خلافات القيادة الإيرانية.. شقوق صغيرة تعمق الضغوط الهائلة على طهران
خلافات القيادة الإيرانية.. شقوق صغيرة تعمق الضغوط الهائلة على طهرانخلافات القيادة الإيرانية.. شقوق صغيرة تعمق الضغوط الهائلة على طهران

خلافات القيادة الإيرانية.. شقوق صغيرة تعمق الضغوط الهائلة على طهران

بعد اندلاع احتجاجات عامة أخرى، تعمل إيران على إصلاح الخلافات الداخلية التي ظهرت أخيرا إلى النور، إذ تواجه ضغوطا أكبر من أي وقت مضى في فترة ما بعد الثورة الإسلامية في عام 1979.

في مواجهة الغضب الشعبي من المحاولة الأولى للجيش الإيراني لإخفاء اسقاطه غير المقصود لطائرة ركاب أوكرانية في الـ 8 من كانون الثاني/ يناير، ألقت الحكومة علانية باللوم على القوات المسلحة لحجبها معلومات عن الحادث لمدة 3 أيام.

وقع الحادث عندما كانت الدفاعات الجوية الإيرانية في حالة تأهب قصوى بعد ساعات من شن هجوم صاروخي إيراني على قواعد في العراق يضم القوات الأمريكية ردا على قتل الولايات المتحدة للقائد الإيراني الأعلى قاسم سليماني في الـ3 من كانون الثاني/ يناير.

ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية، هدد الرئيس حسن روحاني بالاستقالة إذا لم تتحمل القوات المسلحة مسؤولية إسقاط الطائرة، حسب دبلوماسي غربي ومستشار لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، كما ورد تهديد روحاني بالاستقالة في وقت سابق في صحيفة "نيويورك تايمز".

وبعد صلاة الجمعة الأخيرة التي قادها المرشد الأعلى علي خامنئي، والتي أُذيعت على شاشات التلفزيون الحكومي، شوهد روحاني وهو يستعد للمغادرة بسرعة بعد الخطبة، وهو أمر رآه الكثير من الإيرانيين كعلامة على عدم الاحترام. وقبل خطبة خامنئي، اتهم متحدث في المسجد علانية حكومة روحاني بالتحريض على الفساد في إيران.

وتعتبر هذه الخلافات العلنية شقوقا صغيرة ولكنها لافتة بشكل استثنائي في الوحدة الشاملة الدائمة والتي دامت منذ أمد طويل بين فصائل المؤسسة الإيرانية، وهي تأتي في خضم حملة إدارة ترامب للضغط الأقصى ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل.

وقبل إسقاط الطائرة، كانت تلك السياسة، وهي نظام العقوبات المصمم لإخضاع إيران، تجعل طهران أكثر حزما ودفعت القيادة الإيرانية إلى تعزيز وحدتها. على الرغم من الغضب الشعبي، وحتى الاضطرابات، تدرك إيران أنها طالما بقيت متحدة، تظل هناك فرصة لبقاء الجمهورية الإسلامية، ولذلك يرجح العديد من الخبراء، أن تعمل بجد للحفاظ على الوحدة.

وقال "كيفان هاريس"، وهو عالم اجتماع تاريخي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وخبير في شؤون إيران: "انقسامات النخبة هي ما يؤدي إلى انهيار الدول، وليس الحركات الاجتماعية".

ومن جانبها شددت إيران موقفها العسكري ردا على العقوبات الأمريكية التي تهدف إلى إجبارها على تقليص بصمتها العسكرية في الشرق الأوسط. وقد ضاعفت من دعمها للجماعات المسلحة الإقليمية في العراق ولبنان وسوريا واليمن، واستولت على ناقلة بريطانية في الخليج العربي، وأسقطت طائرة أمريكية دون طيار، وفقا للولايات المتحدة، وخربت ناقلات في خليج عمان وشنت هجوما مضرا على منشآت النفط السعودية.

كما تراجعت إيران تدريجيا عن التزاماتها بالاتفاق النووي لعام 2015، بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018، في محاولة للضغط على الأطراف المتبقية في الاتفاق، وتحديدا فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، لتخفيف العقوبات.

إلا أن الخطأ الفادح المتمثل في إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية قد حوّل التركيز إلى المناورة المحلية. وقال "هاريس" إن الخلاف بين الرئيس والقوات المسلحة هو "صراع لتوزيع اللوم على المأساة". وفي حين يقول الجيش إن المسألة برمتها كانت نتيجة خطأ ضابط واحد، قال: "روحاني والبيروقراطيون يريدون تحويل اللوم على الجيش ككل كمؤسسة، على أمل تحقيق مكاسب سياسية من المأساة".

