إسرائيل وصناعة الأعداء الجُدد بعد انشغال أعدائها التقليديين
إسرائيل وصناعة الأعداء الجُدد بعد انشغال أعدائها التقليديينإسرائيل وصناعة الأعداء الجُدد بعد انشغال أعدائها التقليديين

إسرائيل وصناعة الأعداء الجُدد بعد انشغال أعدائها التقليديين

تروج العديد من الشخصيات السياسية والفكرية الإسرائيلية منذ فترة لمصالح مشتركة مستجدة بين إسرائيل وحركة حماس، قد تدفع باتجاه وقف العداء المتبادل، والدخول في هدنة طويلة الأمد.

كما تروج نفس الشخصيات إلى أنه بات بالإمكان النظر إلى حزب الله اللبناني من نفس المنطلق، وبخاصة وأن جبهة جنوب لبنان فقدت زخمها، نظرا لانشغال المنظمة بالقتال في سوريا.

ويعتمد تماسك المجتمع الإسرائيلي وتوجهاته السياسية على وجود دعاية قوية ووسائل إعلام تروج لوجود عدو خارجي، يشكل تهديدا أمنيا أو وجوديا.

كما يتم في بعض الأحيان صناعة أعداء مؤقتين لخدمة أغراض محددة، قبل أن يتم تدارك الموقف بعد تحقيق النتائج.

ومن الممكن النظر إلى حالة "عرب إسرائيل" إبان الانتخابات العامة الأخيرة، في هذا الإطار، حين وضعهم اليمين الإسرائيلي في خندق الأعداء، قبل أن تبادر شخصيات عامة وسياسية بالاعتذار، بعد أن تحققت النتائج.

مأزق غياب الأعداء

وتواجه الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد مأزقاً يتعلق بتلاشي الأعداء التقليديين تدريجيا، والذين كان الترويج لخطرهم فيما مضى سببا في تماسك المجتمع الإسرائيلي، ودفعه باتجاه اليمين المتطرف، على أمل مواجهة هؤلاء الأعداء، وعلى رأسهم حماس وحزب الله.

ومع ظهور التيار الذي يطالب بإعادة النظر في العلاقات مع هاتين المنظمتين، وهو تيار تقف على رأسه شخصيات أمنية رفيعة المستوى، بما في ذلك رؤساء سابقين لجهاز (الموساد) وشخصيات فكرية وأكاديمية، بات من المتوقع أن تبحث تل أبيب عن أعداء جدد، من شأنهم أداء الغرض ذاته، والذي مكن الحكومات الإسرائيلية منذ زمن من البقاء، على الرغم من الفساد واضطهاد الأقليات، والخلافات السياسية التي لا تتوقف.

خلافات نتنياهو – أوباما

وطوال الشهور الماضية روجت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى كون الإدارة الأمريكية تقف في جبهة العداء ضد إسرائيل فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، ويُتهم الكثير من المسئولين السياسيين والمفكرين بتقديم تنازلات لا تتوقف للجانب الإيراني، بهدف تمرير الاتفاق، دون النظر إلى الملاحظات والاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.

ويعتقد مراقبون أن تلك الدعاية المكثفة نجحت في تحقيق جانب من أهدافها حتى الآن، حيث منحت المفاوض الإيراني الفرصة للظهور أمام الشارع داخليا كمن يسير في مسار لا ترضاه تل أبيب، وبالتالي سيعتبر أي اتفاق يتم التوقيع عليه من هذه الزاوية انتصاراً على الإرادة السياسية الإسرائيلية بشكل مفترض، ونجاحا للدبلوماسية الإيرانية أمام الرأي العام في طهران.

ويرى المراقبون أن مسألة العداء (التكتيكي) بين واشنطن وتل أبيب تعبر عن مناورة مدروسة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها أن تتنازل عن تحالفها مع إسرائيل لأي سبب كان، وأن تلك الظاهرة التي تحمل عنوان "خلافات نتنياهو – أوباما" تخفي وراءها دعما أمريكيا غير مسبوق على جميع الأصعدة، كما أنها كانت سببا في التفاف الجمهور الإسرائيلي حول الأحزاب اليمينية، بصفتها في عداء مع واشنطن، ما ساهم في إسقاط اليسار الإسرائيلي.

