سجلات مسربة تكشف موقع إيران السري لإجراء أول تفجير نووي
سجلات مسربة تكشف موقع إيران السري لإجراء أول تفجير نوويسجلات مسربة تكشف موقع إيران السري لإجراء أول تفجير نووي

سجلات مسربة تكشف موقع إيران السري لإجراء أول تفجير نووي

في أوائل عام 2003، بدأت مجموعة من العلماء الإيرانيين تجوب البلاد بحثا عن مكان سري لحفر نفق استثنائي، وفتشوا صحراء "لوط" الشاسعة حتى عثروا أخيرا على ما يبدو أنه المكان الصحيح، وهي منطقة قاحلة تشبه المريخ، وتعتبر واحدة من أكثر الأماكن حرارة وأكثرها جفافا على الأرض.

وبسبب الظروف القاسية في تلك المنطقة الصحراوية لا يعيش أي حيوان أو نبات هناك، ولكنها كانت مثالية لما تريده إيران، وهو إنشاء غرفة تحت الأرض لأول تفجير نووي في البلاد، والتقطت الصور والقياسات ثم خُبئت في انتظار الوقت، الذي تكون القنبلة جاهزة فيه للاختبار.

وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، لم يتم بناء النفق أبدا، ولكن بعد 17 عاما لا تزال الصور والمسوحات موجودة، وهي جزء من مجموعة من الوثائق النووية الإيرانية السرية التي تم تسريبها مؤخرا.

وتثير السجلات، التي تجري دراستها الآن في العواصم الغربية الكبرى، اهتماما جديدا في الوقت الذي يسعى فيه خبراء الأسلحة إلى الإجابة عن سؤال مفاجئ، وهو متى يمكن لإيران صنع قنبلة نووية إذا قررت القيام بذلك؟

تسارع التخصيب

وهذا الأسبوع ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، أن إيران تسارع إنتاجها لليورانيوم المخصب وسط تصاعد التوترات بشأن انسحاب إدارة ترامب من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، ويحتمل أن يوفر هذا المخزون المتزايد عنصرا حاسما في صنع طهران قنبلة مستقبلية، وهو اليورانيوم القابل للانشطار.

وتقدم الوثائق المخفية منذ فترة طويلة، التي سرقها الجواسيس الإسرائيليون من إيران قبل عامين، نظرة جديدة حول المدى الذي قطعته إيران بالفعل في الحصول على المكونات الأساسية الأخرى اللازمة لصنع سلاح نووي.

وتعد تلك السجلات، التي تم إصدارها مؤخرا، دليلا على عمق وحجم البحوث النووية الإيرانية السابقة، التي تُظهر أن العلماء في البلاد يتسابقون لإتقان التحديات التقنية الرئيسية.

وتُظهر التقارير الموجزة المقدمة إلى الصحيفة أن المسؤولين الإيرانيين كانوا يقومون بعشرات من التجارب المعقدة عبر شبكة من المختبرات السرية، بينما يسعون أيضا إلى الإجابة عن أسئلة عملية مثل المكان الذي يمكنهم فيه حفر غرفة تحت الأرض لإجراء تجربة نووية في المستقبل.

ووفقا لخبراء من الشرق الأوسط والولايات المتحدة، لا تزال نتائج هذه التجارب متاحة لإيران، ما يقلل المسافة أمامها في حال قرر قادتها أن يسارعوا لتطوير أسلحة نووية.

وقال "ديفيد أولبرايت"، محلل الأسلحة النووية الذي استعرض مئات الصفحات من الوثائق أثناء بحثه لكتاب: "في عام 2003، كان لدى إيران تصميم سلاح نووي وكانت تقوم بعمليات بناء وتقوم بمجموعة كاملة من الأنشطة، ولكن هل هم على استعداد حقا لبدء إنتاج سلاح؟ مازلنا لا نعرف ذلك، ولكن ربما تتعين علينا قريبا معرفة ذلك".

