روسيا تتسلل لعمق السياسة الأوروبية عبر نافذة الأحزاب المتطرفة
روسيا تتسلل لعمق السياسة الأوروبية عبر نافذة الأحزاب المتطرفةروسيا تتسلل لعمق السياسة الأوروبية عبر نافذة الأحزاب المتطرفة

روسيا تتسلل لعمق السياسة الأوروبية عبر نافذة الأحزاب المتطرفة

باريس- يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتأثير على سياسات الاتحاد الأوروبي المتبعة تجاه بلده، بالتقرب من الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة فيه، واستضافتها في موسكو.

ويشير مراقبون إلى وجود تداخل وثيق بين بوتين والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، لا سيما أن عامة اليمينيين في أوروبا الشرقية، أعلنوا دعمهم لروسيا، عندما شنت حرباً ضد جورجيا عام 2008، إضافة إلى اجتماع قيادات حزب "جوبيك" اليميني المجري، برفقة النواب الروس، مع أكاديميين  في جامعة موسكو الحكومية عام 2013.

وأعلنت قيادات حزب النازيين الجدد (أتاكا) في بلغاريا، دعمها للرئيس بوتين، وللسياسات الخارجية لموسكو. وكال زعيم الحزب فولن سيداروف، المديح لشخص بوتين، أثناء مشاركته في حفل ميلاد الأخير الذي أتمّ عامه الـ60 في 2012.

وعقب ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، قال سيداروف، إنه في حال فرضت بلغاريا عقوبات اقتصادية على روسيا، فإنه سيسحب دعم حزبه للائتلاف الموجود في البلاد.

وتمكنت أحزاب "الحرية" النمساوي، و"الشعب" الدنماركي، و"الفجر الذهبي" اليوناني، و"استقلال المملكة المتحدة" البريطاني، و"الحريات" الهولندي، من تحقيق مكاسب مهمة في أوروبا خلال الأعوام الأخيرة، وارتبطوا بعلاقات وثيقة مع الحكومة الروسية.

وقالت المحللة السياسية إلينا بولياكوفا، خلال تقييمها للعلاقات القائمة بين الحركات الراديكالية وبوتين، إن الأخير يدعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، إيديولوجياً ومادياً، مشيرة إلى منح إحدى البنوك المملوكة من قبل الروس، والموجودة في جمهورية التشيك، مبلغاً قدره 40 مليون دولار للجبهة الوطنية الفرنسية.

وأضافت بولياكوفا، أن روسيا "لا تتبع استراتيجية إيديولوجية، إنما تلعب على كافة الجبهات الأيديولوجية، فالرئيس الروسي بوتين، يستغل كافة الأحزاب والحركات والأطياف السياسية، من أجل الإخلال بالسياسات الوطنية العامة".

وتابعت أن "أحزاب اليمين واليسار الوسط، تحافظ على بقائها، نتيجة استغلالها لمخاوف الشعب من تعاظم التطرف اليميني، في حين حذرت من تعاظم ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، في حال لم تتبع هذه الأحزاب، سياسات من شأنها تقليل مخاوف الشعب."

فرنسا

وشهدت علاقات حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مع روسيا، تطوراً متصاعداً منذ أول يوم من تأسيسها، عبر إجراء مؤسس الحزب جان ماري لوبان، في عام 1991، أول زيارة له إلى موسكو، التقى حينها فلاديمير فولفوفيتش جيرينوفسكي المعروف بتعصبه القومي، وبدأ لوبان حينها بإجراء زيارات متعاقبة إلى روسيا، وتنفيذ العديد من اللقاءات مع المسؤولين البارزين هناك.

ولدى اعتلائه رئاسة حزب الجبهة الوطنية، عقد لوبان لقاءً مع أحد الصحفيين الروس، أكد خلاله أن "على الاتحاد الأوروبي إدارة ظهره للأمريكيين والتوجه نحو روسيا، كي تستطيع التخلص من الأزمة التي تشهدها القارة".

