كيف تنظر روسيا إلى الاضطرابات الحاصلة في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد؟
كيف تنظر روسيا إلى الاضطرابات الحاصلة في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد؟كيف تنظر روسيا إلى الاضطرابات الحاصلة في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد؟

كيف تنظر روسيا إلى الاضطرابات الحاصلة في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد؟

يفترض متابعون أن النقاد الروس ينتهزون الفرصة للاستفادة من المظالم الأمريكية، وإثارة الصراع، والإشارة إلى النفاق الأمريكي، مستغلين الفوضى التي خلفها حادث مقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض.

ووفقًا لمجلة "فورين بوليسي"، بالفعل كان هناك بعض الشماتة، ولكن بعيدًا عن توجيه رسالة موحدة للعالم أو لجمهورها المحلي، كانت وسائل الإعلام الحكومية الروسية تبث مناقشات حول حملة حياة السود مهمة، من خلال بعض برامجها الحوارية التلفزيونية الشعبية، والتي تعكس الكثير من النظريات حول نظرة الكرملين إلى نفسه وهشاشة سلطة الدولة.

الفوضى والتمرد

مثل كلمة التمرد تحمل كلمة "الفوضى" في اللغة الروسية دلالات سلبية للغاية، حيث يرى العديد من الروس أن الاحتجاجات والتمردات من المرجح أن تنتهي بشكل سيئ، حتى لو حققت أهدافهم من حين لآخر، فقد كانت هذه تجربة روسيا.



إذ ينظر الكرملين إلى كل من الثورة البلشفية لعام 1917 وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 على أنهما كارثتان لروسيا، من وجهة نظر محلية وجيوسياسية، وعلاوة على ذلك، يرى الروس أنه من المستبعد أن تؤدي الاحتجاجات إلى نتائج جيدة، حيث من المستبعد أن تكون مدفوعة بشعور حقيقي.

مؤامرات

ويرى الرأي السائد الساذج أن الاحتجاجات عادة ما تكون نتاج مؤامرات غامضة تحت الأرض، تهدف إلى الاستيلاء على سلطة الدولة.

فعلى سبيل المثال، تتحدث القناة الأولى في روسيا، وهي إحدى القناتين الفيدراليتين الرئيسيتين، بنفس أسلوب المسؤولين الروس وصناع السياسات، وفسر النقاد الروس في البرامج الحوارية للقناة الأولى الاحتجاجات الأمريكية بالطريقة التي ينظرون بها إلى الروس.

إذ يصور التلفزيون الروسي مظاهرات حياة السود مهمة وردود الشرطة والحكومة عليها على أنها نتاج مؤامرات الأحزاب السياسية.

يقترح البعض أن الديمقراطيين ووكلاءهم السريين يسعون لتقويض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويشير آخرون بأصابع الاتهام إلى إدارة ترامب نفسها، والتي تحاول بشدة إحكام قبضتها على السلطة.

وقامت البرامج الحوارية المتعددة من Vremya Pokazhet إلى Bolshaya Igra، بتحليل جميع الدوافع المحتملة للاحتجاجات، والتي كان أحدها المشاعر الشعبية الحقيقية ضد الظلم.

وتركزت المناقشات خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات حول ما يسميه النقاد الروس "التقنيات السياسية"، والتي تشير إلى التلاعب والمؤامرة الخفية، ورأى المناقشون الأحداث على أنها حرب عرقية تعكس عللًا اجتماعية أمريكية عميقة الجذور، لكن السؤال الحقيقي هو أي الأحزاب السياسية كان الأكثر استفادة من تأجيج وتنظيم الاحتجاجات قبل الانتخابات الرئاسية؟



ومع ذلك، لم تكن هناك نظرية روسية موحدة، بل كان كل خبير يقدم نظريته الخاصة، وتعاطف مذيع Vremya Pokazhet بصدق مع عمدة مدينة مينيابولس الذي ركع وبكى، وقال على الهواء: "إذا كنت صحفيًا متشائما، لقلت إنه يفعل ذلك من أجل الكاميرات، لكني لن أفعل، إذ أستطيع أن أرى أنه حزين حقًا".

