النجاح النووي يذْكي الصراع الداخلي في إيران
النجاح النووي يذْكي الصراع الداخلي في إيرانالنجاح النووي يذْكي الصراع الداخلي في إيران

النجاح النووي يذْكي الصراع الداخلي في إيران

طهران - سيؤدي نجاح إيران في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها لاحتدام صراع على السلطة بين النخبة المنقسمة، ولا يمكن للرئيس حسن روحاني أن يعول على المساندة السياسية في الداخل من الزعيم الأعلى قبل انتخابات مهمة.

لكن القيادة الإيرانية اختارت الآن تبني سياسة خارجية أقل تصادمية مما كانت عليه فيما مضى، وإن كان مسؤولون يقولون إن إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع "الشيطان الأعظم" -الولايات المتحدة- يظل غير وارد.

ومن شأن رفع أغلب العقوبات، التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أمس السبت، في إطار الاتفاق النووي مع القوى العالمية الست، أن يقوي الاقتصاد الإيراني وكذلك نفوذ إيران الشيعية في منطقة الشرق الأوسط التي تمزقها الصراعات الطائفية.

ويرجع الفضل في نجاح روحاني وهو براجماتي - مهد انتخابه في عام 2013 الطريق أمام تحسن العلاقات مع العالم الخارجي- إلى أعلى سلطة في إيران، فقد أيد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الاتفاق النووي متجاهلاً المتشددين الذين يرفضون التعامل مع واشنطن.

وقال مسؤول إيراني كبير له صلة بالمحادثات مع القوى الست، والتي قادت إلى تحجيم إيران لأنشطة برنامجها النووي، في مقابل رفع العقوبات التي شلت اقتصاد البلاد: "كل خطوة اتخذتها الحكومة وافق عليها الزعيم، الزعيم حمانا من ضغوط المتشددين".

لكن المتشددين القلقين من تنامي نفوذ روحاني وشعبيته، عقدوا العزم على إظهار حدود سلطة الرئيس في الداخل، إذ يعارضون أي تحرر سياسي.

فهم يخشون من أن يكافئ الناخبون - الذين يأملون تحسن مستويات المعيشة بعد رفع العقوبات - المرشحين الموالين لروحاني في الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء التي تجري الشهر القادم، ومجلس الخبراء هيئة دينية لها سلطة محدودة على الزعيم الأعلى.

وقال مسؤول إيراني كبير آخر: "زادت شعبية روحاني حتى بالمقارنة بعام 2013 بسبب نجاحه النووي، سيساعد ذلك حلفاءه كثيراً على الفوز بأغلبية في الانتخابات"، وأضاف: "الناس يعلمون أن سياسة روحاني أنهت عزلة إيران ومشكلاتها الاقتصادية، إنه بطلهم".

ومن المرجح أن تكون انتخابات مجلس الخبراء أساسية في تحديد المسار المستقبلي لإيران، أكبر قوة شيعية، التي تعتزم ضخ كميات كبيرة من النفط الخام في السوق العالمية الآن بعد أن رفعت العقوبات.

وخضع خامنئي لجراحة في البروستاتا في عام 2014، وإذا لم يتمكن الزعيم البالغ من العمر 76 عاماً من القيام بمهام منصبه بسبب مرض ألم به فسيكون على مجلس الخبراء اختيار خليفة له.

خلافات بين الزعيمين؟

قد يؤدي نفوذ روحاني المتزايد إلى خلاف مع خامنئي وقد يضطر أي تغير في توازن هيكل السلطة الإيراني المعقد الزعيم الأعلى لتقليم أظافر الرئيس على المستوى المحلي.

وقال المحلل السياسي حميد فرح فاشيان: "نفوذ روحاني السياسي سيزيد بسبب التقدم الاقتصادي وستتم إعادة هذا التوازن من خلال المزيد من الضغوط الداخلي"، وأضاف: "دون مباركة خامنئي لا يمكن لروحاني مواجهة خصومه".

وتولى خامنئي السلطة عام 1989 خلفاً لآية الله روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، وكان يحرص دائماً على ألا تحصل أي مجموعة - حتى من بين حلفائه المتشددين - على نفوذ يسمح بتحدي سلطته.

وقال مسؤول سابق، بحسب رويترز: "فيما يتعلق بالمسألة النووية روحاني وخامنئي في مركب واحد، لكن خامنئي سيدعم المتشددين في خلافاتهم السياسية مع المعتدلين".

وإلى جانب مجلس صيانة الدستور، الذي يفحص القوانين ويقيم المرشحين للانتخابات، يسيطر خامنئي على القضاء وقوات الأمن ومحطات الإذاعة والتلفزيون الحكومية فضلاً عن مؤسسات تهيمن على جانب كبير من اقتصاد البلاد.

