ما لا تعرفه واشنطن عن المرجع الشيعي "الصامت" علي السيستاني
ما لا تعرفه واشنطن عن المرجع الشيعي "الصامت" علي السيستانيما لا تعرفه واشنطن عن المرجع الشيعي "الصامت" علي السيستاني

ما لا تعرفه واشنطن عن المرجع الشيعي "الصامت" علي السيستاني

سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير جديد الضوء على شخصية المرجع الشيعي العراقي البارز آية الله علي السيستاني، وأسلوب تعامل الإدارة الأمريكية مع نفوذه السياسي، وصمته الغامض.

وتعرض التقرير لعلاقة الولايات المتحدة بالسيستاني، وكيف يدير الرجل في نفس الوقت ارتباطه الخاص بإيران، واستطرد في السياق نشر وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في يناير الجاري 3 تغريدات باللغات الإنجليزية والعربية والفارسية، متمنيًا للمرجع الشيعي الشفاء العاجل، ووصفه له بأنه "مصدر إلهام".

وأشار التقرير إلى أن هذه المعايدة كانت محاولة من جانب بومبيو لإظهار دعم الولايات المتحدة للزعيم الشيعي، الذي تعتقد الإدارة أنه يقاوم النفوذ الإيراني في العراق.

ويأتي ذلك بعد أسابيع فقط من قيام بومبيو، نفسه بتشجيع الرئيس دونالد ترامب، على اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، في غارة جوية بينما كان الجنرال يزور العراق.

ووفقًا للمجلة لا يعتبر تأييد بومبيو لسياسة الضغط الأقصى ضد ما أسماه "حكم خامنئي"، سرًا، ولكن نهجه المختلف والمتضارب تجاه آية الله هو خطأ آخر من جانب الحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط المضطرب، فبعد يوم واحد فقط من مقتل سليماني، أرسل السيستاني رسالة غير مسبوقة إلى خامنئي يعرب فيها عن تعازيه للزعيم الإيراني.

وأشاد السيستاني في تعزيته بالدور الاستثنائي الذي لعبه سليماني في الحرب ضد داعش في العراق، وهذه الرسالة هي الأولى من نوعها بين المرجع الأعلى في العرق وخامنئي خلال عقود، فنادرًا ما أصدر الرجل خطابًا حول وفاة رجل دين، مما يثير السؤال حول ما كان مميزًا في سليماني ليجعل السيستاني يرسل رسالة عامة إلى المرشد الأعلى.

وبحسب المجلة الأمريكية، تكمن الإجابة في "إيمانهم المشترك بضرورة بذل جهد منظم وشامل لمكافحة تهديدات الغرباء"، ويأتي هذا التهديد المتصوَّر لهما من جماعات متشددة متعصبة مثل داعش ومن التدخل الأجنبي في المنطقة، ففي نظرهم، كلاهما أدى إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي على مدى العقد الماضي.

وللتصدي للتهديد السابق، تقول "فورين بوليسي" إن السيستاني اتخذ إجراءات صارمة ونهائية في حزيران/يونيو 2014".

وأشارت إلى أنه "مع تزايد خطر تعدي داعش على بغداد، أصدر فتوى للجهاد، تلزم جميع العراقيين القادرين على محاربة الإرهابيين بالانضمام إلى قوات الأمن العراقي والدفاع عن وطنهم".

وتابعت:"كان هذا بعد قرن تقريبًا من فتوى آية الله كاظم اليزدي ضد القوات البريطانية التي غزت العراق في العام 1914، والتي كانت المرة الأخيرة التي يصدر فيها زعيم شيعي مثل هذا المرسوم السياسي".

ومع ذلك، مهدت فتواه الطريق لتأسيس قوات التعبئة الشعبية العراقية، وعندها سارع سليماني وفيلق القدس لمساعدة العراقيين على تنظيم الوحدات الشعبية في قتالهم ضد داعش.

وفي رسالته، اعترف السيستاني بالدور "الاستثنائي" و"الذي لا يُنسى" الذي لعبه سليماني بتحقيق هذا الهدف.

وعندما يتعلق الأمر بالتدخل الأجنبي، لا يمكن للسيستاني بصفته نخبة دينية شيعية، البقاء على الهوامش عندما يكون الشيعة في بلدان أخرى  في خطر، بما في ذلك لبنان وإيران، مثلما اتصل سرًا بالولايات المتحدة لدعم وقف إطلاق النار خلال حرب العام 2006 بين الجماعة المسلحة وإسرائيل.

وكان حامد الخفاف، ممثل السيستاني في بيروت وصهره، قد كشف خلال مقابلة مع صحفية في آب/ أغسطس 2012، أنه في ذلك الوقت وبناءً على طلب من نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، أرسل السيستاني رسالة إلى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عبر ساع عراقي، يذكره بالعواقب الإقليمية لتأجيل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

وبعد يومين، على الرغم من الاعتراضات السابقة، صوتت الولايات المتحدة لصالح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 ودعت إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

كما يعتبر موقفه من إيران، وهي حكومة دينية شيعية بقيادة زملائه آيات الله، مختلفًا، فعلى الرغم من أنه من أصل إيراني، إلا أنه لم يتدخل علنًا في الشؤون الداخلية لإيران، ولم يرد على أسئلة أتباعه الشيعة الإيرانيين، عندما سُئل عن القضايا الداخلية، بل بالعكس، فقد نصح مرارًا وتكرارًا أولئك النخب الإيرانية الذين قابلوه بأن يتحدوا تحت قيادة خامنئ.

