فورين بوليسي: انسحاب بايدن من أفغانستان قد يجعل مشكلة الصين أكثر صعوبة
فورين بوليسي: انسحاب بايدن من أفغانستان قد يجعل مشكلة الصين أكثر صعوبةفورين بوليسي: انسحاب بايدن من أفغانستان قد يجعل مشكلة الصين أكثر صعوبة

فورين بوليسي: انسحاب بايدن من أفغانستان قد يجعل مشكلة الصين أكثر صعوبة

رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في تقرير لها، أن هناك العديد من المبررات الإستراتيجية والسياسية لقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، وإنهاء دور الولايات المتحدة في الصراع.

وتقول المجلة إن الابتعاد عن عمليات مكافحة التمرد المبالغ فيها أمر منطقي، إذ أصبح من الواضح أن فكرة بناء دولة أفغانستان لن تتحقق، ويبدو أن ثمن الحفاظ على العمليات الحالية في أفغانستان مرتفع للكثيرين، وربما الأهم من ذلك، أن الرأي العام الأمريكي قد توتر بشأن الحرب.

وتضيف: "إذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فهو الانسحاب من أفغانستان، فقد نشر ترامب بيانا صحفيا أشاد فيه بالرئيس الحالي بايدن على هذا القرار".

ومع ذلك، اعتبرت المجلة أن التبرير بأن الانسحاب الكامل من أفغانستان سيعزز بطريقة أو بأخرى المنافسة الإستراتيجية الأمريكية مع الصين، خاطئ، مشيرة إلى أن ما سيحدث هو العكس.



وأشار التقرير إلى أن النظرية السائدة هي أن الانسحاب الأمريكي ضروري لتوفير كل الوسائل والطرق المتاحة للتحدي من الصين، ومن هذا المنطلق، فإن الأصول والنظم والقوات والقدرات العقلية المستخدمة في أفغانستان مطلوبة في أماكن أخرى.

وقال إنه لا يجب على الولايات المتحدة أن تخصص الموارد الرئيسية لما يعتبر مشكلة ثانوية، وهي تحتاج إلى الالتزام بكل ما لديها لمواجهة التهديد الصيني المتزايد، إذ يعتبر إعادة تركيز مؤسسات الأمن القومي الأمريكية بأكملها على بكين جهد خارق ويجب أن يكون خاليا من التشتت.

ووفقا للتقرير، فإن أنصار الانسحاب يجادلون بأنه سواء كانت النتيجة في أفغانستان هي حرب أهلية مطولة أو انهيار حكومتها المنتخبة، فلن تؤثر النتيجة بقدر كبير على المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، فلم يعد هناك موارد متوفرة حتى لو كانت التهديدات لاتزال موجودة، ولذلك وجب اتخاذ القرار الصعب.

إلا أن المجلة أشارت إلى أن هذا التفكير مضلل، حيث يمكن للحفاظ على وجود أمريكي متواضع في أفغانستان أن يعزز المنافسة مع الصين بدلا من أن يعيقها، حيث سيكون الانسحاب الكامل خطأ جيوستراتيجيا، وذلك لأن أفغانستان تعتبر جزءا من رقعة الشطرنج الآسيوية الأوسع نطاقا التي تتنافس عليها الولايات المتحدة إستراتيجيا مع الصين.



وتشير المجلة إلى أنه وعلى سبيل المثال، فإن القاعدة الجوية الأمريكية في مدينة "باغرام" في أفغانستان، أقرب إلى الصين من أي قاعدة تحت قيادة الوحدة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأفغانستان هي الدولة الوحيدة التي تستضيف قوات الولايات المتحدة وتشترك في الحدود البرية مع الصين.

وقالت المجلة إنه مع الانسحاب، ستكون أقرب قاعدة للقيادة المركزية الأمريكية على بعد 1300 ميل من الصين، في قطر، حيث ستعمل بكين بالفعل  على ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة، ففي اللحظة التي قال فيها ترامب إنه سينسحب، أعلنت الصين أن مبادرة الحزام والطريق ستمتد إلى أفغانستان.