وفي 2011، انصاع الكرملين لطلب السفير الروسي لدى باريس ألكسندر أورلوف، الذي أوصى بتأسيس موقع "بروروسيا" الناطق بالفرنسية، وذلك بهدف التحريض لصالح الروس، وفي عام 2012، تأسس الموقع، وشارك فيه مسؤولون سابقون في حزب الجبهة الوطنية الفرنسية.

وتبع هذه الخطوة، تعاقد العاملين في حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مع عدد من شركات الإعلام، -من بينها وكالة تاس الروسية- مقابل مساعدات نقدية بلغت قيمتها 415 ألف يورو.

ومن أبرز الدلائل على عمق العلاقة بين روسيا وحزب الجبهة الوطنية الفرنسية، تلك الإشاعات التي أفادت بقيام إحدى البنوك الروسية (First Czech Russian Bank)، بإقراض الحزب، 40 مليون يورو.

وعقب تعاظم الأنباء حول عملية الاقتراض في الإعلام الفرنسي، فندت رئيسة الحزب مارينا لي بين الأنباء الواردة حول وجود علاقة بينها وبين البنك الروسي، وادعت أن البنوك الفرنسية والأوروبية، لا تقوم بمنح حزبها القروض اللازمة.

وأجرت لي بين، عقب الاستفتاء بشهر، زيارة رسمية إلى موسكو، وذلك تلبية لدعوة رئيس قسم العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسية "ألكسندر بوشكوف".  

اليونان

وعلاوة على توطيد علاقته مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، يقوم الرئيس الروسي بتوثيق ارتباطاته مع العديد من الأحزاب اليسارية المتطرفة.

وكشفت وسائل الإعلام، استناداً إلى تسريبات من البريد الإلكتروني للأيديولوجي الأوراسي ألكسندر دوغين، وجود علاقة بين حزب سيريزا اليوناني، والأوليغاشية الروسية.

وأفاد الباحث في سياسات الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا انطون شيخوفتسوف، بأن "الرسائل المسربة لدوغين، توضح سعي روسيا لتحضير سياسيين ومفكرين في القارة الأوروبية، ليعملوا على دعم التوجه الروسي".

وقال ألكسندر أوملاند العامل في أكاديمية كيفس موهيلا، إن "دوغين، ومنذ أكثر من 20 عاماً، لديه ارتباطات مع العديد من الأشخاص ذات الثقافة العالية، والذين يحملون ميولاً يمينية، سواء في فرنسا أو بريطانيا أوإيطاليا أو بلجيكا".

ولعب النائب البرلماني اليوناني غافريل أفراميديس، دوراً كبيراً في تأسيس الاتفاق الروسي اليوناني عام 2011، والذي يهدف إلى زيادة حجم التعاون بين البلدين على كافة الصعد.

وعلى غرار ذلك، فإن إشاعات قوية تفيد بوجود علاقات قوية بين حزب الفجر الذهبي اليوناني وروسيا منذ عام 1990، وأن للحزب مكاتب في أثينا، مختصة لتسيير الأموال الروسية التي تدخل إلى البلاد بطرق غير شرعية.

بريطانيا

وانتقد عدد من الساسة ووسائل الإعلام في بريطانيا، نيغل بول فيرغي، زعيم حزب "استقلال المملكة المتحدة" المعارض لوجود بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، لعلاقاته الوطيدة مع الروس.

وقال فيرغي، في أحد المؤتمرات الصحافية، إنه "يرى في شخص بوتين، السياسي والاستراتيجي اللامع".

ويقول محللون إن "سبب الاستياء من سياسات حزب استقلال المملكة المتحدة، هو التوافق الحاصل بين سياساته تجاه روسيا والعداء للاتحاد الأوروبي".

النمسا

من جانب آخر، فإن العلاقات القائمة بين الأحزاب اليمينية المتطرفة النمساوية وروسيا، آخذة بالتطور، فالعامل المشترك الذي يربط هذه الأحزاب بروسيا، هو عداءهما للاتحاد الأوروبي.