ولا يوجد نقاش حول حقيقة أن السلطات الدينية في العراق وإيران لديها وجهات نظر سياسية مختلفة، ومع ذلك، هناك العديد من الأسباب التي تؤيد الاعتقاد بأنه عندما تكون أي مؤسسة دينية مهددة من قِبل "الأجانب"، فإن أولويته الجماعية ستكون الحفاظ على الوحدة.

ما لا يدركه الأمريكيون عن المرجعيات

يعتقد معظم آيات الله الشيعيين أنه يتعين عليهم تجنب أي محاولة لإضعاف سلطة رجال الدين، ونظرًا لأن إيران يحكمها آيات الله، فبالنسبة للسيستاني، لا تهم الاختلافات الفكرية، فأي تهديد لجمهورية إيران يعد هجومًا على تطلعات الإسلام الشيعي.

وتوضح رسالة السيستاني أنه لم ولن يكون أبدًا عدوًا لإيران، على الرغم من جميع الخلافات التي قد تكون بينه وبين قادتها، وهذه نقطة لا يدركها صناع القرار في واشنطن.

فمرارًا وتكرارًا، أثبتت الإستراتيجية الأمريكية تجاه آيات الله الشيعيين أنها غير مطلعة عندما يتعلق الأمر بديناميكياتهم وأولوياتهم ومصالحهم الداخلية، والمتمثلة في دعم آيات الله الثابت للسلطة الدينية الشيعية ومكانتها، هي في غاية الأهمية ومبدأ ثابت بينهم، لدرجة أنها دفعت رجل الدين الشيعي العنيد مقتدى الصدر إلى إعادة النظر في مواقفه السابقة.

وتزامن صعود الصدر مع الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، وآنذاك كان في أوائل العشرينات من عمره، وانتقد صراحة سلطة النجف الدينية، مشيرًا إليها على أنها "مدرسة صامتة"، ومنددًا بنهجها السلبي تجاه الأحداث السياسية التي تجري في محيطها.

وأراد الصدر أن يعمل السيستاني كقائد ثوري، وربما كان يريد رؤية نسخة عراقية لمؤسس جمهورية إيران الإسلامية، آية الله روح الله الخميني.

ومع ذلك، كان للزعيم الشيعي الذي يبدو هادئًا، خطة مختلفة، فمن وجهة نظره، كانت الأولوية لمستقبل الطائفة الشيعية وسلطتها الدينية في مثل هذا الوقت والمنطقة المضطربة، وكان السيستاني يتطلع إلى فرصة حصول الشيعة على السلطة في عراق ديمقراطي، على الرغم من أنه أعرب في عدة مناسبات عن استيائه من موقف النخب السياسية الشيعية في السلطة.

ولم يكن هذا مجرد قلق السيستاني؛ بل مصدر قلق لجميع القادة الشيعة البارزين، ففي إيران، كان على خامنئي أن يزن تكاليف وفوائد استخدام الخطاب الأيديولوجي القاسي ضد الولايات المتحدة وبذل الجهود لمحاربة النفوذ الأمريكي في العراق أمام فقدان الشيعة للفرصة الصعود إلى السلطة لأول مرة في تاريخ العراق الحديث من خلال العملية السياسية.

وفي النهاية، اختار خامنئي كلاهما، من خلال دعم العملية السياسية تحت رعاية السيستاني وخلق مسار مواز، ودعم الفصائل التي سعت لمحاربة قوات التحالف، والتي كانت جماعة مقتدى الصدر بينهم، ثم بدأت علاقات الصدر مع السيستاني، تتدهور بعد أيام فقط من الإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003.

وفي إحدى المرات في نيسان/أبريل 2003، حاصر أنصار الصدر آية الله، وطالبوه بمغادرة العراق، وتعود أصول هذا التوتر إلى والد الصدر، "محمد محمد صادق الصدر"، وهو رجل دين عراقي بارز اعتاد أن يكون من أشد المنتقدين لصدام قبل تعرضه للاغتيال في العام 1999.

وانتقد صادق الصدر رجال الدين بشدة في النجف، بمن فيهم السيستاني، وكان يرى أن نهجهم الهادئ في السياسة يترك الشيعة العراقيين بلا قيادة تقريبًا في مواجهة التجاوزات المتفشية لنظام صدام، وفي صيف 2004، حاصرت القوات الأمريكية الصدر ومجموعة من أنصاره في ضريح الإمام علي في النجف.

ووضعت الخلافات بين الرجلين جانبًا بسبب ما اعتبره السيستاني في مصلحة الشيعة، وهذا سمح له بلعب دور محوري في إنهاء هذه الحلقة، وبنى على النفوذ الطبيعي لكونه أحد أعلى السلطات الدينية في الإسلام الشيعي، بحسب المجلة.