وأضافت: لقد استفادت بكين من استثماراتها في مبادرة الحزام والطريق في أماكن أخرى لتأمين المرافق العسكرية ذات الاستخدام المزدوج من كمبوديا إلى جيبوتي عبر المحيط الهندي، ومن المتوقع أن تحل القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي محل قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في السنوات المقبلة في "باغرام"، بينما تسعى الحكومة الأفغانية اليائسة إلى طلب المساعدة لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة.

وأكد التقرير أن هذا من شأنه أن يعزز النفوذ الإستراتيجي للصين بقدر كبير إلى ما هو أبعد من أفغانستان إلى وسط وجنوب غرب آسيا، وفي حين تمتلك الولايات المتحدة تحالفات قوية ووجود موزع لتشكيل السلوك الصيني في غرب المحيط الهادئ، إلا أن أفغانستان لا تزال الوجود الوحيد لحلف شمال الأطلسي بالقرب من المنطقة الغربية للصين، ولا يجب أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها في جوار الصين، بينما تسعى بكين لمد نفوذها في الجوار الأمريكي.



وقالت المجلة: إن من شأن الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي أن يقوض أمن الهند، أهم شريك إستراتيجي جديد للولايات المتحدة لمواجهة الضغط الصيني.

ولفتت إلى المبادرة الإستراتيجية الأكثر نجاحا لإدارة بايدن حتى الآن، وهي رفع الحوار الأمني الرباعي إلى تجمع على مستوى القمة يعالج التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال التقرير إن للولايات المتحدة مصلحة واضحة في توسيع الهند لقوتها في المجال البحري، وأن تكون مصدرا للأمن في المنطقة، وإذا صمدت الحكومة الأفغانية بعد انسحاب الولايات المتحدة، فمن المرجح أن يزداد الوجود الإستراتيجي للصين ونفوذها على الجناح الشمالي للهند مع سعي الحكومة إلى تكوين شراكات جديدة.

واستطرد التقرير: إذا سقطت الحكومة الأفغانية أمام طالبان، سيزداد نفوذ باكستان على أفغانستان، وذلك من شأنه أن يعزز نفوذ المتطرفين على باكستان نفسها، وفي كلتا الحالتين، ستضطر الهند إلى إعادة توجيه المزيد من الموارد والاهتمام إلى جناحها الضعيف وبعيدا عن المحيط الهندي والمجال البحري، وبدلا من تعزيز موقف الهند، سيكون الانسحاب الأمريكي بذلك مقيدا لحركة إحدى سيقان الرباعية.

ونوه إلى أنه سيكون لانتصار طالبان تأثير قوي على مصداقية الولايات المتحدة لدى الحلفاء الآسيويين، فقد صُدمت إدارة أوباما بردود الفعل السلبية في طوكيو وسيول على قرار واشنطن بعدم فرض خط أحمر ضد سوريا في العام 2013.

وأشارت المجلة إلى أنه حتى الآن، كان الحلفاء الآسيويون هادئين إلى حد ما بشأن قرار الانسحاب من أفغانستان، ولكن إذا تم تداول صور لطالبان منتصرة وهي تمزق بقايا الحكم الديمقراطي وحقوق المرأة، فستكون صورة فشل الولايات المتحدة مترسخة في وعي الحلفاء الذين يقيمون وفي بعض الأحيان يشككون في التزام الولايات المتحدة بالقيم الديمقراطية المشتركة في منطقتهم.



وأردف التقرير: في حين يفضل الحلفاء الآسيويون تحويل المزيد من الموارد إلى منطقتهم للتعامل مع الصين وكوريا الشمالية، إلا أنه كما حذر رئيس الوزراء السنغافوري السابق لي كوان يو ذات مرة، لن يتمكنوا من تجاهل الأمثلة الدامغة على تراجع الولايات المتحدة في أماكن أخرى من العالم.

