”كورونا” ليس الفيروس فقط .. العزل يوجع فقراء العالم
”كورونا” ليس الفيروس فقط .. العزل يوجع فقراء العالم”كورونا” ليس الفيروس فقط .. العزل يوجع فقراء العالم

”كورونا” ليس الفيروس فقط .. العزل يوجع فقراء العالم

ليست كل مخاطر كورونا في هذا الفيروس الذي يتسلل إلى جوف الإنسان، فلربما إصابات عديدة غير ملموسة أوجعت أجساد فقراء العالم، الذين يتحاشون معاناة الوباء فيجدون أوجاع المعدة الفارغة، فلا يعرف هؤلاء طقوس العزل الذي يعني لدى البعض البقاء في المنزل وممارسة التدريبات المنزلية أمام أجهزة التلفزيون الذكية ذات الشاشات الكبيرة، وطهو الطعام الذي تم طلبه عبر الإنترنت وقضاء المزيد من الوقت في الساحات الخلفية للمنازل.

الأمر مختلف تماما عند البعض الآخر، فهو يعني عائلة مكونة من 4 أفراد عالقة في بيت مساحته 40 مترا مربعا، بينما يعاني الأطفال الذين يتعلمون إلكترونيا من ضعف اتصال الإنترنت، فضلا عن خسارة الأسرة مصدر دخلها، لتبحث عن الطعام في القمامة، وسط شعور بالوحدة.

وبينما تضحي الحكومات باقتصاداتها وحرية التنقل لدرء جائحة فيروس كورونا التي قتلت بالفعل نحو 24 ألف شخص، تؤثر هذه التدابير على الفقراء بشكل غير متناسب.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنها تحدثت إلى العائلات والأفراد في مدينتين تعانيان من عدم المساواة الشديدة، وهما هونغ كونغ ومانيلا، للاطلاع على أوضاعهما عن كثب.

وطلبت هونغ كونغ في أواخر يناير/ كانون الثاني، من الشركات والمدارس إغلاق أبوابها، ما أجبر الملايين على العيش في أماكن شبيهة بصناديق الأحذية لمدة شهرين، كما جعلت سياسة جديدة تحد من ساعات العمل في مطاعم ماكدونالدز، الأشخاص المشردين الذين ينامون في المنافذ المفتوحة على مدار 24 ساعة، يتدافعون للحصول على بديل لهم.

وفي الفلبين، فرض الرئيس رودريغو دوتيرتي، إغلاقا لمدة شهر، وأغلق مانيلا والمناطق المحيطة بها، وفرض الإغلاق على 60 مليون مواطن، بما في ذلك عمال مقاولين في قطاعات مثل المبيعات والبناء، والذين لا يمتلكون أمنا وظيفيا يُذكر، ويواجهون الآن خسارة اقتصادية شديدة.

العمل الإلكتروتي غير مجز

كانت حياة أسرة تانغ يي هان (44 عاما)، ونجليها تشارلز تانغ (20 عاما)، وجاستين تانغ (6 أعوام) تزداد سوءا، فزوجها المعيل الوحيد الذي يعمل كعامل بناء، لم يعد يجد عملا منذ اندلاع الاضطرابات السياسية في هونغ كونغ في يونيو/حزيران.

ووصلت الأمور إلى نقطة حرجة مع انتشار فيروس كورونا، وقالت تانغ إن زوجها يعمل حوالي يوم واحد فقط في الأسبوع، ويكسب ما بين 500 دولار و600 دولار في الشهر، بينما يبلغ إيجارهم الشهري للشقة البالغة مساحتها 40 مترا في مبنى متواضع، حوالي 900 دولار.

وكان تشارلز تانغ، نجلها الأكبر، يدرس العلوم الطبية في قوانغتشو في الصين، لكنه عاد عندما أصبحت الدروس عبر الإنترنت مع انتشار الفيروس، وتم تعليق صفوف رياض الأطفال منذ يناير/ كانون الثاني، لابنها جاستن البالغ من العمر 6 سنوات.

وقالت تانغ يى هان، إن الوضع كان شاقا على نجليها، وإن الإنترنت لا يمكنه دعم تعلمهما إلكترونيا في نفس الوقت، مضيفة: "نحن نذهب عادة إلى المكتبة للحصول على كتبهم، ولكن الآن تم إغلاق المكتبة، ولا يمكننا تحمل نفقات إضافية".

