السلطات تجاهلت الكثير من علامات الخطر قبل هجمات باريس
السلطات تجاهلت الكثير من علامات الخطر قبل هجمات باريسالسلطات تجاهلت الكثير من علامات الخطر قبل هجمات باريس

السلطات تجاهلت الكثير من علامات الخطر قبل هجمات باريس

باريس- مرة تلو المرة ضيع المسؤولون فرصا كان من الممكن فيها وقف الشبان الذين شنوا هجمات باريس.

ففي يناير/ كانون الثاني، اعتقلت السلطات التركية واحدا من المفجرين الانتحاريين على الحدود التركية، وقامت بترحيله إلى بلجيكا.

وقال مصدر أمني تركي، إن السلطات التركية أخطرت الشرطة البلجيكية حينذاك أن ابراهيم عبد السلام "تحول إلى متشدد"، وإن ثمة شبهات أنه يريد الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

ومع ذلك فخلال استجوابه في بلجيكا نفى عبد السلام تورطه في أي شيء مع المتشددين وأطلق سراحه. وكذلك أطلق سراح شقيقه صلاح، وقالت السلطات البلجيكية إن هذا القرار اتخذ على أساس ضعف الأدلة على وجود أي نوايا إرهابية لدى أي منهما.

وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني فجر عبد السلام نفسه في حانة لو كومتوار فولتير في باريس فقتل نفسه وأصاب شخصا آخر. كذلك يشتبه أن صلاح شارك في الهجمات التي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنه وهو الآن هارب من الشرطة.

وفي فرنسا صدر ملف أمني خاص لإسماعيل عمر مصطفاي الفرنسي من أصل جزائري الذي فجر نفسه داخل قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية. وتصدر هذه الملفات للمشتبه أنهم يمثلون خطرا على الأمن الوطني.

وقالت مصادر بالشرطة الفرنسية إن مصطفاي كان على القائمة في عام 2010.

كما اعتبرته الشرطة التركية من مشبوهي الإرهاب ممن لهم صلات بتنظيم الدولة الإسلامية. وقال مسؤول كبير بالحكومة التركية، إن أنقره خاطبت باريس بشأنه في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، وفي يونيو/ حزيران من هذا العام، وقوبل هذا التحذير بالإهمال، وردت باريس في الأسبوع الماضي بعد الهجمات.

ولم يلتزم مهاجم رابع بضرورة الاتصال بالشرطة الفرنسية أربع مرات على مدار أربعة أسابيع متوالية على الأقل في عام 2013 قبل ان تصدر السلطات أمرا بالقبض عليه، وقبل إلقاء القبض عليه كان قد غادر البلاد.

وفي أي من هذه المناسبات كان أمام الشرطة وأجهزة المخابرات والأمن الفرصة لاعتقال بعض ممن شنوا الهجمات على الأقل.

ويسهم ذلك في تفسير كيف استطاعت مجموعة من المتطرفين الإسلاميين تنظيم أنفسهم وهم يتنقلون بحرية من بلد لآخر عبر الحدود المفتوحة بين الدول الأعضاء في منطقة شينجن وخارجها.

وتقول الأجهزة الأمنية، إن ثمة تفسيرا لكل زلة على حدة. وتعزو الأجهزة الثغرات في الاتصالات والعجز عن مواصلة متابعة متشددين ممن تحوم حولهم الشبهات والفشل في التحرك بناء على معلومات الاستخبارات إلى نقص في الموارد في بعض الدول وإلى ارتفاع عدد الراغبين في الجهاد.

لكن فحصا دقيقا لسلسلة من علامات الخطر وسوء الاتصالات بلغت ذروتها في أكبر هجوم من نوعه تشهده فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، يسلط الضوء على الصعوبات المتزايدة التي تواجهها وحدات مكافحة الإرهاب في مختلف أنحاء أوروبا وقدرتها على حماية القارة مستقبلا.

 

وقالت رئيسة لجنة التحقيق في شبكات الجهاديين بمجلس الشيوخ الفرنسي، ناتالي جوليه "نحن في وضع تعرضت فيه الأجهزة للاكتساح. فهي تتوقع أن يحدث شيء لكنها لا تعلم أين سيحدث".

 

ويشير كثيرون إلى بلجيكا باعتبارها حلقة ضعيفة في الأمن الأوروبي.

وقال الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في فرنسا، لوي كابريولي "ببساطة ليس لديهم الوسائل التي يملكها جهاز إم آي 5 البريطاني وجهاز الاستخبارات الفرنسي (دي.جي.إس.آي)".