وأكملت "فورين بوليسي": يعتبر السيناريو الأكثر احتمالا لأفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، هو اضطرار الولايات المتحدة لإعادة الانخراط في أفغانستان، بما في ذلك عسكريا، فمن المعروف أنه عندما سيطرت طالبان على أفغانستان أو سيطر تنظيم داعش على أجزاء من العراق وسوريا، أنتجت هذه الملاذات الآمنة عشرات المقاتلين المتطرفين الذين لم يضربوا بعد ذلك الولايات المتحدة فحسب، بل أيضا حلفاء وشركاء رئيسيين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مثل أستراليا وإندونيسيا.

وأشارت إلى أنه لا يمكن فصل مستقبل أفغانستان وأمن الولايات المتحدة وأهم حلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولن يوفر الانسحاب الكامل الموارد على المدى الطويل.

وقالت المجلة إنه وبعد أن سحبت الولايات المتحدة جميع قواتها بحماقة من العراق في العام 2011، اضطر رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما إلى إعادة القوات الأمريكية بعد عامين ونصف العام للعراق، بعد أن غزت قوة إسلامية متطرفة منطقة بحجم بريطانيا العظمى، ودربت وألهمت مئات الانتحاريين والمقاتلين الأوروبيين، وهددت بسقوط الحكومة العراقية والسيطرة على نفطها، ونفذت إبادة جماعية ضد الشعب الأيزيدي.



ويجادل الخبراء بأنه كان من الأفضل للولايات المتحدة من حيث التكلفة أن تحافظ على وجود مستمر مخفض بدلا من المغادرة ثم العودة بقوة كبيرة، وكانت هذه الأزمة هي أكثر ما قوض جهود إدارة أوباما في التركيز على آسيا في العام 2011.

وأوضحت المجلة أن هذه ليست حجة لحفاظ الولايات المتحدة على مسارها في أفغانستان، بل ضد ميل الولايات المتحدة للانسحاب الكامل دون الاكتراث للعواقب، فعلى الرغم من أن الإغلاق الكامل قد يكون جذابا لأنصار إنهاء الحروب الأبدية، في اليسار واليمين السياسيين، إلا أن هذه الإستراتيجية يجب أن تكون تدريجية وليست جذرية.
ولا تحتاج القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ كل أصول قوات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع أو العمليات الخاصة الموجودة حاليا في أفغانستان.

وأشار التقري إلى أنه بقدر ما يرغب مجتمع العمليات الخاصة في الانضمام إلى كل خدمة أخرى في لعبة المنافسة في الصين، إلا أن أهم مهامه في السنوات المقبلة لن تكون على الأرجح في منطقة قيادة الهند والمحيط الهادئ، فالوجود الأمريكي الحالي في أفغانستان لا يستنزف هيكل القوة ولا يضر بعمليات التجنيد والاحتفاظ، ولم يتكبد الجيش الأمريكي أي خسائر في أفغانستان منذ ما يقرب من عام ونصف العام، وعانى أقل من 100 حالة وفاة في السنوات الثماني الماضية.



وأضاف التقرير أنه لم يطلب أي من حلفاء واشنطن الآسيويين من الولايات المتحدة مغادرة أفغانستان، حيث كان هذا القرار يعكس السياسة الداخلية للولايات المتحدة بدلا من القلق من الوجود المتبقي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأكدت المجلة يجب أن تكون وزارة الدفاع الأمريكية قادرة على التركيز على أكثر من مشكلة في آن واحد، حيث إن عجز الولايات المتحدة عن التعامل مع الصين بالإضافة إلى الاحتفاظ بوجود صغير ومستقر في أفغانستان، سيشير إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع التعامل مع توسع نفوذ الصين على الإطلاق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com