وبسبب عدم قدرتها على تحمل نفقات الأدوات الواقية والأقنعة الطبية، بقيت عائلة تانغ داخل منزلها لمدة 4 أسابيع منذ أن انتشر الفيروس لأول مرة، وقالت تانغ إن جاستين نشط ويريد اللعب، ولكن في الغالب لا يستطيع القيام بذلك في مساحته الصغيرة.

وتابعت: "لأننا دائما جميعا في المنزل الآن، من الصعب علينا تشارك المساحة والبقاء هنا".

وكانت تانغ تأمل أن يحظى نجلاها بفرصة لحياة أفضل، لكنها تخشى الآن أن يتعرقل تعليمهما بظروفها، ودون الوصول إلى المواد التعليمية أو الإنترنت المستقر، تتساءل تانغ عما إذا كانا سيتخلفان عن الركب، خاصة مع اقتراب الامتحانات الحاسمة لتشارلز، وامتحانات دخول المدرسة الابتدائية تلوح في الأفق لجاستين.

وقالت تانغ: "لقد رأينا بالفعل مشاكل تتراكم العام الماضي، والآن، يريد مالك العقار طردنا لدفعنا الإيجار في وقت متأخر، لا يمكننا أن نعيش دون دعم".

رفوف فارغة

من جهتها، قالت بانغ شوك تشون (87 عاما): "ربما لا يكون الحصول على عائلة مقدرا لي، فأطفالي يكبرون ولديهم حياتهم الخاصة، ولا أريد أن أزعجهم".

وتعيش بانغ المطلقة، وحدها في عقار سكني عام، وسمعت لأول مرة بقصة الفيروس التاجي من أحد جيرانها.

وبعد أن عاشت خلال الحرب العالمية الثانية،  وشهدت انتشار السارس عام 2003، لم تكن قلقة للغاية في البداية، وتركت المنزل دون معدات واقية في منتصف يناير، وحثها أحد المارة على تخزين أقنعة واقية، محذرا إياها من أن سنها يجعلها أكثر عرضة للإصابة.

ومع ذلك عندما بدأت تبحث عن الكمامات، بدأت موجة التخزين المدفوعة بالذعر، وباتت رفوف متاجر المحلات فارغة، وتشكلت خطوط طولها ساعة حول الصيدليات القليلة التي كانت بها أدوات واقية، وليس لدى بانغ قدرة على الوصول إلى الإنترنت من المنزل، ولا تعرف كيفية استخدام التسوق عبر الإنترنت.

وقالت: "لم أحاول أبدا أن أقف في الصف لشراء أقنعة طبية، حيث تعرضت لإصابة شديدة في ساقي من قبل، وأنا أقلق من التعرض لحادث، إذا وقفت في الطابور لفترة طويلة".

وتعيش بانغ بدعم من تبرعات الجيران والأخصائيين الاجتماعيين، ولكنها شعرت بأنها مقيدة في قدرتها على مغادرة منزلها، حيث تم إغلاق منزل المسنين الذي تتطوع فيه، والذي كانت تعزف فيه على الطبل وترقص مع أقرانها، وتقدم المساعدة في مجال الصحة العقلية للمحتاجين، ومع ندرة البقالة والطعام الطازج، نجت بانغ لأسابيع، إذ حصلت على كيس أرز اشترته قبل أن تشح الأطعمة، وكانت الخضروات رفاهية بالنسبة لها تتناولها كل يومين أو 3 أيام.

وقللت بانغ من وقتها خارج المنزل، ووجدت نفسها مضطرة إلى إعادة استخدام الأقنعة الجراحية لعدة أيام، على عكس نصيحة خبراء الصحة، لتتمكن ببساطة من شراء الضروريات، إذ لم تسمح بعض المتاجر وسيارات الأجرة للأشخاص بالدخول بدون أقنعة.

وأوضحت: "الأشخاص العاديون مثلي لا يمكنهم شراء الأقنعة، ولا يمكننا تحمل تكلفة المطهر اليدوي أيضًا، ولذلك لا يمكننا الخروج، ولا يمكنني رؤية أي أمل الآن، فمن الصعب معرفة متى سينتهي كل هذا".

