكن، في حال استثمارها، أن تكون مصدر دخل توازي في أهميته النفط وربما يتجاوزه.

وعلى الصعيد السياسي تواجه عُمان اختباراً دقيقاً وحساساً في قدرتها على موازنة علاقاتها بين جارين وحلفين كبيرين هما السعودية وإيران.

الرؤية المستقبلية (عُمان 2040)

وفق ما يراه محللون، فإن الحكومة العمانية بدأت تدابير جادة للخروج من مأزق الأزمة الاقتصادية الطاحنة. فاللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية (عُمان 2040) التي كُلف رئاستها واحداً من أكثر الوجوه نفوذاً في عُمان اليوم وهو السيد هيثم بن طارق آل سعيد ابن عم السلطان قابوس وأحد المقربين منه، تعكف منذ مطلع العام الماضي 2015 على صوغ سياسات مستقبلية تعتمد إيجاد بدائل دخل عن النفط. ويرى المحللون أن هذه البدائل المقترحة تتمركز على مجالين أساسين:

الأول: الاستثمار في الموارد الطبيعية الأخرى كالمعادن والغاز. وقد أُعلن في الخامس من يناير 2016 تأسيس شركة حكومية باسم "شركة تنمية معادن عُمان" برأس مال قدره 100 مليون ريال عُماني. وستعمل الشركة الجديدة، حسب بيان تأسيسها، على التنقيب عن مواقع جديدة للمعادن التي تزخر بها السلطنة كالنحاس والحديد والذهب. فإلى جانب مناجم النحاس في ولاية صحار، تشير المسوحات إلى وجود 11 منطقة تعدينية أخرى للنحاس، كما أن هناك مؤشرات إلى وجود مناجم للذهب في مناطق مختلفة من البلاد.

غير أن الرهان الأكبر لصُناع السياسات الاقتصادية والمالية في السلطنة للتخفيف من نتائج أزمة انهيار أسعار النفط، هو قطاع الغاز الطبيعي، الذي يبدو، حتى الآن هو الأكثر استقراراً. ويصل إنتاج السلطنة من الغاز الطبيعي لحوالي 2.8 مليار قدم مكعب يومياً يكفي لسد احتياجات السوق المحلية ويضمن مصدراً جيداً للموازنة العامة للدولة. غير أن الطموح العماني هو في تحويل ميناء صحار شمال مسقط إلى مركز لتسييل الغاز الإيراني وللصناعات المرتبطة به ولإعادة تصدير الغاز الإيراني إلى الخارج. وبحسب تصريحات وزير النفط والغاز العماني محمد الرمحي الأسبوع الماضي، فإن السلطنة وإيران تعملان على تسريع وتيرة استكمال خط أنابيب لاستيراد الغاز الطبيعي من إيران، وأن هذا المشروع سيتحرك في مسار أسرع مما كان عليه الحال من قبل بعدما رفعت العقوبات التي كانت مفروضة على طهران.

ويتوقع أن تبلغ الطاقة الاستيعابية لخط الغاز الإيراني إلى عُمان والذي سيمتد تحت البحر مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً قابلة للزيادة إلى ملياري قدم مكعب في اليوم.

وكان البلدان وقعا عام 2013 اتفاقية بقيمة 60 مليار دولار بشأن تصدير الغاز الإيراني إلى السلطنة لمدة 25 عاماً.

الثاني: مرتكز الصناعات التحويلية الذي يُعد أحد المحاور الخمسة التي ارتكزت عليها الخطة الخمسية التاسعة التي تنتهي هذا العام. غير أن الرؤية الاقتصادية لـ 2040 ركزت، وبصورة أكبر، على تنمية المناطق الصناعية المختلفة بالبلاد والتي بدأ العمل عليها منذ ثمانيات القرن الماضي. ووفقاً لبيانات رسمية فإن حجم الاستثمارات في المناطق الصناعية يصل اليوم إلى 5 مليارات ريال عماني، كما أن عدد المشاريع التي تم توطينها داخل هذه المناطق الصناعية يتجاوز 1500 مشروع صناعي وخدمي ويعمل في هذه المناطق أكثر من 14 ألف عماني.

وكانت الخطة الخمسية التاسعة استهدفت أن يحقق قطاع الصناعة التحويلية نمواً بنسبة 6% خلال سنوات الخطة وهو معدل يقترب من النمو الحالي للقطاع الذي يساهم في الناتج المحلي بنحو 3.1 مليار ريال عماني، كما أن الصناعات التحويلية الأخرى التي تتضمن صناعة المنتجات النفطية المكررة تساهم بنحو 1.5 مليار ريال عماني. غير أن الرؤى الحالية، مدفوعة بتحدي انخفاض أسعار النفط، تعمل على تعزيز دور الصناعات التحويلية و القطاعات غير النفطية في الاقتصاد العُماني بحيث تتجاوز مساهمته في النتاج المحلي ضعف ما تحقق الآن.