وقالت إن خامنئي أيد تحركات السيستاني، وأرسل له رسالة يحثه على التدخل، وعلى الرغم من أن إيران كانت الداعم الرئيس للصدر خلال تلك الفترة، إلا أن دور السيستاني المتوازن داخل المجتمع الشيعي كان في مركز انتباه الناس.

وتم تسليم رسالة خامنئي إلى السيستاني عبر الهاتف وكانت دعوة للتدخل ومنع مقتل رجل دين مثل الصدر في ضريح الإمام علي، إذ كان المرشد الأعلى الإيراني يخشى من تداعيات مقتل الصدر من جهة وفكرة تعرض رجل دين شيعي للقتل في قتال ضد القوات الأجنبية.

وتقول رسالة خامنئي الهاتفية، التي نقلها نجل السيستاني "محمد رضا":"ما يحدث سيئ جدًا للشيعة، وإذا كنت أنا ورجال الدين في إيران لم نفعل شيئًا، فهذا من باب الاحترام لك، لكن من الضروري أن ترسل رسالة قوية للحكومة العراقية".

وأضاف خامنئي في حديثه:"إذا قُتلت هذه المجموعة، وسُفك دماء مقتدى، سيقول الشعب العراقي والشيعة إن رجال الدين جلسوا وشاهدوهم يُقتلون، يجب أن يكون هناك حل".

وعمل السيستاني وخامنئي عن كثب معًا عن بُعد للوصول إلى وقف لإطلاق النار، ووفقًا للخفاف، المتحدث باسم السيستاني، صاغ الأخير مبادرة من 4 نقاط لوقف إطلاق النار أعطيت لممثل خامنئي في النجف ليتم تسليمها للصدر.

السيستاني لا يُرد له قول في العراق

واكتشف الصدر أن سلطة السيستاني سواء أكانت صامتة أم لا، قادرة على التأثير على الأحداث الكبرى وأنه يتمتع بالشرعية، ومنذ ذلك الحين أدركت إيران ذلك.

وفي الواقع، لعب السيستاني دورًا في الأزمة السياسية للعام 2014 حول تعيين رئيس وزراء في العراق، إذ أرادت إيران "نوري المالكي"، لكن السيستاني كان لديه حق النقض، لذلك كان على طهران قبول الكلمة الأخيرة للسيستاني، إذ إنه رجل الدين الشيعي الأعلى مرتبة في العراق، ولا يجوز تقويض موقفه من قِبل زملائه الإيرانيين، وبالفعل أدى اعتراض السيستاني على المالكي إلى تعيين حيدر العبادي كرئيس للوزراء في سبتمبر 2014.

وقوف في وجه النفوذ الإيراني

وكان آخر مصدر للتوتر هو شعور العراقيين المتزايد بالاستياء تجاه إيران بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية للعراق، وأثار السيستاني هذه القضية، قبل وقت طويل من اندلاع الاحتجاجات المستمرة في العراق، عندما التقى بالرئيس الإيراني حسن روحاني في مارس الماضي.

وخلال الاجتماع، أكد"ضرورة احترام سيادة العراق"، وطالب ببناء العلاقات العراقية الإيرانية على أساس مبدأ حُسن الجوار، ولم يتغير هذا حتى الآن، حيث أكد السيستاني خلال خطبة جمعة، في أعقاب الهجمات الأمريكية والإيرانية على الأراضي العراقية في يناير، أنه لا ينبغي السماح لقوى أجنبية بتحديد مصير العراق.

وبالنسبة للعديد من العراقيين، فإن تدخل إيران في السياسة الداخلية لبلدهم هو المسؤول جزئيًا فقط عن احتجاجهم، وامتداد الحرب بين إيران والولايات المتحدة إلى العراق، كما شهدنا خلال الأسبوعين الأخيرين، واحتمالات تفاقمه حول مقتل سليماني، هو أحد العوامل الأخرى التي أدت إلى تفاقم الصورة السلبية لإيران، بين المحتجين العراقيين خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

وكما هو متوقع لدى السيستاني حل، وهو "عراق متحد وحر وقوي"، وينبغي على الولايات المتحدة وإيران أن تحذو حذوه في تنفيذ هذا الاقتراح، فإقامة عراق موحد، يتخطى فيه جميع المواطنين الخطاب الطائفي ويزرع هوية وطنية موحدة، ويمكن أن يهزم كل تهديدات الأمن الداخلي دون تدخل مباشر من القوات الأجنبية.

والعراق الحر لا يتطلب وجود جنود أمريكيين وقوات التحالف على أرضه كما يمكن أن يعمل كوسيط ماهر بين إيران والولايات المتحدة والعالم العربي الأوسع، إذا كان هناك أي رغبة في الدبلوماسية والمصالحة.

ويرى تقرير المجلة الأمريكية أن أفضل شخص يمكن أن تتحقق هذه الأهداف تحت قيادته هو السيستاني.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com