تأقلم مع الوضع

وعلى الرغم من الإعاقات الشديدة التي كان جاكي تشان (33 عاما) يعاني منها منذ ولادته، بما في ذلك الشلل الدماغي الذي تركه بضعف في العضلات والعمى في إحدى العينين والرئتين الضعيفتين، تعلم جاكي كيف يتأقلم مع الوضع، فعلى كرسيه المتحرك المزود بمحركات، طور روتينا منحه بعض الراحة: الذهاب إلى ورشة عمل حيث يتعلم صنع منتجات التعبئة والتغليف، والدردشة مع الأشخاص المعاقين الآخرين هناك في فترات الراحة والتطوع في وقت فراغه.

وقال: "أنا شخص إيجابي للغاية ومنفتح، ولكن الآن، ولأول مرة منذ 20 عاما ذهبت إلى العمل لأجد الورشة مغلقة".

وأصبح وضع تشان أكثر صعوبة عندما لم يتمكن من الحصول على دواء الربو من المستشفى، ما أدى إلى تقليص الخدمات هذا العام وتأجيل المواعيد الأقل إلحاحا، وعندما تفشى الفيروس عبر هونغ كونغ في يناير، لم يكن قادرا على الحصول على أقنعة طبية، وحتى عندما وجدها، لم يكن بوسعه أن يشتريها.

هذا ويدعم تشان والدته، التي أصبحت الآن عاطلة عن العمل، وتتلقى مساعدة من جمعية خيرية، وهي جمعية توجيه المعاقين، التي يتطوع فيها تشان أيضا، ولكن التبرعات الخيرية للجمعية قد انخفضت بقدر كبير.

وفي المنزل، شعر تشان بالعزلة والوحدة، حيث ترعى والدته جدته المريضة، ويبقى تشان في المنزل وحده لمدة تصل إلى 6 ساعات في اليوم.

وقال تشان الذي تجبره حالته على أن يكون أكثر حذرا بسبب أمراضه المزمنة: "يصعب علي للغاية قضاء ذلك الوقت، وفي كل يوم، أتساءل عما إذا سأكون الحالة التالية، أنا خائف للغاية".

مانيلا

عندما أُغلقت مانيلا وأُوقفت وسائل النقل العام، فقد ليلوي ناتورينا (56 عاما) وظيفته كسائق لإحدى سيارات الجيب التي يبلغ عددها 50 ألف سيارة في المدينة، وهي مركبات عامة ملونة من بقايا الحرب العالمية الثانية.

ووجد هو وأبناؤه الثلاثة وزوجاتهم -وهم جميعا عمال لا يحصلون على أجر إذا لم يعملوا- أنفسهم عاطلين عن العمل بين عشية وضحاها، وهم يعيشون تحت سقف واحد في مجتمع ساحلي جنوب مانيلا، حيث الإيجار رخيص، وترك أحد قادة القرية حقيبتين من المساعدة لأسرته، يحتوي كل منها على رطلين من الأرز، و4 عبوات نودلز، و4 علب من السردين واثنين من أقنعة الوجه، ولكن بالنسبة لأسرته المكونة من 15 شخصا، لا تكفي هذه المساعدات.

وفي يوم الإعلان عن الإغلاق، اشترى ليلوي 55 رطلا من الأرز، وبحلول يوم السبت، لم يتبق سوى 7 أرطال فقط، ومع استنزاف رفوف الصيدليات، نفد الكحول المطهر لدى الأسرة، يوم الأربعاء.

وفي عمله، اعتاد ناتورينا أن يجني أقل من 20 دولارا في اليوم، لكنه تمكن من شراء الطعام للأسرة، ولكن الآن لم يعد يعرف كيف ستعثر العائلة على وجبتها التالية.

وما إن يبدأ حظر التجول في الساعة الـ8 مساء، على حد قوله، يقوم حوالي 20 ضابطا مسلحا بدوريات في قريتهم، حيث نشر رودريغو دوتيرتي الشرطة والجيش في نقاط التفتيش، وأخبرهم أن بإمكانهم اعتقال أي شخص يخالفهم.