جمع اليورانيوم

ومنذ انسحاب إدارة ترامب من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، تخلت إيران عن العديد من القيود والحدود النووية التي قبلتها بموجب الاتفاق الدولي التاريخي، بما في ذلك الحد الأقصى البالغ 300 كيلوغرام من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وكشف التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تجاوزت تلك القيود، حيث جمعت أكثر من 1020 كيلوغراما من اليورانيوم منخفض التخصيب وفعلت أجهزة الطرد المركزي الجديدة حتى تتمكن من إنتاج المزيد من الوقود النووي بشكل أسرع.

ويذكر أن اليورانيوم منخفض التخصيب يستخدم في محطات الطاقة النووية، ولكن مع المعالجة الإضافية يمكن تحويله إلى يورانيوم عالي التخصيب لصنع قنابل نووية.

ومع تضخم مخزونها، قلصت إيران نظريا المدة التي تحتاجها لصنع قنبلة نووية إلى أقل من 4 أشهر، وفقا لبعض الحسابات المستقلة، وبموجب اتفاق عام 2015، كانت إيران قد أوقفت معظم أجهزة طردها المركزي عن العمل، وتصدر الجزء الأكبر من اليورانيوم وتعمل على تفكيك مفاعل نووي، وقدر المسؤولون الأمريكيون آنذاك مدة تصنيع إيران للقنبلة بنحو عام.

ووافقت إيران أيضا على الخضوع للمراقبة الدولية المكثفة لمنعها من التحايل على القواعد، واعتقد الكثير من المحللين أن الأزمة النووية قد تم تجنبها حتى عام 2030 على الأقل، عندما كان من المقرر انتهاء صلاحية الكثير من شروط الاتفاق.

ومع ذلك تغير الوضع عندما قام الرئيس ترامب، الذي انتقد الصفقة مرارا وتكرارا بأنها قصيرة النظر و"كارثية"، بالانسحاب من الاتفاق وفرض العقوبات على إيران، ومنذ ذلك الحين، سرعان ما وسعت إيران مخزونها المتواضع البالغ نحو 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، والذي لم يكن كافيا لسلاح نووي واحد، إلى كتلة كبيرة ومتنامية من الوقود يمكن أن تسمح لها قريبا بتصنيع عدة قنابل، إذا قررت ذلك.

وانتقد مؤيدو الصفقة ترامب لمحاولته إبطال اتفاق بدا ناجحا، مهما كانت عيوبه، كما أقر مستشارو الرئيس بشهادة في الكونغرس، ولكن العديد منهم أشاروا أيضا في المقابلات إلى أن إجراءات إيران جميعها قابلة للعكس حتى الآن، وأن القادة الإيرانيين مهتمون أكثر بإرسال إشارات تحذيرية من بناء الأسلحة.

وقال "روبرت مالي"، رئيس المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات ومستشار سياسة الشرق الأوسط في إدارتي أوباما وكلينتون: "حتى الآن، لم تكن خطوات إيران دائمة، فقد كان الإيرانيون حريصين على جعل ردهم متناسبا مع العقوبات".

وأوضح أن "إيران تمتلك عدة خيارات بما في ذلك توسيع الترسانة النووية، أو تهديد الأسواق أو تهديد دول المنطقة والوجود الأمريكي داخلها، والتي كان من الطبيعي أن تستخدم إحداها للرد على الضغط الأمريكي الذي يعتبرونه بمثابة حرب اقتصادية".

من جانبه قال "إرنست مونيز"، وزير الطاقة الأمريكي آنذاك، وأحد مهندسي اتفاق عام 2015، إن الإيرانيين امتنعوا حتى الآن عن القيام بأعمال من شأنها أن تشير بوضوح إلى نية لصنع أسلحة، مثل طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الانسحاب من المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي.

وأوضح أن "الأمر المهم للغاية هو أن نظام التحقق يواصل التأكيد على أن إيران لم تسعَ فعليا حتى الآن لبناء القنبلة النووية".

مشروع 110

وتوضح الوثائق الإيرانية المكشوفة صورة ما سيبدو عليه بذل إيران لجهد "فعلي" لبناء القنبلة النووية، فمنذ عام 2007 على الأقل، عرفت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن إيران أطلقت برنامجا سريا يسمى المشروع 110، وهو جزء من مبادرة أكبر تعرف باسم خطة AMAD، في أواخر التسعينيات بهدف بناء حوالي 5 قنابل نووية بسرعة.

ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الزعماء الإيرانيين علقوا البرنامج بعد فترة وجيزة من الغزو الأمريكي للعراق المجاور عام 2003، ولكن الوثائق النووية الإيرانية، التي سرقها عملاء إسرائيليون من مستودع في طهران عام 2018، قدمت قدرا هائلا من التفاصيل الجديدة حول مشروع الأسلحة النووية المهجور، وأوضحت كيف عملت الوكالات والمختبرات الإيرانية بأقصى سرعة لإتقان التقنيات والمهارات الحيوية وفق جدول مضغوط للغاية.

وتمت مشاركة الوثائق، التي تتألف من عشرات الآلاف من الصفحات المطبوعة وأقراص الكمبيوتر، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا ومع الولايات المتحدة وعدة حكومات أخرى.

وأكد مسؤولو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقابلاتهم أنهم يواصلون البحث في الوثائق وأنهم واجهوا المسؤولين الإيرانيين حول العديد من البرامج والمرافق البحثية المزعومة التي لم تكن معروفة من قبل.

وقال "رافائيل غروسي"، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعين حديثا، في مقابلة أجريت معه في واشنطن الشهر الماضي: "نأخذ المعلومات على محمل الجد، لكننا لا نعتبرها حقائق نسلم بها، بل نبذل جهدا مضنيا للغاية للتحقق من مصداقية المعلومات".

وتوضح الوثائق كيف عمل الباحثون النوويون الإيرانيون جنبا إلى جنب في محاولة لحل العديد من التحديات التقنية المعقدة في صنع السلاح النووي، ويُظهر أحد ملخصات أولبرايت كيف أجرت إيران حوالي 200 اختبار على مدار 7 أشهر، والتي كان معظمها يهدف إلى إتقان مشاكل الفيزياء المتعلقة ببناء مجموعة من الشحنات المتفجرة حول مجموعة أساسية من معدن اليورانيوم، ومع ضبط دقة التوقيت، تتسبب الانفجارات في انهيار اليورانيوم، ما يؤدي إلى تفاعل نووي.

ووفقا لجدول بيانات أعده مشرفو المشروع 110، تم إجراء 32 اختبارا في المتوسط كل شهر، وهو رقم مثير للدهشة وأكبر مما كان معروفا في السابق، حسبما قال أولبرايت والمؤلفة المشاركة "سارة بوركهارد" في أحد التحليلات.

وتُظهر الوثائق أن المسؤولين الإيرانيين كانوا يجمعون البيانات الجيولوجية وبيانات المياه الجوفية ويلتقطون صورا لمواقع في الصحراء، حيث يمكن أن يحفروا مساحة عميقة في الأرض لاختبار الأسلحة.

وتعتبر صحراء لوط من أعلى الأماكن حرارة على هذا الكوكب، وسجلت الأقمار الصناعية التي تمر فوقها، أن درجات الحرارة عليها تصل إلى 159 درجة فهرنهايت على سطح الرمال، وهذا المناخ القاسي يضمن خلو الصحراء من الحياة، ما يجعلها مثالية كموقع للتجارب النووية.

إلا أن الوثائق لم توضح مقدار معدات الاختبار المتبقية لدى إيران بعد تعليق البرنامج، ويرجح أن بعض هذه المعدات والمنشآت تحتاج إلى إعادة التصميم أو البناء بعد مرور حوالي عقدين من الزمن، ولكن أولبرايت رجح أن تكون إيران قد احتفظت ببعض المكونات الأخرى من المشروع 110.

وكما هو متوقع، يصعب الحصول على إجابات صريحة من طهران، فلم تعترف إيران أبدا بجهودها السابقة لصنع قنبلة، وفي الأشهر الأخيرة منعت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من زيارة 3 مواقع محددة في الوثائق، حسبما جاء في تقرير للوكالة هذا الأسبوع.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com