وعارض حزب الحريات اليميني المتطرف في النمسا، العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، في حين أعلن الحزب نفسه عن دعمه المطلق لإلحاق شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا، إلى الأراضي الروسية.

وفي هذا السياق، أجرى رئيس حزب الحريات النمساوي هاينز كريستيان ستراتش، زيارة رسمية إلى موسكو، العام الماضي، التقى خلالها مع وزير خارجيتها سيرغي لافروف، وشارك في اجتماع الطاولة المستديرة لحل الأزمة الأوروبية.

وخلال الاجتماع، قال ستراتش: لا يمكن قبول العقوبات الاقتصادية التي تفرضها أوروبا على روسيا، في ظل تقدم حلف شمال الأطلسي باتجاه الحدود الروسية".

وصرح ستراتش بأن "إلحاق روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها، تأتي ضمن إطار الحفاظ على سلامة الأقليات الروسية الموجودة شمالي أوكرانيا"، واصفاً هذه الخطوة بـ"التاريخية".

وبالتزامن مع هذه العلاقات، تم تأسيس مركز في العاصمة الروسية موسكو، تحت اسم "مركز الصداقة الروسية النمساوية"، ضمت أعضاء من الجانب الروسي وممثلين عن أحزاب اليمين النمساوية.

وقام ألكسندر دوغين ممثل المدرسة الأوراسية الفكرية والمعروف بقربه من الرئيس، برفقة ممثل حكم القلة في روسيا كونستانتين مالوفييف، بجمع اليمينيين المتطرفين في العاصمة النمساوية فيينا، في أيار/ مايو الماضي.

وخلال تقييمه للعلاقات القائمة بين اليمينيين النمساويين وروسيا، قال فريد حافظ، عضو الكادر التدريسي في كلية العلوم السياسية بجامعة "سرازبوغ" والخبير في مجال الإسلاموفوبيا، إن "هناك علاقة وطيدة بين الأحزاب اليمينية المتطرفة في روسيا، والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وعلى رأسها حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الحريات النمساوي".

وأضاف حافظ أن "الذي يجمع بين الأحزاب اليمينية والقيادة الروسية، هو اشتراك الطرفين في السياسات العدائية لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ومعروف للجميع أن الأحزاب اليمينية، تسعى لنشر السياسات التي تهدف إلى التقارب مع روسيا، وذلك من خلال تشكيل لوبيات تعمل من أجل هذا الهدف، كما أنه من المعروف أن روسيا تدعم بعض اليمينيين المتطرفين داخل الاتحاد الأوروبي".

إسبانيا

وتستمر النقاشات الحادة حيال قيام القيادة الروسية بتقديم الدعم المادي لحزب "بوديموس" اليساري المتشدد، منذ أول يوم تأسس فيه، بتأكيد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل جارسيا مارجايو، أنهم تلقوا معلومات حول وصول دعم مادي للحزب المذكور، من فنزويلا وروسيا وحتى إيران.

وعقب اجتياح الروس لشبه جزيرة القرم، ادعت قيادات بوديموس، أن الاتحاد الأوروبي "يمارس سياسة ازدواجية المعايير بالنسبة لإسرائيل وروسيا، إذ نددت بصمت الأوروبيين حيال احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وشجبت في الوقت ذاته، العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا نتيجة ضم شبه جزيرة القرم لأراضيها".

هولندا

وفي هولندا، بدأ حزب الحريات الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، المعروف بعدائه الشديد للمسلمين والأجانب، بإظهار معارضته للسياسات الأوروبية الخارجية، وتعاطفه مع الروس.

ولدى تصريحاته لعدد من القنوات التلفزيونية الروسية، يتجنب فيلدرز، توجيه انتقادات للقيادة الروسية، في حين يبدي استياء واضحاً من السياسات الأوروبية حيال أزمة القرم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com