وشرح ليلوي موقفه: "كيف يأكل الناس العاديون؟، إذا تم إغلاق العمل، يجب أن يقدموا لنا المساعدة، مثلما يحدث في الدول الأخرى، فإذا مشيت في الشارع، سترى جنودا مدججين بالسلاح، إذا رأيت الشوارع في إيطاليا، ستجد عمالا في مجال الصحة، ولكن هنا يبدو الأمر وكأننا على وشك خوض حرب".

الموت من الجوع

أما جامايكا ريفيرا (18 عاما)، فتحدثت من كوخها الصغير في تايتاي، شرق مانيلا، قائلة: "كلنا سواء هنا، يقول بعض الناس إنه تم انقاذنا من الفيروس التاجي، لكننا نموت من الجوع".

وكانت جامايكا تعيش على بيع السجائر، أما شريكها ريجي ترانيا، فهو بائع متجول لأكياس الأرز، ويكسب ما يصل إلى 5 دولارات في اليوم.

ويعاني طفلهما، البالغ من العمر سنة واحدة فقط، من سعال وجد الوالدان صعوبة في علاجه، بينما نفدت الأدوية من المراكز الصحية التي أُغلقت في وقت لاحق، وفي النهاية أخذا طفلهما إلى المستشفى، وقالت ريفيرا: "قالوا لنا أن نتوخى الحذر وألا نخرج كثيرا".

وفي مجتمعها الصغير والمزدحم، فقد الجميع تقريبا وظائفهم بسبب الإغلاق، وتستأجر ريفيرا واحدا من 20 منزلا مؤقتا على الأقل على قطعة أرض غير مأهولة، وقالت إن عائلتها لم تتمكن من طلب المساعدة من الحكومة المحلية لأنهم لم تكن لديهم بطاقة إقامة، وشرحت: "الحكومة تقتصر تقديم المساعدات على الأشخاص الذين يحملون بطاقات هوية، فماذا عن أولئك الذين لا يملكونها؟، لا نعرف كيفية التسجيل".

وأضافت: "لم يقدم لنا أحد المساعدة، فالمساعدة الوحيدة التي حصلنا عليها كانت من الانتخابات الأخيرة، وكانت خبزا أوشك على النفاد".

فقدان وظائف

وفقدت لويزا كاباتوان (59 عاما) وزوجها ليوناردو وظائفهما بعد الإغلاق أيضا، حيث كانت تقوم بأعمال الخدمة في منزل آخر أغلق أبوابه أثناء الحجر الصحي، وكان زوجها يعمل في مجال البناء، كما فقد ابنهما البالغ من العمر 23 عاما وظيفته في غسيل سيارات، ولا تزال ابنتهما الأصغر في المدرسة، ولذلك عادوا إلى وظيفة يعرفونها جيدًا، وهي البحث في القمامة عن الأشياء التي يمكنهم مقايضتها، وفي اليوم الأول من الإغلاق، اكتشفوا أن متجر الخردة قد أغلق، ومنذ ذلك الحين، قاموا بتخزين ما يمكنهم العثور عليه، لبيعه عند إعادة فتح المتجر.

وفي المساء، يزورون صديقة تبيع الأسماك والخضروات في السوق العامة، وهي واحدة من الباعة القليلين الذين لا يزال يُسمح لهم بالعمل، حيث تعطيهم بقاياها قبل أن تغلق المحل كل يوم، فيعودون إلى المنزل قبل حظر التجول، وقالت لويزا: "كلما طال هذا الوضع، سنعاني أكثر".

وبعد أسبوع من الإغلاق، قامت لويزا وزوجها ومجموعة من الجيران بالبحث في صناديق قمامة الصيدليات عما يمكنهم استخدامه، ولكن منذ إغلاق المتاجر حتى القمامة أصبحت شحيحة.

وترتدي الأسرة أقنعة من القماش، لكنها تفتش في القمامة دون قفازات، وعندما يعودون إلى المنزل، يغسلون أقنعتهم ويجففونها ويرشونها بزجاجة كحول واحدة حصلوا عليها كهدية من كاهن.

وقال ليوناردو: "يمكننا تجنب الفيروس، ولكن لا يمكننا تجنب الجوع".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com