ولم يوافق عضو البرلمان فياتشيسلاف نيكونوف، متحدثًا على Bolshaya Igra، ووصف عمل رئيس البلدية بأنه "نفاق"، في حين كان للمعلقين الآخرين على البرنامج آراء مخالفة.

واكتسب السؤال المتكرر الخاص بمن المستفيد؟ والفكرة المصاحبة له بأن هناك مستفيدين أقوياء لديهم مخططات غامضة تدفعهم لتأجيج الاضطرابات، أهمية مع مرور الأيام.

وسأل مذيع Bolshaya Igra في بداية حلقة البرنامج في 6 يونيو / حزيران  الجاري : "من يستخدم الاحتجاجات لدفع أجندته الخاصة؟".



وفي 5 يونيو/ حزيران، قال المحلل العسكري فلاديسلاف شوريجين في Vremya Pokazhet إنه "يراقب من يقوم بإذكاء وتهييج الاحتجاجات، مشيرا إلى أنها قوى معارضة لترامب.

وانحدرت المناقشة إلى نقاش تكتيكي ساخن حول عدد "الانقسامات" التي عانت منها حملة "حياة السود مهمة"، وإلى أي مدى "استمعوا إلى أوامر" من كان ينظمها.

والجدير بالذكر أن تلك القوات المنظمة التي لم يتم تحديدها مطلقًا، تم افتراضها للتو، وأخيرًا، اعترف ألكسندر خينشتين، وهو ناشط قومي صريح ونائب رئيس لجنة أمن مجلس الدوما، بكل بساطة: "أنا لا أؤمن بالاحتجاجات الصادقة".

وسأل خينشتين: "أين تطبيق القانون؟" على التلفزيون الحكومي الروسي، وانحرفت مناقشة رد الشرطة على الاحتجاجات الأمريكية من مقيدة ومنطقية في الأيام الأولى، إلى الفزع والانزعاج، مع رؤية المتحاورين أن حكومة الولايات المتحدة تفقد السيطرة على الشارع الأمريكي.



أظهر مقطع في 1 يونيو على برنامج Vremya Pokazhet صحفيا روسيا يتم رشه بالغاز المسيل للدموع أثناء تقديم تقرير من مينابولس، ومع ذلك حاول الصحفي بكل ما أوتيَ من قوة أن يحافظ على موضوعيته، وأصر على أن "ليس كل رجال الشرطة يتصرفون على هذا النحو"، وقلل من حديث المذيع بشكل عام عن وحشية الشرطة.

الشرطة الأمريكية

تبدو إدانة وحشية الشرطة الأمريكية نتيجة سهلة للنقاد الروس، فقد ازدهرت الثقافة السياسية الروسية منذ فترة طويلة على الدعوة إلى النفاق الأمريكي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن على الرغم من أن بعض المعلقين قد انتهزوا تلك الفرصة، إلا أن الموضوع لم يظهر بشكل بارز في تغطية أو مناقشة الاضطرابات الأمريكية.

وقد يكون سبب هذا الأمر أقل صلة بآراء الولايات المتحدة من دور الشرطة في روسيا، فمن وجهة نظر الحكومة الروسية وأولئك الذين يتشاركون وجهات نظرها، فإن مهمة الشرطة ليست حماية حقوق الإنسان بل منع الفوضى، وبالتالي، لم ترَ وسائل الإعلام الروسية والمتحدثون باسم الحكومة وحشية الشرطة الأمريكية كشيء غريب أو مرعب، بقدر ما أقلقهم عدم احترافية الشرطة المهنية.



وبعبارة أخرى، المشكلة لم تكن أن الشرطة كانت عنيفة، بل أن عنفهم جعل الاحتجاجات والفوضى أسوأ، كما ناقش المعلقون في حلقة 5 يونيو من Vremya Pokazhet، أن فقد السيطرة يعكس استسلام الحكومة للفوضى.

ولفهم هذا التفكير في دور الشرطة، تحدثت مجلة فورين افيرز إلى ضابط شرطة مخضرم بارز في موسكو، وقال: "عندما تتصرف الشرطة بشكل قانوني، لا توجد مشاكل"، مشيرا إلى أن ضباط الشرطة فقدوا كل السلطة في رأيه، عندما ركعوا أمام المتظاهرين، ولكنهم فقدوا كل السيطرة عندما لجأوا إلى القوة الوحشية، وفسر: "لماذا تخنق رجلا لمدة 9 دقائق؟ كل ما عليك فعله هو تكبيله ووضعه في العربة، وهذا كل ما في الأمر".