يقول بعض الخبراء إن زيادة الضغوط الأمريكية ستعزز عزم النظام الإيراني على عدم التفاوض على صفقة جديدة، خاصة وأن مساحة مناورة روحاني السياسية قد تقلصت مع اقتراب الاتفاق النووي من الانتهاء التام.

لا يمكن الوثوق بواشنطن

وقال "حسين موسويان"، وهو باحث زائر بجامعة برينستون وخدم في الحكومات الإيرانية لعقود من الزمن: "إن الانهيار شبه التام للصفقة النووية والتهديدات المتزايدة من الولايات المتحدة قد أثبت صحة كلام المرشد الأعلى بأن واشنطن لا يمكن الوثوق بها".

وفي تلك الاثناء، من المرجح أن تبرز موجة متجددة من المتشددين في السياسة الإيرانية الشهر المقبل مع توجه الإيرانيين إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الـ21 من فبراير على أعضاء البرلمان الجديد.

وللمساعدة في توحيد القوى المحافظة، قام مجلس صيانة الدستور، والذي يفحص جميع المرشحين والذي خضع لموافقة خامنئي، باستبعاد عدد كبير من الإصلاحيين والمعتدلين من الترشح في الانتخابات، والذين يعمل بعضهم في البرلمان الحالي.

تعزيز "الشعبويين"

وقال "إيرفاند أبراهاميان"، وهو مؤرخ متخصص في تاريخ إيران المعاصر، وتقاعد الآن من كلية باروخ بجامعة سيتي في نيويورك، إن الانتخابات البرلمانية من المرجح أن "تعزز الشعبويين اليمينيين الذين لم يعجبهم الاتفاق النووي، وإذا هيمن المتشددون على الانتخابات، من المرجح أن تنسحب إيران من الصفقة إلى الأبد وتسرع التخصيب النووي".

إلا أن هذه المناورات زادت من حدة التوترات الداخلية، إذ اتهم روحاني مجلس صيانة الدستور بالتحيز السياسي وتعريض ديمقراطية البلاد للخطر.

وقال روحاني يوم الاثنين في اجتماع مع حكام المقاطعات، نقله التلفزيون الإيراني الرسمي: "إن الخطر الأكبر على الديمقراطية والسيادة الوطنية هو اليوم الذي تصبح فيه الانتخابات إجراء شكليا. من المهم جدا أن يشعر الناس أن بإمكانهم الاختيار بين عدة خيارات"، وأضاف مشيرا إلى المحافظين: "على الأقل يجب أن يسمحوا بالمنافسة والمشاركة".

ومع ذلك، يظل روحاني بشكل عام متسقا مع المؤسسة الأوسع. فعلى الرغم من تأييده المعتاد للدبلوماسية الدولية، إلا أنه ساند تهديدات الجيش بإغلاق مضيق هرمز الحيوي ورفض أي محادثات جديدة مع الولايات المتحدة حتى يتم رفع العقوبات. كما بقي صامتا حينما قامت قوات الأمن بقمع المتظاهرين الإيرانيين.

وعندما خرج الإيرانيون إلى الشوارع في نوفمبر للاحتجاج على إجراءات التقشف الحكومية التي رفعت أسعار البنزين بشكل كبير، تسببت حملة أمنية قامت بها قوات الأمن في مقتل عدة مئات من المحتجين، وفقا لجماعات حقوقية ووسائل إعلام إصلاحية مقرها إيران.

وقد اندلعت أسوأ أعمال عنف في ماهشهر، وهي مدينة ساحلية بجنوب غرب البلاد يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة، حيث قام المتظاهرون لعدة أيام بإغلاق الطرق المؤدية إلى المدينة ومصانعها للبتروكيماويات.

واقتحم الحرس الثوري إحدى ضواحي المدينة، وحاصر المتظاهرين في مستنقع بالعربات المدرعة، وقتل ما يصل إلى 100 شخص، وفقا لجماعات حقوقية.

وفي الأسابيع التالية، اعتقلت قوات الأمن الأشخاص المشتبه في تحريضهم على الاحتجاجات وسلمت للعائلات جثث أقاربهم الذين قُبض عليهم أثناء الاحتجاجات. وقد أُعيد أحد المحتجين إلى أسرته ميتا بضربة على رأسه وأثار تعذيب، وفقا لما قاله ناشط عرفه وشارك في احتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر.

ووصفت السلطات الإيرانية المتظاهرين بأنهم "مثيرو الشغب"، وادعت أنهم مدعومون من القوى الأجنبية. وفي صلاة الجمعة النادرة في جميع أنحاء البلاد هذا الشهر، ألقى خامنئي ثقله الكامل وراء الحرس الثوري، ودعا الإيرانيين لدعمهم قائلا: "لقد أبقوا ظل الحرب والإرهاب والدمار بعيدا".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com