ودافع رئيس وزراء بلجيكا شارل ميشيل عن الأجهزة الأمنية في بلاده وأشاد بها، قائلا إنها تؤدي "مهمة صعبة وعسيرة".

كما أثنى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند على الأجهزة الأمنية في بلاده التي تعقبت الرجل الذي ذكرت أنه زعيم المجموعة عبد الحميد أبا عود وقتلته بالرصاص بعد خمسة أيام من وقوع الهجمات.

وتقول وكالة الشرطة بالاتحاد الأوروبي (يوروبول)، إنها تزود السلطات البلجيكية والفرنسية بالمعلومات، لكنها سلمت بأن بعض الدول الأعضاء أفضل من غيرها في مجال تبادل المعلومات.

* العائدون من سوريا

وخلال السنوات القليلة الماضية كان تركيز المحققين على الرجال والنساء الذين نشأوا في أوروبا وأصبحوا يحملون جوازات سفر أوروبية وسافروا إلى سوريا للتدريب والمشاركة في القتال.

ومع تزايد أعداد هؤلاء المقاتلين بذلت السلطات جهودا كبيرة لمجاراتها. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية إن نحو 500 من الرعايا الفرنسيين سافروا إلى سوريا وأن نحو 300 منهم عادوا.

وتقدر السلطات الفرنسية، أن ما يصل إلى 1400 شخص يحتاجون لرقابة دائمة على مدار الساعة، ومع ذلك فإن عدد الضباط المسؤولين عن تنفيذ هذه المهمة يمثل عشر العدد المطلوب.

وقد توجه نحو 350 شخصا من بلجيكا إلى سوريا للمشاركة في القتال وهو ما يمثل أكبر عدد من أي دولة أوروبية مقارنة بعدد السكان، وقال مصدر حكومة بلجيكي إن بلجيكا لديها قائمة تضم 400 شخص إما موجودون في سوريا أو عادوا منها أو يعتقد أنهم في طريقهم إليها.

 

وهناك أيضا ما بين 400 و500 شخص تعتقد السلطات إنهم تحولوا إلى التشدد. ومن المعتقد أن عدد الضباط في الخدمات الأمنية البلجيكية الذين يقومون بأعمال المراقبة أقل من ذلك بكثير.

وتفسر الأعداد في جانب منها سبب أن الكثير من المهاجمين في باريس من الوجوه المألوفة بين الهاربين.

وأسفرت الهجمات عن مقتل 130 شخصا في مواقع مختلفة من بينها قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية حيث سقط 89 قتيلا. وقتل آخرون خارج استاد فرنسا الرياضي وفي حانات ومطاعم في مناطق مختلفة بوسط باريس.

ولقي سبعة مهاجمين حتفهم في الهجمات. وقتل أباعود عندما داهمت الشرطة منزلا في شمال باريس، يوم الأربعاء، وقتل معه أيضا مهاجم انتحاري آخر وامرأة يعتقد أنها قريبته.

واعتقلت السلطات العشرات وضبطت أسلحة ومتفجرات في مداهمات منذ ذلك الحين.

وقد كان أبا عود (28 عاما) معروفا للسلطات منذ عدة سنوات. وبعد مداهمة في يناير في بلدة فرفييه البلجيكية اشتبهت الشرطة أنه يخطط لاختطاف ضابط شرطة وقتله.

وفي فبراير/ شباط، قال أبا عود في مقابلة مع مجلة يصدرها تنظيم الدولة الإسلامية، إنه عاد إلى سوريا بعد المداهمة التي وقعت في فرفييه. وحينها كان يعلم أنه من المطلوبين.

وإذا صح أنه عاد إلى سوريا من فرفييه فقد شق طريق عودته إلى أوروبا بعد يناير/ كانون الثاني، إذ أن السلطات الفرنسية لم تعرف ذلك حتى أخطرتها السلطات المغربية بعد الهجمات.

وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "إذا كان أبا عود استطاع التنقل من سوريا إلى أوروبا فهذا معناه أن ثمة فشل في النظام الاوروبي بأسره".

 * تحذيرات

كما سافر مصطفاي الذي فجر نفسه في باتاكلان ذهابا وإيابا. ورغم صدور ثمانية أحكام بإدانته في جرائم بسيطة فلم يدخل السجن قط رغم أن بوسع السلطات الفرنسية أن تراقب في السجون أي بوادر على الاتجاه للتشدد الديني.

وتقول الشرطة إنها تشتبه أنه كان في سوريا بين أواخر 2013 وأوائل 2014 قبل أن يعود خلسة إلى فرنسا.

وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي أجرت تركيا اتصالات بفرنسا فيما يتعلق بمصطفاي. وأطلقت جرس الإنذار مرة أخرة في يونيو/حزيران 2015 عن طريق إرسال رسالة.

وقال مسؤول كبير بالحكومة التركية ومصدر أمني، إن تركيا لم تتلق أي رد من السلطات الفرنسية.

وقال المصدر الأمني التركي "بدا أن ثمة صلة بين ذلك الشخص وداعش وأبلغنا عن ذلك. اتبعنا كل الإجراءات الدولية. لكنهم (الفرنسيون) لم يبدوا نفس مستوى الحساسية".

وامتنع مسؤولون فرنسيون عن التعليق على ذلك، لكنهم يقولون إن التنسيق مع تركيا فيما يتعلق بالفرنسيين الذين يحتمل أن يكونوا من الجهاديين شهد تحسنا ملحوظا في العام الأخير.

ويقول خبراء إن تحديد مدى خطورة شخص ما وما إذا كان على استعداد لشن هجوم يمثل تحديا كبيرا للأجهزة الأمنية.

وقال أرنو دانجان، الضابط السابق بالمخابرات، الذي أصبح الآن عضوا في البرلمان الاوروبي: "الصعوبة الأخرى هي أنه إذا لم يكن لديك شيء ملموس لعدة سنوات لا يمكنك أن تظل تحتفظ بنظام إنذار تقني معقد أو موارد بشرية لشخص واحد يتعمد أن يجعل من نفسه شخصية منسية لثلاث أو أربع سنوات".

وكان بلال حادفي الذي فجر نفسه خارج استاد فرنسا من المهاجمين الذين كانوا تحت رقابة السلطات.

وبعد أن زار بلال - الفرنسي الجنسية البالغ من العمر 20 عاما المقيم في بلجيكا - سوريا في فبراير/ شباط عاد إلى أوروبا بطريق غير معلوم وتفادى الشرطة، رغم أن وزارة العدل البلجيكية قالت إن أدوات تنصت وضعت في البيت الذي كان من المعتقد أنه يعيش فيه.

ثم هناك حالة سامي عميمور. فقد بدأت السلطات الفرنسية تحقيقا رسميا في أنشطة عميمور التي يحتمل أن يكون لها صلة بالإرهاب في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2012، واشتبه المحققون أنه كان يخطط للانضمام إلى متشددين في اليمن.

كان عميمور سائق حافلة اتجه للتشدد الديني في مسجد بالقرب من مدينته درانسي الواقعة إلى الشمال من باريس. وبسبب التحقيق أمرت الشرطة عميمور بأن يقدم نفسه لها كل أسبوع وذكرت رويترز في 20 نوفمبر تشرين الثاني أنه غاب أربع مرات كان من المقرر أن يقدم فيها نفسه للشرطة عام 2013. لكن السلطات لم تصدر أمرا دوليا بالقبض عليه إلا بعد قرابة شهر.

وفي ذلك الحين كان عميمور موجودا بالفعل في سوريا. وعرفت السلطات خطواته بعد عام في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014 عندما أجرت صحيفة لوموند اليومية مقابلة مع والده وصف فيها كيف سافر إلى سوريا لكنه فشل في إقناع ابنه بالعودة.

* رجال الحانة

وما زالت الشرطة تبحث عن صلاح عبد السلام الذي لم يصبه أذى في الهجمات.

وقبل الهجمات بسبعة أسابيع فحسب كان صلاح وشقيقه ابراهيم - أحد الانتحاريين - يديران حانة اسمها ليه بيجين في شارع هادئ في حي مولينبيك في بروكسل وهي منطقة منخفضة الإيجارات ربطتها صلات بعدة هجمات.

وبعد الهجمات اختفى صلاح عبد السلام. وتقول السلطات إن الشرطة أوقفته في طريق عودته إلى بلجيكا بعد هجمات باريس، لكن الشرطة تركته يمضي لحال سبيله. وليس من الواضح ما الدور الذي لعبه في ليلة الهجمات ولماذا ظل على قيد الحياة.

وقال رجلان اعتقلا لاحقا هما محمد عمري (27 عاما) وحمزة عطو (21 عاما) إنهما نقلا عبد السلام مرة أخرى إلى بروكسل بعد أن تلقيا مكالمة منه، قال فيها إن سيارته تعطلت. وأظهرت بيانات الشرطة إنه تم وقفهم ثلاث مرات من بينها مرة أخيرة نحو الساعة التاسعة صباحا قرب كامبراي قبل الحدود البلجيكية مباشرة.