إيران عدو استراتيجي

وتنتقد الحكومة ورجال الفكر الإسرائيلي الاتفاق النووي المزمع مع إيران، وتقول إنه يعج بالثغرات، ولا يلبي المتطلبات الأمنية الإسرائيلية، أو على الأقل لا يتضمن اعتراف طهران بحق إسرائيل في الوجود، وبالتالي تسعى إسرائيل إلى الإبقاء على إيران كعدو استراتيجي، حتى بعد التوقيع على الاتفاق النووي، وبخاصة مع الحديث عن تراجع رغبة حزب الله وحماس في الدخول في حرب ضدها في الفترة الحالية.

وبالتالي يتوقع المراقبون أن يشكل الخطر الإيراني المفترض على أمن إسرائيل ووجودها، الورقة الرابحة للحكومة الإسرائيلية الحالية وما بعدها، حيث أن تلاشي الخطر الإيراني من الأجندة السياسية والإعلامية الإسرائيلية يعني أنه لم يعد هناك مبرر لإنفاق مليارات الشواكل على تطوير النظم الدفاعية، أو وجود اليمين المتطرف نفسه على رأس السلطة.

داعش لا يعير إسرائيل اهتماما

وحاولت الحكومة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة الدق على وتر تنظيم داعش أو التنظيمات المتشددة التي ظهرت مؤخرا في سوريا، وردد الإعلام الإسرائيلي نغمة أن تلك التنظيمات تسعى لفتح جبهة جديدة في الجولان، في محاولة لصناعة عدو حدودي جديد، يمكنه أن يشكل ذريعة ومبررا لأي خطوات إسرائيلية مستقبلية، تتعلق بخدمة متطلبات سياسية محددة.

وفقدت تلك المزاعم زخمها تدريجيا بعد أن تبين أن تلك التنظيمات لا تعير اهتماما بشن هجمات ضد إسرائيل، ما أدى بحسب مراقبين إلى محاولة افتعال قضية الدروز في سوريا، بهدف إثارة الشارع الدرزي الإسرائيلي وتصوير الأمور على أن "أشقائهم في الجانب السوري يقفون أمام خطر الإبادة"، في محاولة لاستجلاب خطر يرفض أن يظهر، وتقريبه من الحدود الإسرائيلية.

السلطة الفلسطينية كعدو بديل

ويحاول الإعلام الإسرائيلي في الفترة الأخيرة تبرير عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة من آن إلى آخر، وينسب ذلك دائما إلى تنظيمات سلفية، يقول إنها تحاول جرها إلى حرب ضد حماس. وتنشر وسائل الإعلام العبرية من آن إلى آخر تقارير حول وجود تنظيمات أخرى في غزة تستهدف إسرائيل وتسعى لبناء أنفاق هجومية، وكانت آخر تلك المزاعم ما يتعلق بالصعود المفاجئ لـ"كتائب شهداء الأقصى" التابعة لحركة فتح، في قطاع غزة، أو تنظيمات أخرى تقول أنها تنتمي لداعش.

وفي الآونة الاخيرة تتردد في إسرائيل نغمة ثابتة حول كون السلطة الفلسطينية تقود مخططات على الصعيد الدولي، وتبادر بخطوات أحادية الجانب، وتدعم دعوات مقاطعة إسرائيل دوليا، فيما تطالب شخصيات سياسية إسرائيلية صراحة بـ"التعامل معها كمنظمة إرهابية، ووقف أي محاولات للتفاوض معها، فضلا عن وقف التعاون الأمني والتنسيق بين الجانبين".

ويرى مراقبون أنه على الرغم من سير تلك الخطوات بشكل بطئ وغير ملحوظ نسبيا، ولكنه من المتوقع أن يثمر عن متغيرات كبيرة على المدى المتوسط والبعيد، حال لم تحدث تطورات مفاجئة. كما يرون أن إعطاء إسرائيل المجال لكل من حزب الله وحماس للقتال في الجبهات الأخرى، أي في سوريا بالنسبة لحزب الله، وضد التنظيمات السلفية بالنسبة لحماس، وعدم قيامها بالتصعيد ضدهما، يعني على الصعيد السياسي "بادرة حسن نية من جانبها تجاههما".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com