عدم الاستقرار معدٍ

أشعلت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة أسوأ مخاوف العديد من الروس المقربين من الكرملين، وتنبع هذه المخاوف بدورها من المفاهيم المتشائمة حول بناء الدولة، وأن الطريقة الوحيدة للحفاظ على النظام هي التمسك بالسلطة بأي ثمن، وأن هناك قوى تسعى دائمًا لانتزاع تلك السلطة، وأن أفضل ما يمكن للحكومة فعله هو إحباط أي مؤامرة لزعزعة استقرارها.

ويقلق الروس من احتمالية استسلام دولة عظمى مثل الولايات المتحدة للفوضى، وفي حديثه مع Bolshaya Igra، أكد السناتور البارز أليكسي بوشكوف، جزئياً، على استباق التكهنات بأن موسكو تفضل الاستقرار، وقال: "أين يتركنا ذلك؟ فعدم الاستقرار معدٍ، وهذا القلق حقيقي، وكثير ما يُسمع من المطلعين والمسؤولين هنا في موسكو".

ولا يخشى الكرملين كثيرًا أن تنتشر الاحتجاجات والاضطرابات إلى روسيا، على الرغم من أن الإعلام أشار إلى أنها انتشرت إلى أوروبا، وبدلاً من ذلك، فإنه يحسب أنه سيكون من الصعب التعامل مع الولايات المتحدة غير المستقرة، وقال أحد المساعدين التشريعيين الروس: "في رأيي، ما زالت موسكو غير متأكدة من الأكثر فائدة لنا، بايدن أو ترامب، فنحن نحاول حل ذلك، ومن المؤكد أن عدم الاستقرار لا يساعد، فلا نريد أن نعمل مع حكومة غير مستقرة".

من يتدخل؟

لسنوات وحتى الآن، ألقى الكثيرون في الولايات المتحدة باللوم على عدم الاستقرار الداخلي على القوى الخارجية مثل روسيا، وهذا التفكير هو عرض من أعراض نفس المفهوم الخاطئ حول بناء الدولة، الذي يقول إن الاضطراب هو دائمًا نتيجة لخطة ماكرة يعدها الخصوم بدلاً من فوضى تصنعها الدولة بنفسها.

وهناك معيار مزدوج لهذا المنطق، على الأقل في الجانب الروسي، حيث يعتقد بوتين أن الاحتجاجات الروسية المناهضة للكرملين في 2011-2012 كانت من عمل وزارة الخارجية الأمريكية، ثم سعى العملاء الروس للتدخل في السياسة الأمريكية كرد فعل، ولكن موسكو لديها قناعة راسخة بأن الولايات المتحدة هي الطرف الأقوى والأكثر تشاؤما.

وينكر المطلعون السياسيون أي تدخل روسي كبير في السياسة الأمريكية، ويصرون على أنه إذا حدث، فآثاره ضئيلة بالمقارنة بالقوى الداخلية القوية التي تشكل المشهد السياسي الأمريكي.

ومن المؤكد أن الجهود الروسية لم تكن تهدف إلى تثبيت ترامب في البيت الأبيض، والذي جاء بمثابة مفاجأة كبيرة لموسكو، ولكن لإثبات أن نفوذ موسكو يمكن أن يصل إلى الخارج.

ولا يبدو أن الفوضى الحالية في الولايات المتحدة شيء تتمناه موسكو على صديقها أو خصمها، ففي عام 2015، أثناء دراسة الفوضى في العالم، استخدم بوتين خطاب الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة، وسأل: "هل تدركون ما فعلتم؟".

وفي الآونة الأخيرة، أرجع بوتين الاضطرابات الأمريكية إلى "الأزمات الداخلية العميقة"، مضيفًا أن "مصالح الجماعات الحزبية وضعت فوق مصالح الشعب"، مما أفقد الحكومة سيطرتها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com