ولم تقتصر الزلات الأمنية على فرنسا وبلجيكا، فجواز السفر السوري الذي عثر عليه بالقرب من مفجر انتحاري عند استاد فرنسا استخدمه رجل سجل نفسه كلاجئ في جزيرة ليروس اليونانية في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول. وقالت مصادر استخباراتية وأمنية إن هذا الرجل سافر عبر مقدونيا وطلب اللجوء في صربيا.

وقد أكد المدعي الفرنسي إن بصمات الأصابع التي أخذت له لدى وصوله إلى اليونان أوضحت أنه كان يسافر مع رجل آخر فجر نفسه أيضا قرب استاد فرنسا.

وربما وصل الاثنان إلى باريس بسهولة نسبيا، لأن السلطات كانت تسارع في ذروة أزمة الهجرة الاوروبية هذا العام بنقل طالبي اللجوء عبر الحدود الوطنية دون تدقيق.

وليس من الواضح ما إذا كان جواز السفر الصادر باسم أحمد المحمود (25 عاما) من مدينة إدلب السورية حقيقيا أم مسروقا من لاجيء. وأيا كانت الحقيقة فقد ساهم ذلك في تغذية انتقادات اليمينيين في أوروبا لعدد المهاجرين الذين سمح لهم بالدخول هذا العام.

وفي الوقت الذي كان الاثنان يشقان فيه طريقهما عبر البلقان إلى أوروبا الغربية كانت فرنسا قد تلقت المزيد من الأدلة على أن ثمة هجوما وشيك.

ويقول مارك تريفيدي القاضي الفرنسي السابق في قضايا الإرهاب، إن إسلاميا فرنسيا قام هو باستجوابه لدى عودته من سوريا في أغسطس/ آب، قال إن تنظيم الدولة الإسلامية طلب منه تنفيذ هجوم في حفل موسيقي.

وقال تريفيدي "اعترف الرجل بأنهم طلبوا منه استهداف حفل موسيقي. لم نعرف ما إذا كان باتاكلان أم غيره. ولم يعرف هو الموقع الذي يمكن أن يستهدف على وجه التحديد. لكن بالفعل هذا هو ما طلبوا منه أن يفعله".

وقال وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، أيضا، إن أجهزة الاستخبارات في بلاده تبادلت معلومات تشير إلى أن فرنسا مستهدفة بهجوم هي والولايات المتحدة وإيران، ولم يذكر تفاصيل.

كما يحقق المدعي العام في ألمانيا في اتهامات بأن رجلا جزائريا اعتقل في مركز للاجئين في مدينة ارنسبرج الغربية أبلغ لاجئين سوريين أن ثمة هجوما وشيكا في العاصمة الفرنسية.

وقد سارعت أوروبا لسد الثغرات بعد الهجمات.

وأعلنت فرنسا حالة الطوارئ على مستوى البلاد على أن تستمر ثلاثة أشهر. وأصبح لدى الشرطة الآن السلطة لإجراء عمليات تفتيش دون الحصول على إذن قضائي كما أن بوسعها احتجاز أي شخص يشتبه أنه يمثل خطرا على الأمن رهن الاعتقال المنزلي لمدة 12 ساعة يوميا.

ومن الممكن أيضا إغلاق مواقع الانترنت التي يعتقد أنها تحرض على "أعمال الإرهاب" أو تنادي بها وكذلك منع المظاهرات العامة.

وأعلنت بلجيكا أيضا شن حملة أمنية، وقالت إنها ستنفق 400 مليون يورو (430 مليون دولار) إضافية على الأمن وستتخذ إجراءات مثل وقف بيع خطوط الهواتف المحمولة لمشترين مجهولين.

وستسمح بلجيكا للشركة بإجراء عمليات تفتيش ليلية للبيوت. كذلك تم تسهيل منع الدعاة الذين يحضون على الكراهية أو تقديمهم للمحاكمة أو طردهم.

وليس من المؤكد ما إذا كانت هذه التدابير ستكفي.

وقد رفعت حالة التأهب في بروكسل، مطلع الأسبوع، بسبب ما تصفه السلطات بأنه خطر شديد ووشيك. وفي مقطع فيديو نشر الأسبوع الماضي حذر تنظيم الدولة الإسلامية من أنه سيضرب من جديد.

وقال رولان جاكار، رئيس المرصد الدولي للارهاب ومقره باريس "عندما يتم الإعداد لعملية كبيرة يطلب منهم عدم الظهور في الأشهر التي تسبقها. ولأنهم لا يصبحون على شاشات رادارات الشرطة، فإن البحث عنهم يصبح أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com