ومن المرجح أن يلجأ المتشددون إلى أسلوب اتبعوه ونجح في الماضي وهو العثور على أسباب لاستبعاد مرشحين موالين لروحاني.

وقال المحلل السياسي سعيد ليلاز: "أتوقع أياماً عاصفة قبل الانتخابات، ستزيد الضغوط على روحاني وحلفائه، وسيشمل ذلك استبعاد أعداد كبيرة من المعتدلين".

وكثّف المتشددون دعواتهم لكبح الأصوات المعارضة منذ سبتمبر أيلول عندما حذر خامنئي من "تسلل" أعداء إيران.

وقد يستهدفون كذلك الناشطين السياسيين والصحفيين المتعاطفين مع الرئيس، وقال صحفي مؤيد للإصلاح طلب عدم نشر اسمه لاعتبارات أمنية: "سيعوضون انتصار روحاني بالمزيد من الاعتقالات للنشطاء وستستدعي المحاكم المزيد من الصحفيين".

وما يزال الزعيمان المعارضان مير حسين موسوي ومهدي كروبي، قيد الإقامة الجبرية التي فرضت عليهما بعد مظاهرات اندلعت احتجاجاً على انتخابات الرئاسة، التي أجريت عام 2009، وقال نشطاء إنه تم التلاعب بنتائجها.

واتهمت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان والأمم المتحدة إيران بتقييد حرية التعبير والعبادة والإعلام وانتقدت تنفيذ أعداد كبيرة من أحكام الإعدام.

ويقول بعض المحللين إن روحاني الذي مثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي لأكثر من 20 عاماً يفتقر للإرادة لمقاومة ضغوط من المتشددين تمنع الإصلاحات الاجتماعية التي يطالب بها الكثير من الشباب في إيران.

وانتقد روحاني من حين لآخر الحملات على النشطاء والصحفيين لكنه لم يبذل جهداً يذكر لوقفها.

تخفيف حدة السياسة الخارجية

من غير المرجح أن يمتد الصراع الداخلي الإيراني الى السياسة الخارجية اذ وافقت القيادة على ما يبدو على تبني نهج أقل تصادمية.

وقد جاء قرارها إطلاق سراح 5 أمريكيين، منهم صحفي في جريدة "واشنطن بوست" قبل بضع ساعات من رفع العقوبات، ليظهر هذا التغير في النهج.

وأنهت طهران كذلك بسرعة واقعة حدثت، يوم الأربعاء الماضي، حين أطلقت سراح 10 من أفراد البحرية الأمريكية، بعد يوم من احتجازهم في زورقين، كانا يقلانهما بالخليج.

وقال مسؤول أمني كبير: "إنه قرار اتخذته السلطات العليا في إيران، يظهر ذلك أن هناك توافقاً على السياسة الخارجية بين صناع القرار".

وأدانت السلطات المتشددة وتلك الموالية لروحاني على حد سواء، اقتحام متظاهرين لمقر السفارة السعودية في طهران، في وقت سابق هذا الشهر، احتجاجاً على إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وقالت وسائل إعلام حكومية إنه تم إلقاء القبض على عشرات.

وقال ليلاز: "إيران تبنت بالفعل سياسة خارجية معتدلة، حتى العداء للولايات المتحدة تحول إلى عداء محكوم"، وأضاف: "شهدنا ذلك خلال واقعة احتجاز البحارة واقتحام السفارة السعودية".

وفي ظل استعداد روحاني لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن واشنطن وطهران ستواصلان التعاون في الأزمات الإقليمية ومنها صعود تنظيم "داعش".

وقال المسؤول الكبير الثاني: "تحتاج إيران وأمريكا إلى العمل معاً في المنطقة، تم كسر المحرمات وستظل قناة الاتصال هذه مفتوحة بين البلدين".

وقطعت العلاقات بين طهران وواشنطن، بعد فترة وجيزة من قيام الثورة الإسلامية عام 1979، واقتحام طلاب للسفارة الأمريكية في طهران واحتجازهم 52 رهينة من الأمريكيين لمدة 444 يوماً.

وأكد المسؤول أن هناك حدوداً للتقارب بين إيران والولايات المتحدة، وقال: "هناك مصالح مشتركة وأعداء مشتركون بينهما، حرب إيران على "داعش" في العراق وسوريا خير مثال على ذلك"، وأكمل: "إعادة العلاقات بالكامل لن تحدث".

ويقود الحرس الثوري الإيراني وقوات "الباسيج" التابعة له جهود إيران ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.

وقال فرح فاشيان: "أوضح خامنئي تماماً في خطبه العامة وفي اجتماعاته الخاصة مع المسؤولين الحكوميين أن الولايات المتحدة كانت وستظل عدواً لإيران".

وبموجب الدستور الإيراني لخامنئي وليس لروحاني القول الفصل في جميع شؤون الدولة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com