ووفقاً للرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني للعام 2040، فإن الصناعات التحويلية ستشكل هدفاً استراتيجياً بعيد المدى للتخفيف من الاعتماد على النفط مصدراً للدخل وربما التخلي عنه.

اختبار العلاقة مع الرياض وطهران

وبموازاة التحدي الاقتصادي الذي بدأت به السلطنة عامها الجديد، تبرز تحديات سياسية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصادي، فمسقط التي بذلت العام الماضي 2015 جهوداً دبلوماسية لم تكلل بالنجاح لإنهاء الأزمة اليمينة ووقف الحرب الدائرة على حدودها الجنوبية، تجد نفسها مع مطلع العام الجديد أمام أزمة سياسية محتدمة بين أكبر دولتين في المنطقة ترتبط بهما السلطنة بعلاقات وثيقة هما السعودية وإيران. فالأزمة السياسية المتفاقمة بين الرياض وطهران على خلفية اعتداء متظاهرين إيرانيين على سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد احتجاجاً على إعدام الأخيرة رجل الدين الشيعي المدان بممارسة الإرهاب نمر النمر، هذه الأزمة السياسية وضعت مسقط في موقف بالغ الحرج. فعمان التي ترتبط مع السعودية بعلاقات تتجاوز السياسي والاقتصادي إلى التاريخي والثقافي والاجتماعي، إضافة إلى عضوية البلدين في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بما تفرضه العضوية من التزام بمعاهدات دفاع مشترك، هي، في الوقت ذاته، ترتبط بعلاقات وثيقة ومميزة مع إيران، سياسية وتجارية واقتصادية، وهي العلاقات التي تمكنت مسقط من الحفاظ عليها وسط العواصف التي شهدتها المنطقة طوال الثلاثين عاماً الماضية.

لكن السؤال الذي يثار اليوم عن مدى قدرة مسقط في البقاء في المنطقة الرمادية بين الرياض وطهران، خصوصاً وأن السعودية نجحت في تقوية الصف العربي المعارض لما يوصف بسياسات إيران المعادية للعرب في المنطقة، ففي حين اتخذت عواصم خليجية وعربية مواقف واضحة من الأزمة بين السعودية وإيران، إما بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، اصطفافاً مع الرياض أو بتخفيض تلك العلاقات، اكتفت مسقط بإصدار بيان يرفض الاعتداء على المقار الدبلوماسية السعودية في إيران ويحمل الأخيرة مسؤولية حماية هذه المقار دون أن تذهب أبعد من ذلك.

ويرى مراقبون أن العلاقات العمانية الخليجية، التي تمر بفترة برود منذ رفض مسقط مشروع الاتحاد الخليجي الذي تقدمت به الرياض عام 2013، ثم معارضتها التحالف العربي العسكري الذي تقوده السعودية لإعادة الشرعية في اليمن، هذه العلاقات تتعرض هذه الأيام لاختبار دقيق وحساس، ولا يُعرف ما إذا كانت مسقط ستنجح في عبوره وإعادة الدفء إلى علاقاتها بالسعوية ودول الخليج الأخرى أم أنها ستدع علاج أزمة العلاقات هذه للزمن وتمضي في توثيق علاقاتها مع إيران، خصوصاً على الصعيد التجاري والاقتصادي.

المقربون من مراكز صناعة القرار في مسقط يرجحون أن تُقدم مسقط على طرح مبادرة لحل الأزمة بين الرياض وطهران، لكن هذه المبادرة لن تقتصر على الأزمة الأخيرة التي أفضت إلى قطع العلاقات ولكن إلى فتح كل ملفات الخلاف بين البلدين أو بين إيران ودول الخليج العربية كمشكلة اتهام السعودية وبعض دول الخليج، إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية عبر تحريك النعرات الطائفية داخل هذه الدول، وملف الأزمة السورية والأزمة اليمنية واستخدام إيران لميليشيا حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق لتحقيق غايات سياسية في المنطقة العربية.

يبقى السؤال عن استعداد إيران بحث ومناقشة كل هذه الملفات العالقة خصوصاً بعد توقيعها الاتفاق النووي مع (5+1) ورفع العقوبات الاقتصادية عنها. غير أن لهذا السؤال وجه آخر، وهو قدرة السعودية وحلفائها على تشديد الخناق على إيران في هذه المرحلة من جهة، وقدرة سلطنة عُمان على لعب دور الوسيط المرن والقادر على التحرك السريع بين الأطراف، بعيداً عن قيود الضغوط الاقتصادية الخانقة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com